الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعرض عن وساوسي وأصلي دون خوف أن تكون صلاتي باطلة؟!

السؤال

السلام عليكم

منذ طفولتي، وأنا أعاني من بعض الوساوس، وكان الأمر يتعلق بالترتيب، لم أكن أحب رؤية الأشياء غير مرتبة، وكلما كبرت كانت وسوستي تكبر معي، وتنتقل من شيء لآخر، لكن مع ذلك لم يتطور الأمر إلى حد يمنعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي.

للعلم: أنا لم أكن أصلي، والشيء الوحيد الذي كنت أقوم به هو الصوم، ومن قبل سنة ونصف من الآن وضع الله عز وجل أسبابا لهدايتي، فبدأت المحافظة على الصلاة في وقتها، حتى صلاة الفجر، وغيرت الكثير من الأشياء في حياتي، وهنا بدأت مشكلة جديدة في حياتي، كلما عرفت معلومة جديدة عن الصلاة، أو الغسل إلى غير ذلك من العبادات؛ صارت سببا في وسوسة جديدة.

مرت فترة كنت سعيدة فيها بتغيري، بالرغم من تلك الوساوس، لكن الأمر كان يسوء أكثر في كل مرة.

الآن صار معظم وقتي يمر في الحمام، أستنجي في (20 دقيقة)، وأتوضأ في ربع ساعة، والأسوأ أنني أغتسل ثلاث ساعات تقريبا، بل أغتسل في بعض الأحيان بشكل يومي بسبب الاحتلام؛ للعلم: لا أستطيع التفريق بين الإفرازات والمني والمذي، مع أنني سبق وقرأت صفات كل منها -أحيانا حين أرى بعض المداعبات ليست جماعا كاملا أعتبره ليس احتلاما- لكن يمر يومي كله في خوف من أن تكون صلاتي باطلة؛ لأنني أعلم إن كانت الصلاة باطلة فلا فائدة لكل الأعمال الأخرى.

حياتي تحولت لجحيم، فلم أعد أستطع معرفة ما هو وسواس فأعرض عنه، وما هو يقين! تعبت إلى حد كبير؛ حتى أنني الآن لم أعد أفعل شيئا إلا الصلاة، وإذا فكرت في قراءة القرآن أقول: ما الفائدة إن كانت صلاتي باطلة؟ فأتركه.

أرجو أن تساعدوني، كيف أعرض عن هذه الوساوس، وأصلي دون الخوف من أن تكون باطلة؟ وما يزيد شعوري سوءا هو تعليقات أهلي التي لا تنتهي عن تأخري في الحمام، وهذا الأمر يجرحني كثيرا، لكن أعلم أنهم محقون، فهم لا يعلمون ما أعانيه.

أفيدوني للخلاص من تكرار كل آية لعدة مرات، والاغتسال في وقت معقول، والعلاج من هذه الوساوس.

أعلم أن علاج الوساوس؛ هوالإعراض عنها، لكني لا أستطيع.

أعتذرعن الإطالة، وأرجو أن تجيبوني في أقرب وقت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أنيسة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلمي -وفقك الله- أن علاج الوسواس يحتاج إلى قوة إرادة، وتصميم على رفضه، والإعراض عنه، وعدم الاستسلام له مهما كان ذلك شاقا عليك في البداية، إلا أنه بالتدرج يسهل عليك ذلك، مع قوة الاعتصام بالله، واللجوء اليه، وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه برفعه عنك، والمحافظة على الأذكار في الصباح والمساء، وكثرة الاستماع الى القرآن، وقراءته بنية الشفاء.

إن أغلب الوسواس من فعل الشيطان، والشيطان إنما يتسلط على ضعيف الإيمان، فحاولي تقوية إيمانك بكثرة الطاعات، والقرب من الله سبحانه، ووضع برنامج إيماني يومي لك تنفذيه في المنزل، أو مع غيرك من الأخوات، والابتعاد عن المعاصي والمنكرات، والتوبة الصادقة مما مضى من ذنوب وسيئات، قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ عِبادي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوينَ﴾ [الحجر: 42].

كما يدفع الوسواس بعدم تصديقه، ومخاطبة النفس بعكسه حتى تقتنع، قال ابن تيمية -رحمه الله- في درء التعارض (3 / 318): (وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة، وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك: بلى، قد غسلت وجهي، وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبّر، يقول بقلبه: بلى، قد نويت وكبّرت. فيثبت على الحق، ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته، وثباته على الحق، فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات، مستجيبا إلى الوساوس والخطرات؛ أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه، وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره، إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة). اهـ.

ثم اعلمي أن الغسل إنما يكون من حيض، أو نفاس، أو خروج المني بشهوة، وباقي الإفرازات ففيها الوضوء فقط.

وعليك أن تبتعدي عن كل ما يثير شهوتك، ويسبب لك هذه الوساوس.

كما ننصحك بمراجعة طبيب نفسي ثقة؛ لأن الوسواس يعالج بوصايا ومتابعات طبية من المختص، وتحصينات شرعية، وإقبال على الله من المريض.

وثقي أن الفرج قريب، ولا تيأسي، ولا تقنطي من حالتك، بل اصبري واحتسبي الأجر في ذلك، وخذي بأسباب الشفاء، ولا تستسلمي لما يقال عنك.

وعلى الجميع ممن حولك من أهلك أن يقفوا معك، ويساعدوك في تجاوز هذه الحالة، ويشجعوك على العلاج دون إحباط، أواستهزاء.

وعليك أن تشغلي نفسك، ولا تتركيها فارغة لتسلط الخواطرعليها؛ فالفراغ سبب من أسباب الوسواس.

وحاولي اللحاق برفقة صالحة من الأخوات، أو بمركز تحفيظ، واقضي وقتك فيه، وتدربي على التفكير الإيجابي، وترك التفكير السلبي، وإن شاء الله تتحسن حالتك قريبا.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك من كل داء يؤذيك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً