الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع شخصيتي التي فيها الكثير من الحساسية وتقلب المزاج؟

السؤال

السلام عليكم..

لغرض الاختصار والوضوح سألخص استشارتي في مجموعة أسئلة..

1) أنا آنسة غير موظفة، شخصيتي تعد لغزا بالنسبة إلي، فمشاعري وأفكاري وتصرفاتي عصية على الفهم، الشيء الوحيد الذي أقطع به هو أنني من ذوي الحساسية المفرطة، وأقول ذلك لأنني قرأت كتابا متخصصا في هذا الشأن، ووجدت الصفات منطبقة علي، مما منحني شعورا بالراحة جزئياً.

وسؤالي هو كيف يمكنني التحكم بثورة مشاعري؟ كيف أمسك بزمام نفسي ولا أتصرف بناء على ما تمليه علي مشاعري؟ فكثيرا ما تتسبب حساسيتي لي بمشكلات جمة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع والدتي وأخواتي، إذ أجدني أقحم نفسي في مشكلات معهم ومقارنات لا تنتهي بيني وبين أخواتي من ناحية تعامل والدي معنا وما إلى ذلك، وهذا جرني إلى الغيرة الشديدة من الآخرين، ممن يحوزون فضائل لا أحوزها.

2) أتأثر بشدة بقلة النوم الذي لا أجد منه مفرا في بعض الليالي، وأشعر بالثقل والتعب والملل ولا أمتلك القدرة على مجاملة الآخرين إطلاقا، ويخيل إلي أن اليوم بغيض وثقيل جدا، ويستحوذ النوم على تفكيري بالكلية، فأخسر يومي بسبب قلة النوم، فكيف أتكيف في هذه الحالة؟ وكيف أقبل بهذا الأمر وأمارس حياتي كالآخرين الذين لا يبالون حتى إن فاتهم نوم يوم كامل.

3) اهتماماتي متذبذبة جدا، ومزاجي يتقلب باستمرار، في كل مرة أرسم لنفسي هدفا وأجدني متحمسة له، أفقد حماستي بالكلية بعد مدة وجيزة، وأتساءل عن أهمية هذا الهدف؟ وهل يستحق أن أسعى لتحقيقه أم لا؟ وأفقد الشعور بجدوى تحقيقه، وتتنامى رغبتي في تحقيق هدف آخر، ثم ما يلبث أن يجري على هذا الهدف الجديد ما جرى على سابقه، ولا أعرف كيف أحدد مجالات قوتي وضعفي؟ لأنني أساسا لا أفهم نفسي ولا أعرفها، أريد أن ألم بكل شيء، لكنك لن تحمل البيض كله في سلة واحدة، فهل يلزمني أن أحقق هدفي في المجال الذي أتقنه؟ كيف أضع لنفسي هدفا وأستمر في العمل لأجله؟ أشعر أني ممزقة ومشتتة الفكر والعقل، وبدون مواهب، وبدون أهداف تسهرني، وتحثني على المضي قدماً.

4)مشاعري تجاه الأشخاص هي الأخرى ليست ثابتة، فقد يحصل أن أحب أحدهم بشدة ثم أبغضه بشدة، ثم أعود لمحبته، أحيانا أخالني مصابة بضرب من الجنون، فمشاعري تستند على حالتي المزاجية وعلى تعامل الأشخاص معي، فكيف يمكن أن أكون منطقية أكثر وأتحلى بالصبر وأسامح الآخرين عن طيب نفس؟ وهل سيؤاخذني الله إن قصرت في جانب التعامل مع الآخرين ومع والدي؟ علما أنني أعاني من شخصيتي وتذبذب أفكاري وتقلب مشاعري.

5) عندما أجري محادثة كتابية أنطلق وأعبر عن نفسي بحرية، لكن الأمر يختلف تماما حين تكون المحادثة كلامية، إذ أصبح خجولة ومترددة في الحديث، وتكون جملي مبعثرة ومبتورة، وكأنني نسيت اللغة تماما، ولا أجد شيئا يستحق الذكر لأتحدث بشأنه، وهذا يولد لدي شعورا بالقلق من نظرة الطرف الآخر إلي، ويخيل إلي أنه يشعر بالملل ويحس بالتناقض بين مستواي الكتابي ومستواي الكلامي، فهل أنا مصابة بالرهاب؟ لماذا أعمد أحيانا إلى بتر جملي وعدم إتمامها؟ وأعزف عن استخدام الكلمات الجميلة والمؤثرة وأتعمد أن تكون طريقة حديثي بسيطة جدا وتافهة رغم قدرتي على استخدام ألفاظ أجمل وأعمق، وكأنني أتواضع، أو أشعر بأني أقل من أن أستخدم مثل هذا الأساليب المعبرة في الحديث؟ ونتيجة لذلك أشعر بصدود الآخرين عن الإصغاء لما أقول.

أعتذر عن الإطالة، ولكن هذه الأسئلة تسبب لي حيرة شديدة، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ amal حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الفضفة إلينا بما في نفسك من مشاعر وأفكار، أعانك الله ويسّر لك أمرك.

من الكلمات المفتاحية التي وردت في سؤالك الكلمات التالية، والتي تشير ربما لطبيعة حالك: الحساسية، إقحام النفس في قضايا الآخرين، الغيرة، صعوبات النوم، التشتت، اختيار الأهداف وتحقيقها، وأخيرا صعوبات التواصل الكلامي اللفظي على عكس التواصل الكتابي.

طبعا موضوع الحساسية ليس كله سلبي، فربما ما ينقصنا في مجتمعاتنا أناس عندهم من الحساسية ما يكفي لمشاعر الآخرين، مما يمكن أن يحسّن علاقات الناس ببعضهم، فالحمد لله على أنك حساسة فهذا شيء إيجابي وطيب، ولكن لتكن هذه الحساسية باعتدال، وضمن الحدود الطبيعية، ،كما يقال، ما زاد عن حده انقلب إلى ضده.

أما موضوع النوم، فللنوم علاقة وثيقة بما يجري في حياة الناس خارج النوم، فالعمل والنشاط أثناء النهار هو العامل الرئيسي في الحصول على نوم هادئ، وطويل بما فيه الكفاية، فاحرصي على ممارسة النشاط والرياضة خلال النهار.

وموضوع الأهداف، كلنا يعاني من صعوبة اختيار الهدف المناسب، ومن ثم الصبر على تحقيق هذا الهدف وعدم تركه والانتقال لغيره، والحل الأكبر يأتي عن طريق الممارسة والخبرة في الصبر في التعامل على ما بين أيدينا من العمل المطلوب.

وأخيرا، وربما هو أهم شيء، هو صعوبة التواصل اللفظي مع الآخرين، وربما هذه الصعوبة تخفي ورائها شيئا من الرهاب والارتباك الاجتماعي.

فصعوبات التواصل مع الآخرين، وخاصة في موضوع اتخاطب مع الناس، فبالرغم من هذا فأنت شابة طموحة تريدين أن تصنعي شيئا ذا قيمة، وتريدين أن ترتفعي وتتقدمي، إلا أن هذا الرهاب الاجتماعي يقف في طريقك.

المشكلة مع الرهاب أو الخجل الاجتماعي أنه قد يدفع صاحبه لتجنب لقاء الناس، فيرتاح بعض الشئ من قلق هذه المواجهة، إلا أن ما يفعله هذا التجنب على المدى الطويل أنه يزيد المشكلة تعقيدا، ويزيد شدة الرهبة الاجتماعية، وبالتالي المزيد من التجنب، وهكذا يدخل الشخص الدائرة المعيبة، فرهاب، فتجنب، أو تجنب فرهاب.

ويكمن الحل في عدم التجنب، وإنما الإقدام على مواجهة هذه المواقف الاجتماعية التي تزعجك، والتي لم تعتادي عليها، ويمكن من خلال الوقت أن تعتادي شيئا فشيئا على لقاء الناس والحديث معهم، ومن دون أي صعوبة تذكر.
ولا تنسي أن هذا الاعتياد سيسهل عليك المواضيع الأخرى كالنوم مثلا.

وربما يفيدك أن تطلعي على موضوع القلق والرهاب الاجتماعي، ومن الكتب المفيدة كتابي "المرشد في الأمراض النفسية واضطرابات السلوك" وهو متوفر عندكم في مكتبات جرير.

وفقك الله وجعلك من الناجحات المتفوقات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً