الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصحابي لا يقولون ولا يفعلون إلا ما يغضب الله!!

السؤال

أنا لا أعرف ماذا أعمل! أنا مصاحب أصحاباً كل كلامهم عن ممارسة الجنس والفاحشات وعن كل شيء يغضب الله!

أنا لا أعرف ماذا أعمل! ولم ألق أحداً في مثل سني يصلي، وكل فترة هناك كبير ينصحني بالصلاة، لكن أنا لو صليت فلن أعرف أحداً.

ماذا أعمل؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ Mondy حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله أن يحفظك ويحفظ شبابنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقكم السداد والرشاد، وأن يوفقكم لما فيه رضاه.

فإن الصاحب ساحب، وصداقة الأشرار تُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ، وقل لي من تصاحب أقل لك من أنت، ولقد أحسن من قال:
لا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهلٍ أردى *** حليماً حين آخاه
يُقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه

والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وكما قال عمر رضي الله عنه: (ما أعطي أحدٌ بعد الإسلام أفضل من جليسٍ صالح) بل كانوا إذا خرجوا من بيوتهم يدعون الله قائلين: (اللهم هيئ لي صديقاً صالحاً) قال تعالى: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا))[الكهف:28] فنحن نُهينا عن مصاحبة أهل الغفلة والهوى، وأُمرنا بمصاحبة الأخيار، واعلم أن كل صداقة وأخوة لا تبنى على الإيمان والتقوى تنقلب يوم القيامة إلى عداوة، قال تعالى: ((الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ))[الزخرف:67] فلا تُصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خاف الله.

واعلم أن عدم وجود الصديق أفضل من مجالسة أهل الشر، وأشغل نفسك بطلب العلم وطاعة الرحمن وتلاوة القرآن، وليس من الشرف أن يتعرف الإنسان على الأشرار، فلا تحزن على فراقهم، واعلم أن كتاب الله جليسٌ لا يمل وصاحب لا يغش، لأنك إذا جالستهم وصاحبتهم فلابد أن يصيبك من الشر والشرر، وقد ينزل غضب الله وأنت معهم فتقع الكارثة وتحل الندامة، وابتعد عن الفحش والفواحش، واعلم أن الله ينتقم ممن يعبث بالأعراض، والجزاء من جنس العمل، وقد توعد الله الذين يحبون شيوع الفواحش بالعذاب الأليم، فكيف بمن يفعلها والعياذ بالله؟! قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))[النور:19].

وعليك بالابتعاد عن الذين يتحدثون عن الفواحش، وواظب أنت على صلاتك، فإنك ستُسأل أمام الله وحدك، وفترة الشباب فرصة للاجتهاد في الطاعات كما قالت حفصة بنت سيرين: (يا معشر الشباب عليكم بالعمل والاجتهاد، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب) فاحرص على الاستجابة لمن يأمر بالصلاة والطاعات، فإنه يريد لك الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ولابد أن تجد في المسجد الكثير من الأخيار الأطهار.

والإنسان لا يترك الحق حتى ولو كان وحده، فسر على طريق الخير، ولا تستوحش من قلة السالكين، ولا تمشي مع الأشرار مغتراً بكثرة الهالكين، ولا تكن يا بني إمعة، إن أحسن الزملاء والناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطّن نفسك على الإحسان حتى لو أبتعد أكثر الناس عن الخير، فإن الله يقول: ((وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ))[يوسف:103].

وتذكر أن أهل النار عندما يُسألون عن سبب دخول النار يقولون: ((لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ))[المدثر:43-45] فهم بذلك يركبون الموجة كما يُقال، وهذه من أسباب دخولهم النار أنهم كانوا إذا وجدوا سكارى كانوا معهم، أو وجدوا فسّاق شاركوهم في فسقهم، والعياذ بالله.

ولا شك أن سؤالك هذا دليلٌ على أن فيك خير فلا تتراجع إلى الوراء وتصحب السفهاء، واعلم أن صحبة الأشرار تُعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والثبات حتى الممات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً