الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عندي خوف من مواجهة الآخرين حتى في الهاتف

السؤال

السلام عليكم

أعاني من مشكلة لا أعرف ما الذي تندرج تحته, هل هو رهاب اجتماعي أم ماذا؟

مشكلتي هو أني شديد الخوف من الناس عند المشاجرات لدرجة أني لا أستطيع الدفاع عن نفسي، وأبدأ في التلعثم في الكلام وقدماي ترتعشان من الخوف بشكل ملحوظ, لدرجة أني أخاف أن أدافع عن نفسي حتى ضد الصغار خوفًا.

قد لاحظ هذا الأمر للأسف أهلي وأقاربي لدرجة أن أخواتي عندما يتصل بهن شخص مجهول ويقوم بمضايقتهن فإنهن يطلبن من شقيقي الأصغر بأن يرد عليه؛ لأنه حصل فيما سبق أن قمت بالرد على أحد هؤلاء وتلفظ بكلمات سفيهة في حق أختي، ولم أستطع الرد عليه, وحينها علمت أخواتي عدم قدرتي على مواجهة الآخرين حتى بالهاتف, ومنذ تلك اللحظة كلما تكرر الأمر فإنهن يطلبن من أخي أن يتكفل بالمهمة.

كذلك موقف آخر حدث مع شقيقي الثاني، وهو الأصغر في السن كلما تعرض للاعتداء من أحدهم فإنه يطلب مساعدة شقيقي الأصغر مني سنًا للدفاع عنه, وغير ذلك من المواقف التي يطول المقام بذكرها، وللعلم لا أقصد بكلامي أني أريد أن أتشاجر مع كل من هب ودب، أو لكي أؤذي الناس وإنما فقط أريد الدفاع عن نفسي إذا لزم الأمر.

لذلك لو تفضلتم وأحلتم لي عقارًا يساعدني ولو قليلا على تجاوز هذه المحنة, ولم أرغب في استشارة طبيب نفسي في المدينة التي أعيش فيها بسبب عدم وجود أطباء ذو كفاءة عالية، وموثوق بهم يمكن أن يعول عليهم في هذا الأمر.

أنا أعلم أن العلاج الدوائي غير كاف، لكني أؤمن تمامًا بأنه جزء من الحل, وكل يوم أدعو الله تعالى أن يزيل عني هذا البلاء, وأرجو منكم أن تردوا على سؤالي ردًا خاصًا وعدم إحالتي إلى أسئلة مشابهة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كما تفضلت وذكرت أنت لا تريد أبدًا أن تتشاجر مع الناس، لكن هذا الموقف قد يفرض نفسه عليك في بعض الأحيان، وحتى في هذه الحالات أريدك أن تكون متسامحًا – أيها الفاضل الكريم – نحن لسنا في وقت الشجار والقتال والتدافع بالأيدي، نحن يجب أن نكون خيِّرين ونساعد الآخرين حتى وإن كانت سلوكياتهم ليست منضبطة، نكون نحن القدوة الطيبة والحسنة لها.

أخِي الكريم: أنت لست بجبان، أنت لست بضعيف، لكن أعتقد الذي أصابك هو نوع من الوسوسة حول مقدراتك عند هذه المشاجرات، ربما يكون حدث لك في مرة من المرات خلال هذه المشاجرات نوع من الرهبة والرهاب، وبدأ قلبك في التسارع، نسبةً لأن الإنسان إذا واجهه الأسد يُفرز الأدرينالين (adrenaline) بكميات كبيرة، والأدرينالين هو الذي يُحرِّك القلب ويزيد من قوته ونبضه ليزداد تدفق الدم، لتقوى العضلات من خلال الأكسجين الذي يصلها؛ لأن الإنسان في مواجهة الأسد إمَّا أن يُقاتله وإمَّا أن يهرب منه.

هذه الحالة الفسيولوجية التي تحدثنا عنها – أيها الفاضل الكريم – هي حالة صحيَّةٍ جدًّا، لكنها قد تتحوّل لدى بعض الناس في شكل خوفٍ ووسوسة، وهذا هو الذي حدث لك.

إذًا عليك أن تعرف أن الذي يحدث هو أمرٌ فسيولوجي طبيعي، وأنك -إن شاء الله تعالى- تملك القوة والشكيمة لمواجهة المواقف التي تحتاج فيها أن تكون صامدًا وصلبًا وتدافع عن نفسك، وأنا من وجهة نظري أنك إذا صمَّمتَ وعزمت أن تتجنب هذه المشاجرات، وأن تكون من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، هذا في حدِّ ذاته سوف يجعلك ثابتًا وقويًّا إن فُرضتْ عليك أحد هذه المشاجرات وكان لا مناص ولا هروب منها.

الفكر السديد والفكر الرصين يجب أن يسبق أفعالنا، فإذًا لا تكن نيتك أبدًا مُشاجرة الناس، هذا في حد ذاته يُعطيك القوة والدافعية بصورة ممتازة جدًّا.

عليك – يا أخِي الكريم – أيضًا أن تنخرط في أي عملٍ اجتماعيٍ أو عملٍ خيريٍ، هذا يعطيك القوة والثبات ولا شك في ذلك.

الصلاة مع الجماعة خاصة في الصف الأول تُعطي الإنسان قوة وثبات في جميع المواقف التي تتطلب المواجهة، وهذا أمرٌ مُجرَّب.

ممارسة الرياضة تُعطيك القوة والثقة في نفسك، التغذية السليمة والصحيحة، والنوم المبكر أيضًا ذات عوائد وفوائد كبيرة جدًّا عليك -إن شاء الله تعالى-.

أخي الكريم: أنت رجلٌ محترمٌ ولديك وظيفة محترمة، وقطعًا مساعيك في الحياة كلها محترمة، فاجعل تفكيرك ونمط حياتك يسير على هذا النمط.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنت لست مريضًا أبدًا حتى تتناول الأدوية، أما هذا التخوّف الظرفي الذي يأتيك فيمكن أن تتناول عقار بسيط جدًّا يعرف تجاريًا باسم (إندرال Inderal)، ويعرف علميًا باسم (بروبرانلول Propranlol)، والجرعة هي عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تتوقف عن تناوله.

الإندرال لا يُسمح بتناوله بالنسبة للذين يعانون من مرض الربو.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً