[ ص: 56 ] سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ
مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ . وَهِيَ سِتٌّ وَخَمْسُونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أَيْ يَا ذَا الَّذِي قَدْ تَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ ، أَيْ تَغَشَّى بِهَا وَنَامَ ، وَأَصْلُهُ الْمُتَدَثِّرُ فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ لِتَجَانُسِهِمَا . وَقَرَأَ أُبَيِّ ( الْمُتَدَثِّرُ ) عَلَى الْأَصْلِ .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ : مُعْظَمُ هَذِهِ السُّورَةِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَدِّثُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ - قَالَ فِي حَدِيثِهِ : " فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ ص: 57 ] " فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ فِي رِوَايَةٍ - قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ - وَهِيَ الْأَوْثَانُ قَالَ : " ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ " . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قَالَ مُسْلِمٌ : وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ : سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ : أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ ؟ قَالَ : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فَقُلْتُ : أَوِ اقْرَأْ ؟ فَقَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ ؟ قَالَ : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فَقُلْتُ : أَوِ اقْرَأْ ؟ فَقَالَ جَابِرٌ : أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : " جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي ، فَنُودِيَتْ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ - يَعْنِي جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي ، فَدَثَّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ فِيهِ : " فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا ، فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا فَنَزَلَتْ : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ .
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ جَرَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَمْرٌ ، فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ مَغْمُومًا ، فَقَلِقَ وَاضْطَجَعَ ، فَنَزَلَتْ : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وَهَذَا بَاطِلٌ .
وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ : وَقِيلَ بَلَغَهُ قَوْلُ كُفَّارِ مَكَّةَ أَنْتَ سَاحِرٌ ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ غَمًّا وَحُمَّ ، فَتَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قُمْ فَأَنْذِرْ أَيْ لَا تُفَكِّرْ فِي قَوْلِهِمْ ، وَبَلِّغْهُمُ الرِّسَالَةَ .
وَقِيلَ : اجْتَمَعَ أَبُو لَهَبٍ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَقَالُوا : قَدِ اجْتَمَعَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ ، وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ، وَقَدِ اخْتَلَفْتُمْ [ ص: 58 ] فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ ; فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ مَجْنُونٌ ، وَآخَرُ يَقُولُ كَاهِنٌ ، وَآخَرُ يَقُولُ شَاعِرٌ ، وَتَعْلَمُ الْعَرَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ ، فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِدٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بِهِ ، فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ : شَاعِرٌ ; فَقَالَ الْوَلِيدُ : سَمِعْتُ كَلَامَ ابْنِ الْأَبْرَصِ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ ، وَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ; فَقَالُوا : كَاهِنٌ . فَقَالَ : الْكَاهِنُ يَصْدُقُ وَيَكْذِبُ وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ ; فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ : مَجْنُونٌ ; فَقَالَ الْوَلِيدُ : الْمَجْنُونُ يَخْنُقُ النَّاسَ وَمَا خَنَقَ مُحَمَّدٌ قَطُّ . وَانْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَى بَيْتِهِ ، فَقَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ; فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ : مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ ! هَذِهِ قُرَيْشٌ تَجْمَعُ لَكَ شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ ، زَعَمُوا أَنَّكَ قَدِ احْتَجْتَ وَصَبَأْتَ . فَقَالَ الْوَلِيدُ : مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مُحَمَّدٍ ، فَقُلْتُ : مَا يَكُونُ مِنَ السَّاحِرِ ؟ فَقِيلَ : يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ ، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ سَاحِرٌ . شَاعَ هَذَا فِي النَّاسِ وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ . وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِهِ مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِقَطِيفَةٍ ، وَنَزَلَتْ : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : مَعْنَى يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أَيِ الْمُدَّثِّرُ بِالنُّبُوَّةِ وَأَثْقَالِهَا . ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا مَجَازٌ بَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَنَبَّأَ بَعْدُ . وَعَلَى أَنَّهَا أَوَّلُ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثَانِيَ مَا نَزَلَ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ : مُلَاطَفَةٌ فِي الْخِطَابِ مِنَ الْكَرِيمِ إِلَى الْحَبِيبِ إِذْ نَادَاهُ بِحَالِهِ ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِفَتِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ يَا مُحَمَّدُ وَيَا فُلَانُ ، لِيَسْتَشْعِرَ اللِّينَ وَالْمُلَاطَفَةَ مِنْ رَبِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ ( الْمُزَّمِّلِ ) . وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ إِذْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ : " قُمْ أَبَا تُرَابٍ " وَكَانَ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَسَقَطَ رِدَاؤُهُ وَأَصَابَهُ تُرَابُهُ ; خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحُذَيْفَةَ لَيْلَةَ الْخَنْدَقِ : " قُمْ يَا نَوْمَانُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : قُمْ فَأَنْذِرْ أَيْ خَوِّفْ أَهْلَ مَكَّةَ وَحَذِّرْهُمُ الْعَذَابَ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا . وَقِيلَ : الْإِنْذَارُ هُنَا إِعْلَامُهُمْ بِنُبُوَّتِهِ ; لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الرِّسَالَةِ . وَقِيلَ : هُوَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهَا . وَقَالَ الْفَرَّاءُ : قُمْ فَصَلِّ وَأْمُرْ بِالصَّلَاةِ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أَيْ سَيِّدَكَ وَمَالِكَكَ وَمُصْلِحَ أَمْرِكَ فَعَظِّمْ ، وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ أَوْ وَلَدٌ .
وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : بِمَ تَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ ؟ فَنَزَلَتْ : [ ص: 59 ] وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أَيْ وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ تَكْبِيرَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ التَّكْبِيرُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ ، لِخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْأَصْنَامِ دُونَهُ ، وَلَا تَتَّخِذْ وَلِيًّا غَيْرَهُ ، وَلَا تَعْبُدْ سِوَاهُ ، وَلَا تَرَ لِغَيْرِهِ فِعْلًا إِلَّا لَهُ ، وَلَا نِعْمَةً إِلَّا مِنْهُ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : اعْلُ هُبَلُ ; فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " وَقَدْ صَارَ هَذَا اللَّفْظُ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي تَكْبِيرِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا أَذَانًا وَصَلَاةً وَذِكْرًا بِقَوْلِهِ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ) وَحُمِلَ عَلَيْهِ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَارِدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي مَوَارِدَ ; مِنْهَا قَوْلُهُ : " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " وَالشَّرْعُ يَقْتَضِي بِعُرْفِهِ مَا يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ ، وَمِنْ مَوَارِدِهِ أَوْقَاتُ الْإِهْلَالِ بِالذَّبَائِحِ لِلَّهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنَ الشِّرْكِ ، وَإِعْلَانًا بِاسْمِهِ فِي النُّسُكِ ، وَإِفْرَادًا لِمَا شَرَعَ مِنْهُ لِأَمْرِهِ بِالسَّفْكِ .
قُلْتُ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ ( الْبَقَرَةِ ) أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ( اللَّهُ أَكْبَرُ ) هُوَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ ، الْمَنْقُولُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ : " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَكَبَّرَتْ خَدِيجَةُ ، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ .
الْخَامِسَةُ : الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى جَوَابِ الْجَزَاءِ كَمَا دَخَلَتْ فِي ( فَأَنْذِرْ ) أَيْ قُمْ فَأَنْذِرْ وَقُمْ فَكَبِّرْ رَبَّكَ ; قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ : هُوَ كَقَوْلِكَ زَيْدًا فَاضْرِبْ ; أَيْ زَيْدًا اضْرِبْ ، فَالْفَاءُ زَائِدَةٌ .
السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْعَمَلُ . الثَّانِي : الْقَلْبُ . الثَّالِثُ : النَّفْسُ . الرَّابِعُ : الْجِسْمُ . الْخَامِسُ : الْأَهْلُ . السَّادِسُ : الْخُلُقُ . السَّابِعُ : الدِّينُ . الثَّامِنُ : الثِّيَابُ الْمَلْبُوسَاتُ عَلَى الظَّاهِرِ . فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ ; قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ . وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : [ ص: 60 ] يَقُولُ وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ ، قَالَ : وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ خَبِيثَ الْعَمَلِ قَالُوا إِنَّ فُلَانًا خَبِيثُ الثِّيَابِ ، وَإِذَا كَانَ حَسَنَ الْعَمَلِ قَالُوا إِنَّ فُلَانًا طَاهِرُ الثِّيَابِ ، وَنَحْوَهُ عَنِ السُّدِّيِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
لَا هُمَّ إِنَّ عَامِرَ بْنَ جَهْمِ أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَابٍ دُسْمِ وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : يُحْشَرُ الْمَرْءُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ عَلَيْهِمَا يَعْنِي عَمَلَهُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ : إِنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ وَقَلْبَكَ فَطَهِّرْ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، دَلِيلُهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ :
[
وَإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكَ مِنِّي خَلِيقَةٌ ] فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكَ تَنْسُلِ
أَيْ قَلْبِي مِنْ قَلْبِكَ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَهُمْ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ وَقَلْبَكَ فَطَهِّرْ مِنَ الْإِثْمِ وَالْمَعَاصِي ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ . الثَّانِي : وَقَلْبَكَ فَطَهِّرْ مِنَ الْغَدْرِ ، أَيْ لَا تَغْدِرْ فَتَكُونَ دَنِسَ الثِّيَابِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ :
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَنَفْسَكَ فَطَهِّرْ أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ . وَالْعَرَبُ تَكُنِّي عَنِ النَّفْسِ بِالثِّيَابِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ :
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الطَّوِيلِ ثِيَابَهُ لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ :
فَسُلِّيَ ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ وَقَالَ :
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ وَأَوْجُهُهُمْ بِيضُ الْمَسَافِرِ غُرَّانُ أَيْ أَنْفُسُ بَنِي عَوْفٍ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَجِسْمَكَ فَطَهِّرْ ، أَيْ [ ص: 61 ] عَنِ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ . وَمِمَّا جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ الْجِسْمِ بِالثِّيَابِ قَوْلُ لَيْلَى وَذَكَرَتْ إِبِلًا :
رَمَوْهَا بِأَثْيَابٍ خِفَافٍ فَلَا تَرَى لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَامَ الْمُنَفَّرَا أَيْ رَكِبُوهَا فَرَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْخَامِسِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَأَهْلَكَ فَطَهِّرْهُمْ مِنَ الْخَطَايَا بِالْوَعْظِ وَالتَّأْدِيبِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَهْلَ ثَوْبًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ . الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَهُمْ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ وَنِسَاءَكَ فَطَهِّرْ بِاخْتِيَارِ الْمُؤْمِنَاتِ الْعَفَائِفِ . الثَّانِي : الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ فِي الْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ ، فِي الطُّهْرِ لَا فِي الْحَيْضِ ، حَكَاهُ ابْنُ بَحْرٍ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ السَّادِسِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَخُلُقَكَ فَحَسِّنْ ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ لِأَنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْوَالِهِ اشْتِمَالَ ثِيَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَيَحْيَى لَا يُلَامُ بِسُوءِ خُلْقٍ وَيَحْيَى طَاهِرُ الْأَثْوَابِ حُرُّ أَيْ حَسَنُ الْأَخْلَاقِ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ السَّابِعِ قَالَ : تَأْوِيلُ الْآيَةِ وَدِينَكَ فَطَهِّرْ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَعَلَيْهِمْ ثِيَابٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ يَجُرُّهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الدِّينُ . وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلَّا فِي الصَّلَاةِ وَالْمَسَاجِدِ لَا فِي الطَّرِيقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّهُ كَنَّى عَنِ الثِّيَابِ بِالدِّينِ . وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ أَيْ لَا تَلْبَسْهَا عَلَى غَدْرَةٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي كَبْشَةَ :
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ وَأَوْجُهُهُمْ بِيضُ الْمَسَافِرِ غُرَّانُ يَعْنِي بِطَهَارَةِ ثِيَابِهِمْ سَلَامَتَهُمْ مِنَ الدَّنَاءَاتِ ، وَيَعْنِي بِغُرَّةِ وُجُوهِهِمْ تَنْزِيهَهُمْ عَنْ [ ص: 62 ] الْمُحَرَّمَاتِ ، أَوْ جَمَالَهُمْ فِي الْخِلْقَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : لَا تَلْبَسْ ثِيَابَكَ عَلَى كَذِبٍ وَلَا جَوْرٍ وَلَا غَدْرٍ وَلَا إِثْمٍ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَابٌ دُسْمِ أَيْ قَدْ دَنَّسَهَا بِالْمَعَاصِي ، وَقَالَ النَّابِغَةُ :
رِقَاقُ النِّعَالِ طَيِّبٌ حُجُزَاتُهُمْ يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّامِنِ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثِّيَابُ الْمَلْبُوسَاتُ ، فَلَهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهُمَا : مَعْنَاهُ وَثِيَابَكَ فَأَنْقِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ :
ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ [ وَأَوْجَهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ غِرَّانِ
] الثَّانِي : وَثِيَابَكَ فَشَمِّرْ وَقَصِّرْ ، فَإِنَّ تَقْصِيرَ الثِّيَابِ أَبْعَدُ مِنَ النَّجَاسَةِ ، فَإِذَا انْجَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُصِيبَهَا مَا يُنَجِّسُهَا ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَطَاوُسٌ ، الثَّالِثُ : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ مِنَ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَابْنُ زَيْدٍ وَالْفُقَهَاءُ ، الرَّابِعُ : لَا تَلْبَسْ ثِيَابَكَ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ لِتَكُونَ مُطَهَّرَةً مِنَ الْحَرَامِ ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا تَكُنْ ثِيَابُكَ الَّتِي تَلْبَسُ مِنْ مَكْسَبٍ غَيْرِ طَاهِرٍ ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ : لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِ الْمُرَادِ فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ، وَإِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الثِّيَابِ الْمَعْلُومَةِ الطَّاهِرَةِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : تَقْصِيرُ الْأَذْيَالِ لِأَنَّهَا إِذَا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِغُلَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَدْ رَأَى ذَيْلَهُ مُسْتَرْخِيًا : ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَنْقَى وَأَبْقَى ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَايَةَ فِي لِبَاسِ الْإِزَارِ الْكَعْبَ وَتَوَعَّدَ مَا تَحْتَهُ بِالنَّارِ ، فَمَا بَالُ رِجَالٍ يُرْسِلُونَ أَذْيَالَهُمْ ، وَيُطِيلُونَ ثِيَابَهُمْ ، ثُمَّ يَتَكَلَّفُونَ رَفْعَهَا بِأَيْدِيهِمْ ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْكِبْرِ ، وَقَائِدَةُ الْعُجْبِ ، وَأَشَدُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَعْصُونَ وَيَنْجُسُونَ وَيُلْحِقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مَعَهُ [ ص: 63 ] غَيْرَهُ وَلَا أَلْحَقَ بِهِ سِوَاهُ ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ وَلَفْظُ الصَّحِيحِ : مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّهْيِ ، وَاسْتَثْنَى الصِّدِّيقَ ، فَأَرَادَ الْأَدْنِيَاءُ إِلْحَاقَ أَنْفُسِهِمْ بِالرُّفَعَاءِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ . وَالْمَعْنَى الثَّانِي : غَسْلُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا ، صَحِيحٌ فِيهَا . الْمَهْدَوِيُّ : وَبِهِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ زَيْدٍ : لَا تُصَلِّ إِلَّا فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ ، وَاحْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ ، وَلَيْسَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِفَرْضٍ ، وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالِاسْتِجْمَارِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْلُ فِي سُورَةِ ( بَرَاءَةَ ) مُسْتَوْفًى .
|