الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أخاف بعد مشاهدتي لبعض المقاطع المخيفة على اليوتيوب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في الـ 16 من عمري، رزقني الله بجمال في الجسد ولله الحمد والمنة، وقوة في البنية، وذكاء حاد، وقوة في الذاكرة، حتى أني أدرس أصعب المواد بسهولة وأتفوق بها، لله الحمد والفضل.

مشكلتي هي أني دائماً أشعر بتوتر وخوف شديد، الوسواس القهري يدخل في كثير من شؤون حياتي، أحلام اليقظة لا تكاد تفارقني، خاصة في خلوتي، ابتلاني الله بالعادة السرية ولكني أحاول تركها جاهدًا، والتعديل من وضعي، ولله الحمد أنا محافظ على الصلوات الخمس كلها في المسجد والمدرسة، أذكار الصباح والمساء محافظ عليها أيضا، أحفظ القرآن الكريم كاملاً، ومشترك الآن في حلقتين تحفيظ قرآن يوميا.

منذ حوالي ثلاثة أعوام، توفي والد صديق عزيز على قلبي، وكان هو أول شخص محبوب أفارقه مُذ أن وعيت، ومنذ ذلك اليوم أصبح لدي هلوسة وقلق نفسي شديد، يصل لدرجة الحزن والكآبة والهم، والتفكير بأني سأفقد من أحب وسيموت، وستتنكّد حياتي فقط لمجرد أن صديقا لي غاب عن المدرسة! أو إذا خرج والدي للعمل وقال شيئا لم أفهمه مثلا، فأفسره تفسيرات غريبة وغبية! والمشكلة أني اكتشف أنها غبية بعدما أرى هذا الشخص أمامي!

أيضا منذ عدة أيام شاهدتُ على موقع اليوتيوب مقاطع عن الجن والمس وإخراج الجن من الإنسان، كان من بينها مقطع جني يهدد الشيخ على الهواء، أيضا شاهدت مقطعاً عن إخراج شيطانة من جسد إنسان، ومنذ ذلك اليوم وأنا أخاف أن أبقى لوحدي، وأخاف أن أنام لوحدي، وأخاف من الظلام، بل حتى من الأشياء
الخيالية والتي ليس لها وجود، أصبحتُ أخاف وكأني طفل صغير، بالرغم من أني لم أكن أخاف من قبل، بل كنتُ مضرب المثل في الجرأة والقوة بين أهلي وأصحابي، والآن أشكو همي لله ثم لكم.

ينقصني البعض مما لا ينقص ممن هم في مثل عمري، وهذا ما جعلني أدخل بدوامة من أحلام اليقظة، والتفكير العميق بأمور تشعرني أني أملك ما ينقصني، ولكني أُصدم بالواقع عندما أستيقظ من خيالي.

أيضًا أشعر أينما أذهب حتى وإن كنتُ بين الناس أو لوحدي أن هناك أحدا ما يراقبني، ودائما ما يأتي في مخيلتي أنه من الجن، حتى أني أحيانا أضع يدي في جيبي، وأشعر بأن أحدًا يريد إخراجها، ولكنه لا يستطيع، مع العلم أني لا أشعر بقوة إخراجه، أي ليس هناك مقاومة، ونفس الشعور يأتيني في الحمام، وعندما أغمض عيني، ويأتيني بسبب ذلك رعشة أحيانا، وبعض الخوف، وهذا الأمر معي منذ أكثر من خمس أو ست سنوات.

الوسواس القهري يلاحقني في صلاتي، وفي قراءتي للأذكار، وفي أي ذكر، أو عند قراءة القرآن، أو أي شيء في الدين، وهذا أيضا منذ حوالي ثلاث سنوات أي مُذ أن التزمت، أشك أني مسحور، أو مصاب بعين أو حسد، أو أشياء من هذا القبيل.

أعتذر عن الإطالة، كان المفروض أن تكون كل مشكلة في استشارة منفصلة، ولكني أشعر أن هناك ترابطًا بينها، أملي بالله ثم بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فهنالك عدة جوانب شملتها رسالتك، أولها موضوع سيطرة الوساوس عليك، وكذلك القلق والمخاوف، وألاحظ أيضًا أنك تعاني من شعور عام بالإحباط، وهذا مرده لحالة القلق الوسواس التي أصابت.

تشخيص حالتك هو أنك تعاني من قلق المخاوف الوسواسي، وهذه الحالة نشاهدها لدى بعض الشباب واليافعين في عمرك، وفي معظم الحالات تكون عابرة؛ لأنها مرتبطة بالعمر وما يصحبه من تطورات نفسية وبيولوجية وهرمونية وفسيولوجية. لكن علاجها والتعجيل به لا شك أنه مطلوب، حتى لا تتطور الحالة، لأن الوساوس القهرية مؤلمة جدًّا لمن تصيبه.

الوسواس يعالج دائمًا من خلال تحقيره ورفضه، واستبداله بفكر مخالف، وعدم اتباعه. في بداية الأمر سوف يجد المرء معاناة في طرد الوساوس ورفضها؛ لأن محاولة ذلك يؤدي إلى القلق، لكن بعد ذلك يحدث نوع من التواؤم والتطبع، وتجد أن الأمر قد أصبح عاديًا، المهم هو أن تكون لك الإرادة والشكيمة، ويتوفر لديك الالتزام بطرد هذه الوساوس. اكتبها في ورقة، واحدة بعد الأخرى، لا تقم بتحليلها، فقط خاطبها بأن ترفضها، قل لها: (أنت فكرة وسواسية مرفوضة، لن أتبعك أبدًا) واصرف انتباهك بفعل أو إدخال فكرة مخالفة تمامًا للشعور الوسواسي.

المخاوف أيضًا تعالج من خلال مواجهتها، لأن التجنب يزيد من الخوف، ويجب أن تقارن نفسك بالآخرين. كثير من الناس حتى الأطفال تجدهم في منتهى الشجاعة والإقدام ويدخلون أو يقعون أو يواجهون مواقف قد تكون صعبة من وجهة نظرهم لكن حقيقة ليست بتلك الصعوبة، فأرجو أن تتمثل بالآخرين وأن تهدم الفكر الذي يقوم على الخوف أيضًا، ودائمًا تذكر أنك في حفظ الله وفي معيته، فأنك قلت أنك تحفظ القرآن الكريم، وهذا أمر جميل، وتحافظ على صلواتك وأذكارك والدعاء، وهذا يكفي ليجعلك محاطًا بنعمة الأمان. فهذا الخوف الذي يعتريك أعتقد أنك فقد استسلمت له ولم تحاول رفضه وتغييره.

من المهم جدًّا أن تتواصل اجتماعيًا، التواصل الاجتماعي يعطي الإنسان القدرة على التفاعل الإيجابي وعلى هزيمة الخوف بجميع أنواعه وأشكاله.

اعتقادك حول العين والسحر: أعتقد أن الإشكالية الرئيسية حول هذا الأمر هو اطلاعاتك الكثيرة في اليوتيوب وغيرها حول هذه المواضيع، هذه مواضيع حولها الكثير من اللغط، كثير مما يقال ليس صحيحًا، بل هو من أجل إثارة الناس وبعث الفضول فيهم، ومن له هشاشة نفسية يكون قابلاً لما نسميه بالتأثير الإيحائي، أي تجده دائمًا يأخذ ما يُقال أو يسمعه أو يراه، يأخذه كحقيقة، وهذا يؤثر عليه بصورة سلبية جدًّا.

نحن نؤمن تمامًا بوجود العين والسحر، لكن إيماننا أقوى؛ لأن الله سيبطل هذه الأشياء، والمؤمن الذي يحفظ نفسه من خلال الدعاء والذكر والتعوذ لا نعتقد أنه سيكون ضحية لهذه الأشياء، فأرجو أن يكون هذا هو منهجك، وأرجو أن لا تطلع على المشاهد التي تحدثت عنها، فهي من أجل الإثارة وبعث الفضول في الناس وليس أكثر من ذلك، فأرجو أن تبني فكرًا جديدًا لمواجهة هذا الأمر.

بالنسبة لممارستك للعادة السرية، بالطبع هذا أحزنني كثيرًا، والذي يجب أن أقوله لك: يجب ألا تحمل متناقضات، فأنت تحفظ القرآن وتحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، فالمطلوب منك هو أن ترتقي بصلواتك لتساعدك في الإقلاع عن هذه العادة السرية وأنت أحفظ منا وأعرف بقول الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} وتعلم قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وتعلم قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} وتعلم قوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنهم الله من فضله}.

لابد أن تكون حازمًا مع نفسك وتكون لك القوة والقدرة بأن تواجه النفس وضعفها، وأنا حقيقة أنصحك بالتواصل مع الشيخ الذي حفظت على يده، وتناقش معه مثل هذه الأمور، وهو السحر، والخوف، وممارسة العادة السرية وغيرها، وسوف تجد إن شاء الله تعالى منه كل المساندة والاستبصار والشرح الدقيق، وكيف تقاوم هذه الأمور.

إذا استمر الأمر على حاله أنصحك أن تقابل طبيب نفسي، وذلك حتى يقوم بوضع المزيد من الآليات العلاجية ويصرف لك أحد الأدوية المضادة للمخاوف والوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً