الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعرض لمضايقات كثيرة من أهلي وممن حولي بسبب التزامي، فما نصيحتكم لي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عامًا، وبآخر سنة في المرحلة الثانوية، مشكلتي التي أعاني منها أنني عكس أهلي تمامًا، فأهلي وإخوتي منفتحون جدًا، في السفر بعضهم لا يلبس الحجاب، ويغتابون كثيرًا، وعندما أنصح أمي تغضب علي، وتقول نحن لسنا هكذا، فأصبحت لا أحب أن أنصحهم.

وللعلم فأنا قد تبت والتزمت حديثًا، ففي الماضي كنت مثلهم، ولكن هداني الله، وطبعًا سيظهر علي التغيير والهداية، فبدؤوا يلقبونني بالداعشية، وهذا يضايقني كثيرًا.

وفي السفر كانوا يقنعونني بأن لا أتحجب، وأنني ما زلت صغيرة، ولكني لا أستمع لكلامهم، ولكن من الصعب جدًا أن أعيش وسط ناس هم عكسي ومختلفون عني، حتى صديقاتي أصبحت أشعر بالوحدة بينهن، فكلهن عكسي، لأنني تغيرت والتزمت، ولا يعرف أحد بتغيري إلا القليل جدًا، وأصبحت لا أحب الخروج معهم لسماعهم الأغاني بشكل كثير، فأصبحت أتضايق من الوحدة، وعندما يكون الأغلبية ضدي لا أستطيع أن أشتكي لأحد.

أرجو مساعدتي، فأنا أتضايق كثيرًا منهم وأدعو لهم بالهداية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، والفضفضة إلينا بما في نفسك وفي حياتك.

والحمد لله أن هداك لما أنت عليه من الخير والصلاح، ويا لها من نعمة الهداية وصدق الالتزام.

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن الإسلام قد بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وقال بما معناه يمتدح القابضون على دينهم وكأنهم قابضون على الجمر.

وصحيح أن الإنسان قد تمرّ به فترة يشعر بشيء من الغربة والحدة، بالرغم من وجود الكثيرين من حوله.

كل هذا صحيح، ومع ذلك فعلينا أن نتحلى بأمرين:

الأول: العمل على التزام الحق الذي نراه، وإن خالف الآخرين، طالما هو الحق، ونعتقد بصواب موقفنا.

والثاني: التواضع مع الناس، وقبول أعذارهم، والصبر معهم وعليهم، فقد منّ الله علينا بالفضل بعد أن كنّا مثلهم، ولعل الله يهديهم جادة الصواب، وخاصة مع وجود القدوة الحسنة أمامهم.

ولا ننسى كيف أوصانا الله تعالى ببرّ الوالدين بالرغم من كفرهم (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) فإذا كان هذا هو الموقف الصحيح من الشرك، فما بالنا بالأمور الأخرى من الصغائر وبعض التقصير هنا وهناك!

تحلي بالصبر، والله معك، ثابري على استقامتك، وحاولي نصح المقربين منك، والأفضل ليس بالكلام، وإنما بالفعل والقدوة الحسنة، ولاشك أنهم ومع مرور الوقت يريدون أن يصبحوا مثلك ويقتدون بك.

وفقك الله، وغفر لأهلك والمقربين منك، وهداهم للجادة الحق.
__________________________________________________
تليها إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-.
انتهت إجابة الدكتور/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية -.
___________________________________________________

فمرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:

فمن فضل الله على العبد أن يهديه ويرزقه الاستقامة، والفضل الأعظم أن يرزقه الثبات على تعاليم الدين، فكثير من المسلمين اليوم يعيشون في جهل وبعد عن تعاليم دينهم، خاصة أن الإعلام قد شوه العقول وشوه الالتزام والملتزمين، وشوه تعاليم الدين بطريقة فيها مكر كبار بالليل والنهار.

كوني على ثقة أن أهلك يعتقدون في قرارة أنفسهم أنك على الحق وأنهم مخطئون، لكن تأثرهم بمن حولهم يمنعهم من الاعتراف بالخطأ، وسيأتي الوقت الذي يمدحونك فيه، بل ويلتزمون بتعاليم دينهم.

في زمن كزمننا هذا غالبا ما يكون أزهد الناس في الملتزم بدينه أهله ثم المقربون منه غير الملتزمين، فيتنكرون له، ويبتعدون عنه، وهنا يكون الابتلاء والاختبار، ويميز الله الخبيث من الطيب، ويتبين مدى ثبات الشخص، فاستعيني بالله ولا تعجزي، ولا تلتفتي لإعراض الناس عنك، ولا تكترثي بهمزك أو لمزك أو تلقيبك بالألقاب التي تكرهينها، ولك في رسول الله وأصحابه الكرم أسوة حسنة.

لا تنعزلي عن أسرتك في البيت مهما قالوا عنك، وعيشي معهم بأريحية، وواجهي ما يقولونه بالابتسامة وسعة الصدر قائلة في قلبك سلام عليكم، أنتم تجهلون ما أنا فيه من السعادة والراحة.

واجتهدي أن تكوني قدوة في بر والديك والتفاني في خدمتهما، ومساعدة والدتك في أعباء البيت، وتملقي لهما بكلمات الود والمحبة، وإياك أن يجرك الشيطان لبعض الكلمات التي تؤذيهما، وعليك بكثرة السجود والدعاء لأسرتك بالهداية، وخاصة في أوقات فراغك.
استغلي أوقات الفراغ بحفظ القرآن الكريم، واشغلي بالك في تحصيلك العلمي، وتعللي بعدم الخروج مع أسرتك بالمذاكرة، ولا بأس بالخروج معهم في بعض الأحيان حتى لا تضجري وتملي، مع شغل نفسك بالذكر وعدم إرعاء السمع للأغاني.

لا تكثري النصح والتوجيه لمن يتضجر من ذلك، وإنما عاوديه على فترات متقطعة ومتباعدة، وتحيني أوقات الصفاء الذهني لدى المنصوح.

كم أتمنى أن يكون لكم درس ولو مرة واحدة في الأسبوع تقرؤون فيه آيات من القرآن الكريم مع تفسيرها من تفسير الشيخ السعدي رحمه الله، وأحاديث من كتاب رياض الصالحين مع شرحها للشيخ ابن عثيمين رحمة الله على الجميع.

اجتهدي في تقوية إيمانك وإيمان أفراد أسرتك من خلال المحافظة على الفرائض، والإكثار من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن واستماعه، فإذا تقوى الإيمان لانت القلوب، وتقبلت حكم الله، وتنافست في عمل الطاعات.

تذكري دوما كم لك من الأجر على تمسكك بتعاليم دينك، فذلك يهون عليك ما تجدينه من الناس، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم قال: بل منكم).

أسأل الله تعالى لك التوفيق والثبات وأن يهدي أسرتك للحق والتسليم لحكمه إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً