الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل هناك طريقة للتفريق بين المرض الروحي والنفسي غير قراءة القرآن؟

السؤال

السلام عليكم..
قرأت أن للتفريق بين المرض النفسي والروحي قراءة القرآن على المريض، فإذا تأثر يكون المريض مصابا بمرض روحي كمس شيطاني أو غيره، فإذا لم يتأثر يكون مرضا نفسيا، فما مدى صحة هذا؟ وهل هناك طرق أخرى للتفريق غير الذهاب للراقي؟ لأني لا أعرف رقاة معتبرين؟ وما رأيكم في أنه تأثر بالقرآن؟

(وهل المقصود بالتأثر ما يحدث من ضيق وصعوبة في القراءة أثناء الرقية) وشفي جزئيا وليس كليا من أعراض كانت تأتيه؟

فأنا لا يوجد لدي ضيق أثناء القراءة الآن والحمد لله، ولكن استمرت به أعراض مثل تحرك شيء في الجسد، وضيق في الصدر غير مرتبط بقراءة القرآن؟ وهل من الممكن أن يؤثر المس أو السحر أو العين تأثيرا نفسي بجانب الروحي؟ وأقصد بالنفسي الخلل الكيميائي الحادث في المخ؟

وهل تنصحون بالذهاب إلى الطبيب؟ وما أضرار التخلف عن الذهاب للطبيب في المستقبل؟ وهل أحد العلاجين مقدم على الآخر أم يتساوى فيه الاثنان؟ لأن هناك من يعتقد أن الاعتماد على العلاج النفسي يخالف التوكل والاعتماد على الله.

أرجو الرد بإجابة شرعية وطبية وافية واضحة، وأنا أدرك تماما بركة القرآن، وأن المواظبة على الرقية خير سواء في المرض أو من غير مرض.

الإجابة تتوقف عليها اقتناع شخص بالذهاب إلى طبيب نفسي أو الاستمرار في الرقية فقط.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هنالك تداخل كبير جدًّا بين الأعراض التي سببها المرض النفسي أو العقلي والتي قد يكون سببها المس أو العين أو الحسد.

ونسبةً لهذا التداخل -أخي الكريم- المنهج النفسي الطبي الحديث -والذي أقرّته حتى الكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين- هو أن الذي تظهر عليه أعراض نفسية أو جسدية يجب أن يلجأ إلى محاور العلاج الأربعة، وهي: العلاج الدوائي، والعلاج النفسي، والعلاج الاجتماعي، والعلاج الديني أو ما أسمَّوه بالعلاج الروحي.

ونحن والحمد لله حين نتحدث عن العلاج الروحي نتحدث عن العلاج الإسلامي، فالعلاج الإسلامي فيه حلول كثيرة لكثير من الأمور النفسية وحتى الجسدية.

فيا أخي الكريم: أي إنسان لديه علَّة يجب أن يُعالجها على هذه الأسس الأربعة، يذهب إلى المقرئ الشرعي الذي يثق فيه، أو يرقي هو نفسه بنفسه، ومن جانب الإنسان يجب أيضًا أن يحرص على عباداته، وعلى تلاوة القرآن، وعلى الدعاء والذكر -خاصة أذكار الصباح والمساء- ويقتنع ويؤمن أن الله خيرٌ حافظ، هذا يكفي تمامًا، وبعد ذلك يتناول العلاج الدوائي.

وعلى المستوى السلوكي: يجب أن يكون إيجابيًا في تفكيره، يجب أن يكون فاعلاً، يجب أن يكون لديه القدرة على أن يضع خطة تجعله أكثر فعالية، وعلى المستوى الاجتماعي: يجب أن يُمارس الرياضة، أن يُحسن التواصل الاجتماعي، أن يرفّه عن نفسه بما هو طيب وجيد ومفيد، أن يُحسن إدارة وقته، أن يُركز على النوم الليلي، وهكذا.

إذًا -أخي الكريم- لا يوجد أي تعارض ما بين العلاج عن طريق الرقية والعلاج الدوائي.

وفي هذا السياق لابد أن أذكر أنه بكل أسف في منطقتنا هنالك بعض الأطباء النفسيين الذين ينكرون تمامًا الدور الذي يمكن أن يلعبه العلاج الديني، لكن هؤلاء أقلَّ، وفي نفس الوقت يوجد من بعض المشايخ -ولا أقول جميعهم- أنهم ربما لا يفضِّلون أصلاً الذهاب إلى الطبيب النفسي، لكن معظم المشايخ -خاصَّة من أهل العلم والمعرفة- معظمهم ينصحون بالذهاب إلى الطبيب النفسي، مع التركيز على أن يُعدِّل الإنسان من سلوكه، أن يلتزم بواجباته الدينية، وسلوكه سلوك مسلمٍ، لأن التغيير لابد أن يكون من الإنسان نفسه، وسلوك الإنسان هو الذي يؤدي إلى تغييره.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
__________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية-.
_____________________________________________

يختلف المرض النفسي عن المس الشيطاني بأمرين:
الأول: أسبابه.
والثاني: أعراضه.

أولا: سبب المرض النفسي: من أسباب المرض النفسي حدوث تغيرات في الشخصية، أو ضغوطات الحياة، أو عوامل وراثية.

ثانيا: أعراضه: من أعراض المرض النفسي القلق الخارج عن الحد المعتاد، أو الاكتئاب الدائم، أو الخوف من كل شيء، أو الوساوس المستمرة والتخيلات غير الواقعية.

أما المس الشيطاني فسببه: دخول الشيطان في جسد الإنسان، وهذا ممكن فقد ثبت ذلك في القرآن والسنة، أما في القرآن الكريم فقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ)، ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام:(إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه -أي فليضع يده على فمه– فإن الشيطان يدخل).

وأما أعراضه: الرؤى المفزعة، والأرق، والصرع دون أسباب عضوية، ووجود ألم في منطقة ما في جسده أو متنقل، مع تأكيد الطب السلامة من وجود أي سبب عضوي، أو عجزه عن المعالجة، وأن يترك العبادات، ويكره أداءها فجأة، وأن تتغير حياته مع من حوله فجأة دون أسباب وجيهة، ككراهية البقاء في البيت، أو كره الزوجة، وغيرها، والأفكار الخاطئة، وإخباره برؤية ما ليس بواقع، وهنالك أعراض أخرى يطول ذكرها.

قد تتداخل بعض أعراض المرض النفسي والمس الشيطاني: كالأرق والوساوس، لكن يكون السبب في الأول نفسي محض، وفي الثاني بسبب تلبس الشيطان في الإنسان.

من أعراض المس الشيطاني التأثر أثناء تلاوة القرآن فيحدث عند الممسوس التشنج والاضطراب والصرع والصراخ، وتصبح قوته البدنية أكثر من الواقع وتتغير ملامح وجهه وغير ذلك، بخلاف المريض النفسي فإنه لا تحدث له هذه الأعراض أثناء الرقية بالقرآن.
إن ظهرت هذه الأعراض في الإنسان فمن المتوقع أنه مصاب بالمس الشيطاني، سواء تعرف على ذلك بنفسه أو بواسطة الراقي الأمين الثقة.

وجود الضيق في الصدر، وصعوبة القراءة المفاجئة علامة من علامات حصول المس، وقد يحصل شفاء جزئي نتيجة للرقية، وتبقى الأعراض الأخرى قائمة حتى يخرج المس من الإنسان بواسطة الاستمرار في الرقية.

الشعور بحركة شيء في الجسم لا يلزم أن يكون علامة للمس، خاصة إن كان نادرا، فقد يكون بسبب حركات للأعصاب أو العضلات، أما إن كان دائما ومتنقلا، وخاصة أثناء التلاوة، فإنه يكون علامة لوجود المس.

المس أو السحر أو العين يؤثر على النفس وعلى البدن، ألا ترى أن السحر يجعل الإنسان مجنونا يهيم على وجهه في الأرض، ويربط الرجل عن زوجته فلا يستطيع أن يعاشرها، والعين تكون سببا في إسقاط حمل المرأة، وتصيب المعيون بشلل تام في جسده أو عضو من أعضائه، ويعجز الطب عن تشخيص السبب؟

الرقية بالقرآن والأدعية النبوية وغير النبوية نافعة للمرض النفسي والمس الشيطاني، لكن لا ينبغي أن يصنف كل مرض على أنه مس شيطاني، فقبل أن يذهب الشخص إلى راق ينبغي أن يمر على الطبيب المختص للتأكد من عدم وجود السبب العضوي، فإن لم يوجد فهناك يذهب للرقية.

أي مرض عضوي أو نفسي لا يعالج حال حصوله تحدث له مضاعفات كبيرة لأنه يصير مزمنا؛ ولذا ورد في الحديث الصحيح أن الله ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا فتداووا عباد الله.

طلب العلاج بالرقية أو بالعقاقير الطبية لا ينافي التوكل؛ لأنه من باب عمل السبب المشروع الذي جعله الله تعالى سببا للشفاء، وأما أيهما يقدم فإنه لا بد من التشخيص لنوعية المرض، ثم الذهاب إلى الاختصاصي، سواء الطبيب أو الراقي.

وينبغي الحذر ممن يتأكل بالرقية دون علم ولا تقوى، فكل من أتاه قال له أنت مصاب بالسحر أو العين أو الحسد ويبقى يأكل أموال الناس دون فائدة تذكر.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يقينا وإياك والمسلمين من شر السحرة والحسدة، وأن يشفينا وإياك ويعافي مريضك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المعتز بالله

    شكرا وجزاكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً