الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الإمامة في الصلاة

السؤال

السلام عليكم

مشكلتي هي أنني لا أستطيع أن أكون إماماً للناس بالصلاة فقط، وأنا - بحمد الله - ملتزم، وإذا تأخر الإمام تتجه الأنظار إلي فيأتيني نوع من خفقان القلب والرعشة وضعف النفس - أي ينقطع بسرعة - وأفحم، وأعرق، وترتجف قدماي، ويلاحظ كل ذلك علي مع الرغم أن عندي الرغبة القوية جداً بذلك، ولكن لهذا السبب أبتعد بل ولا أحضر المسجد إلا بعد تكبيرة الإحرام منعاً للإحراج علماً أني مدرس ولي كلمة أسبوعية توعوية أمام الطلاب والمدرسين أثناء الطابور الصباحي.

في البداية يكون خوف بسيط، ثم أتغلب عليه وأستمر في كلمتي عادي جداً بل وأتكلم ارتجالياً بدون ورقة وأحرك يدي طبيعياً جداً ولكن المشكلة ثم المشكلة في الصلوات الجهرية فقط لا أعلم ما السبب في ذلك؟!

يختلف ذلك باختلاف المسجد صغيراً أم كبيراً كلما كبر زادت المشكلة، وكذلك بحسب المصلين ولكن خارج المسجد بدون ميكرفون أحس أن الأمر طبيعي كالبَر مثلاً. استخدمت البروزاك 7 أشهر تحسنت حالتي إلى الأحسن حيث كنت قبله لا أستطيع إمامة الناس حتى في الصلاة السرية، ولكن بعدها - بفضل من الله - صار الأمر عادياً جداً ثم تركته ورجعت لي الحالة من جديد، ولكن أقل من الأول ولكن لا أستطيع إمامتهم إلى الآن ونفسي والله تتمنى ذلك وتتوق إليه طلبا لما عند الله ثم وصف لي الطبيب عقار الاندرال واستخدمته في رمضان 1429والحمد لله خفقان القلب اختفى إلا قليلاً وتوجد جرأة قليلة للتقدم ولكن الخوف من الموقف لا زال موجوداً، وكل هذا كما أخبرتك في إمامة الناس بالصلاة فقط.

أنا إنسان اجتماعي من الدرجة الأولى، وأحب التجمعات وأتكلم ليس هناك مشكلة عندي وأجادل إلى آخره ولا أرتعش ولا خفقان، ولا شيء أمام طلابي أشرح عادي، خدمتي 13 سنة، فما الحل يا دكتور؟ جزاك الله خيراً وجمعنا جميعاً في جنات الخلد.

هل للبروزاك آثار جانبية وكذلك الأندرال؟ وكم مدة أستخدمهما حتى يختفي العرض؟ وهل هي تشفى - بإذن الله - أم أنها تخفف فقط العرض؟ وأضطر أن أستمر عليه طويلاً والبروزاك كما تعلم غالي، ويوجد عقار اسمه فولوزاك هل يوجد فرق بينهما؟

كذلك حشيشة القلب علماً أني مريض بالسكر منذ 10 سنوات وأستخدم الآنسولين وكذلك عندي كلسترول بالدم.

أرشدونا وعلمنا مما علمك الله بــه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبيد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:

من الواضح جدّاً أنك تعاني من نوع من الرهاب الظرفي، أي الرهاب الذي يكون مرتبطاً بظرف معين، وفي حالتك بالطبع هو ارتباط الخوف والرهبة بالصلاة، ومثل هذه الحالات نشاهدها كثيراً، وجزاك الله خيراً أنك أنزلت الصلاة إلى مقامها؛ لأن كل من يقوم حقيقة بالصلاة بالناس يجب أن يخشع ويجب أن يخاف على نفسه لأن هنالك مسئولية عظيمة وجسيمة في هذا الأمر.

لكن في نفس الوقت لابد أن تحاور نفسك أن الناس ما داموا قد طلبوا منك أن تصلي بهم فهم قد أحسنوا الظن بك، ولابد أن يكون لديك ما يؤهلك للقيام بذلك من الشروط المعروفة والتي يجب أن تتوفر في من يؤم الناس.

هنالك طريقة للعلاج السلوكي نسميها بـ(العلاج في الخيال)، وهذه الطريقة طريقة علمية وطريقة جادة جدّاً إذا أخذها الإنسان بجدية، والذي أريده منك هو وأنت جالس في المنزل تقف وتتخيل أنك تصلي بالناس، ويا حبذا لو قمت بصلاة بعض النوافل وتتخيل أنك في هذا الوقت أنك تؤمّ الناس في أحد الفروض، ويا حبذا لو قمت بتصوير نفسك عن طريق الفيديو، ثم بعد ذلك قمت باسترجاع الشريط ومشاهدة أدائك، وسوف تجد أن أداءك ممتاز ومقنع جدّاً، ولكن لابد من أن تربط وتزاوج ما بين خيالك والواقع، وهذا هو الضروري، فتصور أنك تصلي بالناس وكرر هذا وسوف تجد أنه مفيد لك.

يأتي بعد ذلك العلاج السلوكي الاسترخائي، وبصفة عامة فإن الرهاب أياً كان نوعه وهو نوع من القلق والقلق ضده الاسترخاء والطمأنينة، ولذا أدعوك حقيقة أن تدرب نفسك على الاسترخاء، توجد عدة أشرطة وكتيبات وأشرطة ليزرية موجودة في المكتبات - والحمد لله - مكتبات المملكة العربية السعودية عامرة بهذه الكتيبات والأشرطة التي توضح كيفية القيام بتمارين الاسترخاء. أو يمكنك الاتصال بأحد الأخصائيين النفسيين ليدلك على هذه التمارين، فهي مفيدة جدّاً.

باختصار هذه التمارين تتطلب أولاً:
أن تضع نفسك في مكان هادئ كالغرفة مثلاً وأن تهيأ نفسك تماماً، بمعنى أن تبعد نفسك عن أي مشاغل وتفكير في مشاكل وتتأمل لحظة سعيدة مرت في حياتك، ثم بعد ذلك تستلقي وتغمض عينيك بسيطاً وتفتح فمك قليلاً، ثم خذ نفساً عميقاً جدّاً وبطيئا عن طريق الأنف – وهذا هو الشهيق – واجعل صدرك يمتلئ بالهواء حتى ترتفع بطنك قليلاً، ثم أمسك الهواء في صدرك لمدة خمس ثوانٍ، ثم بعد ذلك أخرج الهواء عن طريق الفم – وهذا هو الزفير – ويجب أن يكون بقوة وبطء.

كرر هذا التمرين خمس مرات بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، فهذا التمرين بإذن الله تعالى سوف يفيدك كثيراً، وحين تصلي في المسجد بالناس فلا مانع أيضاً مع تكبيرة الإحرام بأن تأخذ نفساً عميقاً نسبياً، وهذا أيضاً وجد أنه مفيد جدّاً.

يأتي بعد ذلك التطبيقات العملية وهي ضرورية، فأولاً يجب ألا تتجنب أن تصلي بالناس، وتذكر أن الناس قد وثقوا فيك، وتذكر أن الحق عز وجل قد وهبك هذه الهدية العظيمة فلا تضيعها، وتذكر أن الكثير ممن فتح الله عليهم يقومون بالصلاة بالناس وبالخطب أمام آلاف المصلين، فتأمل أئمة الحرم الشريف، تأمل أن الملايين يستمعون إليهم والآلاف خلفهم دون أي رهبة ودون أي نوع من الشعور بالخوف أو الرعب، ولكنهم يتمتعون بالخشية، والتأمل في مثل هذه المواقف يبعث فيك الكثير من الطمأنينة.

قد قام أحد الزملاء بدراسة فوجد أن التركيز والنظر لموضع السجود يساعد كثيراً في تحسين التركيز ويقلل من الخوف، كما أنه وجد أن الشخص حين يقرأ في الصلاة الجهرية ويحاول أن يتحكم في تلاوته بالرفع والخفض وتحقيق بعض الأحرف بصورة قوية وشديدة وكذلك الحرص على المدود، وجد أن هذا يؤدي إلى استشعار داخلي ويقظة داخلية ذاتية تقلل من الخوف وتقلل من القلق وتعطي طاقات إيجابية جديدة، فأرجو أن تكون أيضاً حريصاً على ذلك.

أحد الإخوة الأطباء النفسانيين - وأحسبه من الصالحين ولا نزكي على الله أحداً - ينصح أيضاً بأن يتصور الإنسان حين يؤم الناس أنه لا يوجد أحد خلفه من المصلين، ولا أستطيع أن أجزم بهذا الأمر، ولكن قصده أن ينقل الإنسان خياله بأنه غير مراقب من قبل الآخرين، فهذا أيضاً ربما يكون أمراً قابلاً للأخذ والرد، وإن كنتُ لا أشجعه كثيراً، ولكني أيضاً لا أرفضه.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، والحمد لله توجد أدوية جيدة وممتازة، والبروزاك Prozac من الأدوية الجيدة، ولكن لا نقول إنه الأفضل، الدواء الأفضل لعلاج هذا النوع من الرهاب والخوف والقلق هو العقار الذي عرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويسمى علمياً باسم (باروكستين Paroxetine). وأيضاً عقار يعرف تجارياً باسم (لسترال Lustral) أو (زولفت Zoloft) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline).

إذن أنصحك بأن تتوقف عن تناول البروزاك، وتتناول عقار لسترال؛ لأنه أقل تكلفة من العقار الآخر وهو الزيروكسات، وسوف أحدثك عن الزيروكسات أيضاً.

ابدأ في تناول الزولفت بمعدل حبة واحدة (خمسين مليجرام) ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى خمسين مليجرام لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقف عن تناوله، هذا الدواء من الأدوية السليمة ومن الأدوية الجيدة والممتازة والفعالة ويعرف أنه فعال جدّاً في علاج الرهاب الاجتماعي.

أما العقار الآخر وهو الزيروكسات فجرعة البداية في تناوله هي نصف حبة (عشرة مليجرام)، ثم ترفع إلى حبة كاملة بعد أسبوعين، وبعد شهر ترفع إلى حبتين (أربعين مليجرام) في اليوم، ويمكن تناولها ليلاً، وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك تخفض الجرعة بمعدل نصف حبة (عشرة مليجرام) كل ثلاثة أشهر، حتى يتم التوقف عن الدواء.

يعاب على الزيروكسات أنه مكلف بعض الشيء، ولكنه عقار جيد وسليم، وهو من أكثر الأدوية التي تمت دارستها في علاج الرهاب الاجتماعي، وهذا الدواء (زيروكسات) قد يؤدي إلى زيادة في الوزن بسيطة، كما أنه قد يؤدي إلى تأخير في القذف، وحتى البروزاك يؤدي إلى ذلك، وكذلك الزولفت، ولكنها أدوية سليمة وفعّالة.

لا مانع من تناول الإندرال Inderal، وجرعته هي عشرة مليجرام صباحاً ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك اجعلها عشرة مليجرام يومياً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم يمكنك التوقف عن تناوله، ولكن لا مانع من استعماله عند اللزوم.

أما بالنسبة لحشيشة عصبة القلب أو ما يسمى بعشبة القديس يوحنا وعشبة القديس جون والذي يعرف أيضاً باسم (Hypericum perforatum)، هي حقيقة من الأدوية العشبية الطبية الجيدة جدّاً لعلاج الاكتئاب البسيط أو الاكتئاب المتوسط، ولكن لم تثبت فعاليتها حتى الآن في علاج الرهاب الاجتماعي، ولكن ذلك لا يستغرب أنه بمزيد من الدراسات ربما يتضح أنها مفيدة لعلاج القلق والرهاب الاجتماعي، لأنها تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها الأدوية التي ذكرناها، وهي منع إرجاع الامتصاص التلقائي لمركب كيميائي يعرف باسم (سيروتونين Serotonin) يوجد في مناطق معينة في المخ، ويعتقد أن اضطراب إفرازه هو الذي يؤدي إلى ظهور هذه الحالات كالقلق النفسي والاكتئاب والتوتر.

أما بالنسبة لمرض السكر وارتفاع الكلسترول - أسأل الله لك الشفاء والعافية - عليك بالطبع أخذ كل التحوطات الطبية من وسائل الوقاية وتناول الأدوية المطلوبة، وأؤكد لك أن الأدوية التي وصفتها لك لا تتعارض مطلقاً مع علاج السكر أو علاج الكلسترول، ووجود هذه الأمراض العضوية يجعلنا ندعوك لئن تكون حريصاً على ممارسة الرياضة خاصة رياضة المشي، فهي تساعد كثيراً في التحكم في السكر وتقلل أيضاً من الدهنيات في الدم، ولا شك أن الرياضة ذات فائدة ونفع إيجابي جدّاً على الصحة النفسية والبدنية للإنسان، نسأل الله لك العافية والشفاء.

لمزيد فائدة يمكنك الاطلاع على هذه الاستشارة حول العلاج السلوكي للمشكلة: ( 260852 ).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية أبو حسان

    جزاك الله خيرآ@وجعلها الله في موازين حسناتك@

  • موريتانيا عبدالله

    جزاك الله خير

  • رومانيا أبو طلحة الحكمي

    جزاك الله خيرا.
    أجدت وأفدت .

  • فلسطين أحمد نجم

    شكراً جزيلا لك
    الله يبارك فيك يا دكتور و ان شاء الله نلتقي في الجنة يا رب العالمين , قول آمين

  • لبنان Fras

    جزاك الله خير الجزاء

  • مجهول بن شرقي .الجزائر

    جزاكم الله خيرا .انالا أعتقد لزوم استعمال الأدوية الصناعية بسبب آثارها الجانبية و احتمال تعلق الشخص بها ولكن الصبر والدعاء و المواضبة على الحفظ .

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً