الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب نزع البركة في هذا الزمان

السؤال

لماذا أشعر وأرى أن الله سبحانه وتعالى قد نزع البركة من الدنيا ومن أعمالنا رغم أننا نتعبد ونأكل ونشرب ونعمل وننام، فهل نسينا شيئاً؟!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رزان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يوفقك في دراستك حتى تكون عالماً من علماء الإسلام، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا أنه لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا بأنفسهم، ولعلي أذكر قصة وردت في عهد أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - أن بيتاً قد هُدم أحد جدرانه، فوجدوا تحت هذا الجدار - أي: في أصله وعمقه - صرة، فلما فتحوها وجدوا فيها بعض حبات القمح، وكانت الحبة تعدل حجم التمرة، وإذ ورقة موضوعة مع هذه الحبات في داخل الصرة مكتوب عليها: (هذه أقوات أقوام كانوا يتقون الله عز وجل).

فهذه البركة الكبرى التي أكرم الله بها عباده الصالحين تعم وتنتشر بالطاعة والاستقامة على منهج الله، كما قال سبحانه وتعالى: (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ))[الأعراف:96]، فكلما كان الناس أكثر استقامة على منهج الله وأكثر تنفيذاً لمراد الله وأكثر عبودية لله كلما بسط الله لهم الأرزاق وبارك لهم فيهما.

وهذا التاريخ شاهد على ذلك، فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أول الدعوة كانوا فقراء وكانوا ضعفاء وكانوا قلة، ولكن عندما تمكن الإسلام في الأرض وقامت دولة الإسلام وأقبل الناس على طاعة الله حتى أصبحوا من أغنى أغنياء العالم، وبسط الله لهم سلطانهم على ثلاثة أرباع الدنيا، كل ذلك ببركة الطاعة والاستقامة على منهج الله عز وجل.

فهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه خرج من مكة مهاجراً لا يملك درهماً ولا ديناراً، ونزل المدينة وبدأ يعمل بالتجارة ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، حتى إن أمواله من كثرتها كانت تُقطع بالفؤوس، ما كان يُعطي أحداً - عشرة دنانير أو عشرين - بالعدد، وإنما كان إذا جاءه أحد أعطاه بملء يديه، وقد يعطيه بالمكتل، وقد يعطيه ضربة بفأس فيها ما فيها من الأموال، وكانت له عشرات البيوت مليئة بالذهب من أرضها إلى سقفها، هذا كله ببركة الطاعة.

وهذا عثمان بن عفان وأبو بكر الصديق وأنس ابن مالك وعمر بن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين وغيرهم كثيرون بسط الله لهم الأرزاق حتى تعجبت الخلائق.

وأما عندما تقل الطاعة أو تصبح شكلية فإن البركة تقل أو تتضاءل وقد تنعدم، كل ذلك بسبب الانصراف عن شرع الله وتعطيل منهج الله في حياة الناس، ولذلك فإن الذي نراه هو صورة طبيعية لحال الإيمان في قلوب المؤمنين؛ لأن الإيمان والاستقامة الآن ليست على الوضع الذي بيَّنه الله تبارك وتعالى وأراده منا، فيرزقنا الله تبارك وتعالى على قدر طاعتنا وإخلاصنا، فأرزاقنا هي ثمرة من ثمار عبادتنا لله تعالى، وهي انعكاس لطاعتنا لله جل جلاله، وهذا لا يمكن أن نسلم بأنه حال جميع المسلمين في كل مكان، وإنما هذا حال معظم المسلمين، وهناك من المسلمين الصادقين الصالحين المستقيمين على منهج الله من بسط الله لهم في الأرزاق.

وكلامك الذي ذكرته حقٌ وذلك بسبب ما ذكرته لك من تحويل الإسلام إلى شعائر جوفاء أو تطبيق الإسلام على هوى الإنسان ورغبته ومزاجه، فما أراد أن يطبقه من الدين طبقه، وما أراد أن يعطله من الدين عطله، كأنه يعبد نفسه من دون الله، وترتب على ذلك هذا الذي تذكره من نزع البركة.

وإذا استقمنا على منهج الله فإن البركة ستعود إلينا كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))[النحل:97]، ولذلك أوصيك ونفسي بأن تكون مطيعاً لله حريصاً على مرضاته بعيداً عن معاصيه، واعلم أنه سيبارك لك في وقتك ويبارك لك في عقلك ويبارك لك في دراستك ويبارك لك في صحتك، ويبارك لك في مالك ويجعلك مباركا حيثما كنت، لأنك مطيع له سبحانه، وهو وعدك بذلك: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ))[يونس:62-64].

فاستقم على منهج الله، واجتهد في دعوة غيرك إلى طاعة الله، وأغلق كل أبواب الشيطان في وجهه، حتى لا يتسرب إلى قلبك فيفسد عليك دينك ودنياك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً