الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مخاوف من الموت والأمراض الخبيثة ورهاباً اجتماعياً

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أقدم الشكر لكم على مجهودكم الرائع في خدمة الناس، وأسأل الله العلي العظيم أن يجزيكم الجنة.

أريد أن أخبرك ببداية المشكلة يا دكتور، فقد كنت شاباً طبيعياً لا أعاني من المشاكل -ولله الحمد- ولكن ارتكبت خطأ جسيماً غير حياتي للأبد، وأسأل الله أن يغفر لي، وأنا هنا لا أجاهر بالمعصية، لا والله، لكن أريد أن أخبرك بكل شيء حتى تحلل المشكلة.

بعد ارتكابي لهذا الخطأ أصبحت أفكر كثيراً بأني مصاب بمرض الإيدز، وهنا بدأت المشكلة حيث بدأت أشعر بغازات في البطن وألم وإمساك، وحتى بعد أن حللت تحليل الإيدز ووجد أن دمي سليم -ولله الحمد- فقد استمرت الأعراض بعدها بمدة.

كنت مسافراً مع أصدقائي وفجأة أحسست بضيق بالتنفس، وثقل في الكلام، وإحساس بالموت استمر لمدة قصيرة واختفى، بعدها بفترة ذهبت في رحلة إلى البر وجاءني الإحساس نفسه بالموت وعدت مسرعاً للبيت، وانعزلت عن أصدقائي ولم أعد أريد أن أخرج بسبب هذا الإحساس.

ذهبت إلى طبيب باطنية وأخبرته بالغازات وألم البطن والإمساك، فأجرى لي تحاليل كثيرة منها: اختبار جرثومة المعدة، وصرف لي دواء لها، وبعد أسبوع عدت إليه والأعراض لم تتغير ولكن قد تكون قلت، فأخبرته عن المخاوف التي تواجهني فقال: أنت تعاني من القولون العصبي، وأعطاني دواء الأسيتالوبرام، فاستخدمته لمدة ستة أشهر وتحسنت حالتي في هذا الوقت بشكل كبير، بعد مدة استخدام الدواء بشهر عادت لي الأعراض وهي الغازات، والحموضة تكاد تكون يوميه، وألم خفيف في البطن يأتي ويذهب، هذا غير المخاوف من الموت، والخوف الشديد جداً من العفاريت، وأحياناً أفكر بأني مصاب بأمراض خبيثة.

أرجوك يا دكتور مساعدتي في التخلص من هذه المخاوف، فقد أتعبتني جداً، وأيضا أعاني من الرهاب الاجتماعي ولكن لم يكن يسبب لي مشكلة إلا بعد إصابتي بهذه المخاوف.

وسؤال أخير: هل تسبب جرثومة المعدة السرطان؟ لأني كنت مصاباً بها وذكر أحد أصدقائي أنها تسبب السرطان.

أرجو مساعدتي يا دكتور، فأنا لم أكن هكذا، وجزاك الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مازن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكركَ على تواصلكَ مع إسلام ويب، وأنا حقيقة سعيد أن أسمع عن درجة الندم التي أصابتك لارتكابك الخطأ الذي وصفته بالجسيم، و-إن شاء الله تعالى- هذا الندم هو دليل قاطع على توبتك، ورحمة الله واسعة، ولا سقف لها، فأبشر -أيها الفاضل الكريم-.

الأعراض التي تعاني منها هي في المقام الأول أعراض قلقية، والقلق له عدة جزئيات وأقسام وتشعبات، قد يأتي في شكل مخاوف، قد يأتي في شكل توترات، قد يأتي في شكل انفعالات سلبية، قد يأتي في شكل وساوس، قد يأتي في شكل رهاب.

حالتك هذه -يا أخِي الكريم- هي حالة (قلق المخاوف)، والأعراض الجسدية قد تكون مكوّناً رئيسياً مصاحباً للأعراض النفسية، وأكثر أعراض الجسم تأثرًا بالحالة النفسية هي الجهاز الهضمي، فلا تنزعج، تشخيصك تشخيص واحد وهو (قلق المخاوف)، والخوف من الموت هو جزء من قلق المخاوف، وكل الذي تحتاجه حقيقة هو أن تصحح مفاهيمك، أنه:

أولاً: بفضل الله تعالى التوبة النصوح تَجُبُّ ما قبلها.

ثانيًا: الحياة والموت بيد الله تعالى.

ثالثًا: أنت لست مصابًا بمرض الإيدز، هذا أؤكده لك تمامًا.

رابعًا: علاقة الجرثومة الثلاثية الحلزونية والتي تعرف باسم (هيكلوباكتر) والتي تصيب المعدة لا تسبب مرض السرطان بصورة قطعية، لكن يُستحسن علاجها، لأنها قد تسبب التهابات مزمنة، والالتهابات المزمنة قد تؤدي إلى تغيرات سرطانية في خلايا المعدة، هذا نادرًا ما يحدث، وحين أقول (نادرًا ما يحدث) أعني أن الأمر يمكن تجاهله، وأنت -الحمد لله- تعالى قمت بالعلاج، وهذا يكفي تمامًا.

أنا أعتقد أنك في حاجة لأحد الأدوية المضادة للمخاوف –وهي كثيرة وممتازة وفاعلة– وعقار (لسترال) الذي يعرف علميًا باسم (سيرترالين) سيكون دواءً مفيدًا لك، مفيدًا جدًّا -إن شاء الله تعالى– خاصة إذا التزمت بتناوله حسب الجرعة المطلوبة، والجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة –أي خمسة وعشرين مليجرامًا– تتناولها بعد الأكل، وبعد عشرة أيام اجعلها حبة كاملة، استمر عليها لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، وهذه الجرعة تعتبر جرعة صغيرة، لأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، بعد انقضاء الستة أشهر اجعل الجرعة نصف حبة ليلاً لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وهنالك علاج آخر مساعد يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل) واسمه العلمي (سلبرايد)، تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ومساءً لمدة شهرين، ثم اجعله خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

أنت لديك تجربة إيجابية نسبيًا مع الـ(إستالوابرام)، لكن ما دمت قد توقفت عن هذا الدواء –حسب ما فهمتُ– فأعتقد أن السيرترالين سيكون دواء مفيدًا لك، وإذا رجعت لطبيب أيضًا وتشاورت معه فلا بأس في ذلك أبدًا.

أنصحك أيضًا أن تراجع طبيب الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي مرة واحدة كل أربعة أشهر، هذا يمنع عنك التردد على الأطباء ويُبعدك -إن شاء الله تعالى– عن التوهم المرضي.

النقطة الأخرى – وهي هامة جدًّا – هي: أن تعيش حياة صحية، والحياة الصحية تقوم على أن البدن والعقل والنفس والروح والجسد يجب أن تتمازج وتُكمل بعضها البعض، وهذا يأتي من خلال: ممارسة الرياضة، الفعالية، الحرص الشديد في أمور الدين، وأن تكون الصلوات الخمس على الأقل في المسجد، وأن تكون متواصلاً اجتماعيًا، وأن تنام مبكرًا، وأن تصل رحمك، وأن تبر والديك، وأن يكون غذاءك متوازنًا وصحيًّا، وفي حالتك أرى أن البحث عن العمل هو ضرورة علاجية مهمة جدًّا، فأرجو أن تركز على هذا، وعليك بالأذكار الصباحية والمسائية، فهي التي تقيك -إن شاء الله تعالى– من هذه المخاوف.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً