الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحالة النفسية السيئة للمصاب بمرض البهاق وكيفية معالجتها.

السؤال

السلام عليكم.

لي أخ فجأة وبدون مقدمات ظهرت عنده بقعٌ بيضاء شخصت على أنها بهاق، علماً أن التاريخ الأسري لا يوجد به هذا المرض اللعين.

المشكلة الآن أن الحالة النفسية له في الحضيض أو قل ما يقال أنه مدمر وبشكل رهيب.

والسؤال: ما هي فرص شفائه من المرض؟ والأهم: هل هناك أدوية تخفف من الحالة النفسية التعيسة التي يُعاني منها حيث أنه في حالة يُرثى لها؛ لأن هذا المرض له أبعاد اجتماعية؟

أرجو من الدكتور محمد عبد العليم الإجابة على الجزء الخاص بالحالة النفسية).
وجزاكم الله خيراً.

أرجو الإجابة بالسرعة الممكنة وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mahmoud حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله تعالى الشفاء والعافية لهذا الأخ.

فإنه حين يصاب الإنسان بمثل هذه الحالات الجلدية قد يستنكرها وقد يجد من الصعوبة أن يقبلها، فالناس تتفاوت في درجة صبرها وتحملها وأخذها للأمور، هذا متوقع، ولكن هذا الأخ – حفظه الله – لابد أن يتيقن أن هذا نوع من الابتلاء، وهو - إن شاء الله تعالى– ابتلاءٌ بسيط مقارنة لما يحدث لكثيرٍ من الناس، والرفض والاستنكار الشديد وجد أنه يؤدي إلى نوعٍ من الكآبة والسوداوية في التفكير، ويُعرف أن مرض البهاق يزيد مع الاكتئاب والتوتر والقلق، والعلماء يرون أن هنالك رابطاً ما بين الحالة النفسية وما بين هذا المرض.

فنسأل الله تعالى أن يصبر هذا الأخ على هذا الابتلاء، وعليه أن يعلم أن قبوله -ولا أقول استسلامه ورضوخه، ولكن أقول: قبوله - ومحاولة التواؤم والتكيف مع هذه الحالة وعدم الانشغال بها بقدر المستطاع سوف يقلل - إن شاء الله تعالى – من انتشار هذا البهاق أو سوف يساعد كثيراً في الاستجابة لبعض العلاجات التي سوف ينصحه بها طبيب الأمراض الجلدية.

إذن الذي أرجوه منكم هو مساندة هذا الأخ، وأن تشرحوا له أن هذا المرض موجود وشائع وأسبابه ليست معلومة بالطبع، ولكن من أكثر النظريات التي أثيرت فيما أعلم أن الحالة النفسية تؤثر سلباً أو إيجاباً على حالة الإنسان، وهذا يدعونا حقيقةً لأن نناشد هذا الأخ بمزيدٍ من الصبر، وعليه أن يتذكر قصص الصالحين، وقصة سيدنا أيوب، فهذه القصة فيها أسوة حسنة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد: (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ.

فهذه هي قدوتنا وأسوتنا الصالحة السليمة في صبره على قضاء الله وقدره، وعليه بالدعاء كما فعل سيدنا أيوب -عليه الصلاة والسلام– والإنسان حين يجلس مع نفسه ويقيم الأمور بصورةٍ فيها نوع من الواقعية يجد -إن شاء الله تعالى– أنه بخير، وعليه أن يتقبل الأمر، وعليه أن يسعى أيضاً لوسائل العلاج.

الأبعاد الاجتماعية أنا أقدرها تماماً، ولكن الناس تعرف أن هذا المرض مرضٌ منتشر وهو مرض ليس نادر الحدوث، فهذا المرض موجود وبكثرة، وإن شاء الله لا يعيبه ولا ينقصه أبداً، بل على العكس تماماً عليه أن يكون مرفوع الرأس، وعليه أن يكون دائماً له وجوده وحضوره، ولا يقلل من قيمته الاجتماعية بأي حال من الأحوال.

سوف يكون أيضاً من المفيد لهذا الأخ أن يتناول أحد الأدوية المضادة للقلق ولعسر المزاج والإحباط، ومن الأدوية الطيبة عقار يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex) ويسمى علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، فأرجو من هذا الأخ أن يبدأ في تناوله بجرعة خمسة مليجرام – نصف حبة من فئة عشرة مليجرام – ليلاً لمدة أسبوعين ثم بعد ذلك يرفع الجرعة إلى عشرة مليجرام (حبة كاملة) ليلاً، ويفضل أن يتناول الدواء بعد تناول الأكل، ويستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك يخفض الجرعة إلى خمسة مليجرام ليلاً لمدة شهر آخر، ثم يتوقف عن تناوله.

سيكون من المفيد جدّاً لهذا الأخ أن يعيش حياته بصورةٍ فعالة، وأن يشغل نفسه في عمله وفي تواصله الاجتماعي وفي عباداته وممارسة الرياضة، وعليه الإكثار من الاطلاع، فهذه - إن شاء الله تعالى – تجعله يتواءم ويتكيف ويقبل الوضع الذي هو فيه، وبالطبع عليه مراجعة طبيب الأمراض الجلدية ومواصلة العلاج معه، ونسأل الله أن يشفيه وأن يعافيه وأن يقدر له ما هو خير.

انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم الطبيب النفسي وتليها إجابة الدكتور أحمد حازم تقي الدين أخصائي الجلدية:

فقبل البدء بالكلام عن البهاق أسأل الله تعالى أن يعافي هذا المريض، فهو على كل شيء قدير، وأود أن أذكر بعض الكلام عن الرضا بالقدر:

يقول الله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وإن أي مصيبة مهما كبرت هناك ما هو أكبر منها، وعلى سبيل المثال إليك هذه القصة الحقيقية:

فتاة عمرها حوالي 24 سنة متعلمة جامعية متزوجة وسعيدة في أسرتها، قدر الله لها أن تصاب بالبهاق، وكان من النوع المتوسط وليس الشديد، وكان هناك ما مساحته بضعة سنتيمترات على الوجه، وكانت تراجع العيادة الجلدية والدنيا مظلمة في وجهها، ولكنها كانت واقعية تتعالج متماسكة، وبعد فترة من العلاج انقطعت عن الحضور وطال غيابها، وكنت في أحد أيام مناوبتي، فنادوني إلى حالة بهاق في قسم المعاقين، فقلت في نفسي: معاق يشكو من البهاق، فهل هذا معقول؟

وعندما دخلت إلى المريض فإذا بها نفس مريضتي الشابة، وقد أصابها شللٌ رباعي لكل من الأطراف الأربعة بسبب حادث مرور مروع فهي لا تستطيع إلا تحريك لسانها بالكلام، وعندما رأتني بكت وقالت:

لقد كنت شاكية باكية رافضة لما عندي ولكني كنت أتحرك حرة، وأما الآن وأنا أسيرة الفراش فأنا أنظر إلى ما حل بي وأتمنى أن أعود كما كنت، ما أجمل البهاق مع الصحة العامة؟ وما أجمل أن يستمتع الإنسان بما عنده من النعم قبل أن يفقدها؟ لقد كان نظرنا قاصراً؟ الحمد لله على كل حال!

وأترك للقارئ التعليق.

كما وأن الإنسان المؤمن لا يجزع لما أصابه بل يؤجر إن صبر ويبقى المرض إن لم يصبر، فلماذا لا يكون واقعيا فيصبر ويؤجر؟

وأما الجواب لسؤالكم عن فرص الشفاء:

فإن البهاق مرضٌ مزمن وله علاج يُفيد في أحسن الأحوال ليس أكثر من 80% عند حوالي 80% من الناس عدا بعض الاستثناءات، وتختلف الاستجابة من شخصٍ لآخر حسب العوامل المحرضة لظهور المرض والتي منها الحالة المناعية والحالة النفسية والحالة العائلية الوراثية، وبشكل عام فإن هذه الأسباب الثلاثة قد تتساوى في نسبة إحداثها للمرض أو التأثير عليه.

هناك نظريات كثيرة في أسباب المرض والتي منها نظرية التخريب الذاتي أو المناعة الذاتية أو الانسمام العصبي أو مجهول السبب.

ومن الملاحظ أنه كلما فكر المريض بمرضه كلما زاد همه وازداد المرض، وبالعكس كلما تناسى المريض المرض بدأ المرض بالتحسن والتعليل في ذلك الحالة النفسية.

يجب نفي وجود أمراض المناعة الذاتية وخاصة السكري والغدة الدرقية، ويجب السعي إلى حالة نفسية سعيدة مستقرة راضية، ويجب بعد هذا كله البدء بالعلاج، ومن العوامل الجيدة في العلاج هي ممارسة الرياضة المفرحة لأنها تحسن كلا من المناعة والحالة النفسية.

إن العلاج والمرض بأسبابه يمكن تشبيهها بلعبة شد الحبل فكلما زادت العوامل المساعدة على انتشار المرض حتى ولو كان تحت علاجٍ قوي (أضعف من الأسباب ) زاد المرض وبالعكس كلما ضعفت عوامل انتشار المرض حتى ولو كان على علاج بسيط (أقوى من الأسباب) كلما تحسن المرض.

ويرجى مراجعة الاستشارات التالية التي تناقش البهاق والعلاج والأسباب، ولو أن فيها بعض التداخل (279952) ورقم (266895) ورقم (18080) .

وقد مر معنا حالات استجابت بشكلٍ مذهل من تلقاء ذاتها دون علاج ولو أن هذا ليس هو الشائع.

الأخ السائل بودي أن أقدم نصيحة على شكل قاعدة وسؤال:
هل الحزن يفيد في علاج المرض ؟

إذن علينا دائماً أن ننظر إلى ما بقي عندنا من النعم وليس إلى ما فقدنا، فمريض القلب يتمنى أن يكون عنده أي مرض آخر غير القلب، وكذلك مريض قصور الكلية ومريض الشلل ومريض التهاب المفاصل اللاصق أو الروماتيزم أو العته أو الصدفية أو القصور الجنسي أو السرطان أو الأمراض التي آلامها لا تطاق...الخ، وهذا يُقاس أيضاً على المال، فهناك فقراء سعداء وأغنياء تعساء، ويقاس على المناصب فهناك مسئولون وأصحاب مناصب مصابون بالكدر، وهناك أصحاب المهن الوضيعة ولكنهم سعداء بسبب رضاهم، ولو أن كل واحد من هؤلاء استمتع بما بقي عنده من النعم لعاش سعيداً.

بينما لو اجتر آلامه ولم ينظر إلا إلى ما فقد فإنه سيعيش تعيساً على الرغم من كثرة النعم الباقية عنده فيبدو وكأنه الفقر في الغنى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فاشكر الله على ما بقي يعافِك فيما ابتلاك.

نسأل الله تعالى أن يشفي هذا الأخ وجميع مرضى المسلمين.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر طاهر

    انا اعوذ با لله من كلمة انا مريض بالبرص ولم يشكل لي اي عامل نفسي يوما الا ان اصيبة به ابنتي شغلت تفكيري تماما ولم اتواطئ في اي دواء اسمع به حتا كدت ان اخسر ابنتي من قوت الدواء المستعمل وذالك اثر علي معدتها سلبا فسارت لاتتحمل الاكل الثقيل والجاف بسبب جهلي بان الله علي كل شيئ قدير يااخي استعن با لله وتمنا الشفاء انه على كل شيئ قدير ولا تغلط غلطتي فان الناس وكلامهم لايرحم ويستعملونك كحقل تجارب

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً