الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كنت أشعر بمعية الله لي أما الآن فلا، فكيف أعود لربي وأكون قريبة منه؟

السؤال

السلام عليكم..

أود أن أطرح مشكلتي: فأنا فتاة عمري٢٠ عاما، أشعر بالإحباط وعدم القدرة، وكأنني نسيت كل شيء بالرغم من أنه كان يعرف عني الذكاء والنصح والتميز، فأنا كنت أحب النقاش مع من يكبرني، ودائما كنت أفوز في أي حوار، وكنت أكتب الشعر والخواطر التي أحبها الكثير، ومنذ صغري كنت أشعر بأن الله معي، أبث إليه فرحي وحزني، وإن وقعت في مشكلة ذهبت إلى الله فيقف معي، ويحلها بقدرته، وعندما كنت أتخيل أن الله سيبتعد عني كنت أشعر بالضيق والخوف وعدم الرغبة في الحياة، ولكن ثقتي كانت كبيرة جدا بجلاله، وإن ظلمني أحد كنت أعلم أن حقي سيعود، ولم أخف من أحد لأني أعلم أن القوي معي، وهو الله.

كنت دائما أشعر بوجود الله معي، وهذا يطمئنني كثيرا، كنت أشعر بأن الله يحبني ودائما معي، أرى رحمته وعظمته في كل شيء، والكل حولي يمدحني بالذكاء والأسلوب، وطريقة الكلام المميزة، والمعرفة، وكنت في نفسي أعلم بذكائي، ولكني لا أقولها بصوت عال، كان حلمي أن أكون ذو شأن.

والآن أشعر بشيء غريب تجاه مستقبلي، لا أعرف تفسيره، وكنت أعتقد أن الله سيرزقني بما أتمناه، ولم يكن لأحلامي حدود، ولكن فجأة حدثت مشكلة وأنا في مدرستي، كنت أثق أن الله سيخرجني منها، ولكني رسبت في سنة فأعدتها، وصدمت كثيرا، وشعرت وقتها أني فاشلة، وأعترف أنه خطئي، وكان درسا تعلمته، ففي الحقيقة كنت أتغيب كثيرا، وكان بقائي في البيت أفضل لأقرأ أو أتصفح المعلومات، أو أفعل أي شيء، فذهابي للمدرسة كان شيئا مملا وروتينيا، وكان أشعر بهم شديد عندما كان يجب علي الذهاب للمدرسة، كان خيالي واسعا، فكنت أتخيل أشياء وتكنولوجيا لا توجد حتى الآن، ونظرتي لتعليم مختلفة، لذلك كان هذا النظام المتبع في التعليم يستفزني، وأنا لا أستطيع الحفظ دون الفهم، وعندما أتأمل في الكون أجد بأن الله سبحانه وتعالى خلق كونا خارقا وعظيما، حتى الإنسان هو عبارة عن روح تسكن شيئا يسمى الجسد، به أعظم الأجهزة، ونحن نعيش على الأرض ونحن في منتهى الصغر، كل هذا ونعيش في روتين قاتل يسرق أوقاتنا وأعمارنا.

مرت أيام مع إحباطي وهزيمتي، وفجأة تغيرت بعض مفاهيمي لبعض الأحداث في حياتي، شعرت أنني في حيرة، وبدأت تدخل في قلبي وعقلي أشياء تخنقني، وعرفت من موقعكم الكريم أنها وساوس شيطانية، وعرفت بعد أن شككت في نفسي وحبي لله أن سندي وقوتي وكل شيء في حياتي قد لا يكون راض عني، ولذلك هو ليس معي، وهذا ما جعلني لا أجد في الحياة ما أحيا لأجله.

امتلأت روحي وأحلامي وقلبي باليأس، وأصبحت أشعر بالخوف والوحدة والهزيمة من بعد القوة، وفي يوم وأنا أبكي بسبب ضغط الدراسة كان في التلفاز فيلم ولكن به صوت غريب، شعرت فجأة أنه قريب جدا، وبعد فترة وأنا أبكي سمعته، وكلما حلمت بالكوابيس أسمعه، وعندما عرفت بأنه قد يكون شيطانا فقد تأكد وقتها أن الله حقا غير راض عني، ولن يكون معي، ولاحظت عدم التوفيق كالماضي، وها أنا أتمناه يعود إلى الوراء لأول مرة لأكون تلك الفتاة التي كانت تشعر بأن الله معها.

فالآن أشعر بقول إن كان الله ليس معك فمن معك؟ لا أحد! والآن أنا يائسة، ولا أقدر على فعل شيء، وكأني نسيت من أنا، ولا أعرف من أنا؟ وأشعر بضياع لشعوري بأن الله ليس معي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Future Future Future حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الله تعالى معك في كل الأحوال، وإن شاء الله سوف يعينك على الخروج من هذه المشكلة التي أنت فيها.

أنت تعانين من وساوس، والوساوس -يا أختي الكريمة- تتغير من شكل إلى آخر، وفي النهاية إذا لم يستطع الشخص التغلب على الوساوس فإنه يُصاب بالإحباط، والإحباط يؤدي بالشخص إلى أن يغيب عن المدرسة وبالتالي الرسوب، ولذلك يجب عليك أن تعالجي هذه الوساوس، والعلاج إمَّا دوائيًا أو نفسيًا، ويستحسن أن يكون تحت إشراف طبيب نفسي، حتى يختار لك الدواء المناسب، ويختار لك العلاج النفسي المناسب، ويفضل دائمًا الجمع بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي، ويستحسن دائمًا أن تستصحب رغبة المريض في العلاج، فإذا كان المريض لا يرغب في تناول الدواء فيمكن أن يُعالج علاجًا نفسيًا فقط، وإذا كان المريض يحب العلاج الدوائي فقط فلا غضاضة في ذلك.

فإذًا المهم أن يستصحب رغبة المريض ويُشرح له الوضع من أنه الأفضل الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي. فعليك - يا أختي الكريمة - بالذهاب إلى طبيب نفسي ليقوم بفحصك فحصًا كاملاً من ناحية التاريخ المرضي والمقابلة المباشرة.

وفقك الله وسدد خطاك.
___________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ عبد العزيز أحمد عمر -استشاري الطب النفسي وطب الإدمان-.
وتليها إجابة الشيخ/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية -.


فمرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:

لم تذكري لنا شيئا عن التزامك بالصلاة وأعمالك الصالحة كتلاوة القرآن والمحافظة على ذكر الله تعالى، واكتفيت بكلام عام عن الله تعالى كشعورك بأنه كان معك وشعورك بالأمان بقربة ...إلخ.

أتمنى أن تكوني محافظة على أداء الصلاة، وتؤدي بعضا من الأعمال الصالحة كنوافل الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وغير ذلك؛ لأن هذه الأعمال تثمر إيمانا والإيمان يثمر انشراحا في الصدر ويذهب الكآبة عن النفس.

ما عندك من أعراض تشير إلى أنه من الممكن أن تكوني قد أصبت بحسد؛ لأنك كنت متميزة في تعليمك وتصرفاتك، وكان الناس ينظرون إليك نظرة إعجاب، والحسد حق، وقد أرشدنا ربنا إلى الاستعاذة من شر الحاسدين فقال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).

بسبب الحسد وأعراضه ابتعدت عن المدرسة، وتسبب ذلك في رسوبك، ثم إصابتك صدمة نفسية أدت إلى شيء من العزلة، ثم الإصابة بوسواس قهري بدليل التخيلات التي تنتابك.

قبل العلاج الدوائي أتمنى أن تبحثوا عن راق أمين وثقة ليشخص حالتك بحضور أحد محارمك، فإن تبين أنك مصابة فلا بد من الاستمرار بالرقية حتى تشفي بإذن الله تعالى، وإياك أن تتكاسلي أو تقطعي الرقية.

أنصحك بتوثيق صلتك بالله تعالى، وتجتهدي في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من الطاعات.

كوني واثقة أن الشيطان عدو لدود للإنسان يريد أن يصرفك عن الله، فيرسل لك الخواطر السلبية من أن الله ليس معك أو أنه ساخط عليك وما شاكل ذلك، وعليك أن تكوني قوية أمامه فلا تتعاطي مع تلك الخواطر بل اقطعيها فور ورودها، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

أنا على يقين أنك ستخرجين من هذه المشكلةة قوية وستعودين إلى أفضل مما كنت عليه سابقا، غير أن المطلوب منك حاليا عدم الإصغاء للوساوس والبدء بالرقية، فإن تبين عدم إصابتك فالعلاج السلوكي عن طريق طبيب مختص بالأمراض النفسية فإن لم ينفع فلا بأس أن يضاف لذلك العلاج بالعقاقير الطبية.

أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يشفيك ويعافيك فالله تعالى قد قال في كتابه الكريم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

أكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

رحمة الله سبحانه قريب من المحسنين والمحسنون هم الطائعون الممتثلون لأمر الله فحققي ذلك في نفسك تنالي رحمة الله يقول تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).

أوصيك بكثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً