الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التلعثم يحرجني ويحرمني التفاعل مع الناس.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


أكتب هذه الرسالة والدموع تسيل من عيني، لأنني لا أستطيع أن أعبر عن ما يدور بداخلي أمام أصدقائي أو أستاذي أو الناس، لأنني أتلعثم وأنسحب، ولا أدافع عن نفسي وأثبت بأنني مظلوم، خوفا من التلعثم أمام الناس.

أنا شاب عمري 17 سنة، ولدي صعوبة في الكلام أمام الناس، أتلعثم أمامهم رغم تحدثي بطلاقة مع نفسي، وعند مواجهة الناس بشكل علني أتلعثم أمامهم، وحينما أذهب وأتحدث أمام الناس أكمل رغم ذلك التلعثم وأشعر بالتحسن، وفي المرة القادمة يكون كلامي أفضل، لكنني لا أستمر لأن نظرات الناس وتعجبهم من تلعثمي تضايقني، فأكون تحت ضغط نفسي.

وفي إحدى المرات كنت مع زملائي في الدراسة، وكانوا يتحدثون عن موضوع أحبه وأعرفه، وأنا متفوق به، وسألني أحدهم عن معرفتي بالموضوع، فقلت لا أعرف، اكتفيت بهذه الكلمة تحت ضغط نفسي شديد، والدموع تكاد تقتلني، فأنا شخصية اجتماعية، والله رزقني بالوسامة واللباقة، وجسمي رياضي، ولكنني أجد صعوبة في التعرف على الناس، بسبب التلعثم.

أعيش في جحيم دائم، أخبرتني أمي بأنها ولدتني متأخرة لمدة أسبوع كامل، ولم أبك بعد الولادة، وذلك أدى إلى نقص أكسجين المخ، وهو الذي تسبب بما أنا فيه، ولكنني غير مقتنعة لأنني عندما أتلعثم بشكل علني أمام الناس أشعر بتحسن ملحوظ في المرة القادمة، وعندما أخلو بنفسي أتحدث بطلاقة، ولكن عندما أستسلم وأتجاهل المواقف تزداد.

عند التحدث مع أصدقائي وأنا سرحان أنسى موضوع التلعثم، وأتكلم بطلاقة جدا، وبعد الحديث عندما أتذكر، أقول بنفسي كيف لم أتلعثم في الحديث؟!

إذا جاء دوري في الحديث في المدرسة أخاف جدا، ونبضات قلبي تتسارع، وأشعر بضيق النفس، وتلعثم، ولكن في المواقف التي أكون فيها هادئا، أتحدث جيدا أمام أصدقائي، فهل هذا مرض نفسي يمكن التغلب عليه، أم أنه إعاقة؟

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ tarek حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وكل عام وأنتم بخير، الذي بك ليس بمرضاً نفسية وليس بإعاقة، وقصة أن الأوكسجين قد انقطع في أثناء الولادة، وهذا قد يكون أثر على الدماغ؛ هذه ليست صحيحة.

من خلال رسالتك أستطيع أن أصل إلى خلاصة هي أنك صاحب معرفة جيدة، ومستبصر، ومقدراتك الفكرية والمعرفية ممتازة جداً، فأرجو أن تقتنع تماماً أنه ليس لديك علة عضوية جسمية أو دماغية، وحتى إنه ليس لديك مرض نفسي، هذه مجرد ظاهرة وليس أكثر من ذلك.

وظاهرة التلعثم التي تعاني منها مرتبطة بالأداء الاجتماعي، وهذا نسميه بقلق الأداء، وفيه شيء من الرهبة الاجتماعية كما يحب أن يسميها البعض، أنت ذكرت أنك حين تعرض نفسك لمواقف المواجهات الاجتماعية تحس بشيء من التحسن مع مرور الوقت، وهذا هو العلاج السلوكي المطلوب في مثل هذه الحالات، أن تعرض نفسك بقدر المستطاع لمصادر قلقك وخوفك، التجنب والابتعاد يزيد من الخوف الاجتماعي، يزيد من التلعثم، ولا تراقب نفسك أبداً أثناء الحديث، حاول أن تكون شخصاً عادياً، لكن لا بد أن تكثر من هذه المواجهات، ولا تراقب نفسك، وهنالك مواجهات عملية تطبيقية وجدناها ذات جدوى وفائدة كبيرة، أحسن هذه المواجهات هي الانضمام إلى حلق القرآن، في هذه الحلق المباركة يكون الإنسان عرضة للتفاعل مع الآخرين، وأي نوع من الآخرين، كلهم من الأفاضل، كلهم من الصالحين، وهذا يعطيك شعوراً بالأمان، وسوف تحس أن مهاراتك الاجتماعية قد تطورت؛ لأنك تتفاوض، لأنك تتواصل، لأنك تبني نسيجا اجتماعيا، تسلم على الآخرين، تبتسم في وجه أخوتك؛ لأن في هذا صدقة.. وهكذا.

إذاً: عليك بالتطبيقات العملية، وأنا شخصياً وجدت أن حلق القرآن هي الأفضل في علاج التلعثم المرتبط بالرهبة الاجتماعية. ممارسة الرياضة الجماعية أيضاً مفيدة جداً، أن تلعب كرة القدم مثلا مع مجموعة من أصدقائك، وفي أثناء هذ النوع من النشاط الرياضي يحدث نوع من الاستشعار والتفاعل الاجتماعي التلقائي، حين تطلب أن تلعب لك الكرة، أو تقوم أنت بلعب الكرة وهكذا، يحدث الكثير من التفكير، وكذلك المخاطبات الكلامية في بعض الأحيان؛ هذا يقلل كثيراً جداً من الخوف الاجتماعي، وكذلك التلعثم.

تعلم -أيها الفاضل الكريم- أن تقرأ بصوت مرتفع، وتكرر ما تقرأه؛ هذا أيضاً سوف يفيدك، يجب أن تدرك وتتعلم كيفية تطوير مهاراتك الاجتماعية البسيطة، وأهمها: أن تسلم على الناس بصورة جيدة، أن تنظر إليهم في وجوههم، وأن تتجنب اللغة الحركية، خاصة لغة حركتي اليد، وبهذه الكيفية تستطيع -إن شاء الله تعالى- أن تكون شخصاً متفاعلاً وإيجابياً، ويزول عنك هذا الخوف تماماً.

ودائماً حين تخاطب الناس أريدك أن تتذكر أن لا أحد يراقبك، ما تتخيله أو تتصوره من تلعثم لا أعتقد أن بقية الناس يلاحظونه، حتى وإن تمت ملاحظته سوف تكون في البداية، بعد ذلك ينقطع الأمر تماماً وينتهي، فلا تكن حساسا، وأكثر من التواصل الاجتماعي، وهذا هو العلاج الأساسي في حالتك.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً