الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من قلق ووسواس قهري في الطهارة وغيرها، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا بنت بعمر 23 سنة، والحمد لله متعلمة، وأعمل في مجال المحاسبة.

أشكر من يأخذ هذه الرسالة بعين الاعتبار، وأسأل الله أن يفرج همه، وأسأله أن يساعدني، أنا أتكلم عن مشكلتي لعلي أعرف عن طريقكم السبب والعلاج.

منذ صغري -بفضل الله وهدايته- أصلي وأصوم، وأحب التقرب إلى الله، ومررت ببعض مشاكل شخصية منذ سنة ونصف، وعانيت من هذه المشاكل ببعض الحزن والقلق رغم أني لم أكن أعاني من القلق من قبل.

مع هذه المشاكل في نفس الوقت كنت أنتقل من مرحلة إلى مرحلة جديدة في حياتي، حيث تغير نمط حياتي كثيراً.

بدأت أعاني من الوسوسة القهرية في البداية بالطهارات، وبعدها بدأت في العقيدة، وبدأ الحزن يكبر في قلبي، حيث أن هذه الأمور التي تحصل لي لا تشبهني أبداً.

علماً أني كنت أعاني من عدم الوعي على ما أعيشه من واقع، أي أنه أحياناً كنت أسأل نفسي في أي وقت أنا أعيش؟ وهو شعور غريب جداً، وهو البعد عن الواقع، ومن هنا استنتجت أنه توجد مشكلة، لكن ما هو؟ وما الحل؟ الله أعلم.

مع الوقت بدأت أحاول علاج نفسي، وأن أهدئها مثل الطفل الصغير، وأن هذه المشكلة ستحل، ولن يتركني الله عز وجل.

بعد ذلك والحمد لله، الوسواس القهري أصبح أقل من ذي قبل بنسبة جيدة.

صرت بعدها أعاني في أوقات الصلاة أني آخذ وقتاً لأذكر نفسي في كل مرة بأمور الدين ليكون عندي حضور قلب في الصلاة في أغلب الأحيان، وأشعر بتلبك، مما يزيد في الأمر صعوبة، وهذا ما يتعبني ويحزنني، لأنه لم تكن العبادة تتعبني من قبل، وكنت أشعر بالارتياح عندما أصلي، وكانت الوسيلة الوحيدة التي تؤنسني قبل هذه المشاكل.

أطلت لأجل أن يكون عندكم علم بكل التفصيل، ويسهل عليكم التشخيص.

كما أني لا زلت أعاني من بعض الضياع والأفكار السلبية حول نفسي، وكأنه يوجد أحد دائماً ما يحاول تضعيف شخصيتي لكن أحاربها.

لا أعرف إلى متى أستطيع محاربة هذه الأفكار، والمشاكل على مدار الساعة، وفي كل وقت صلاة، وهذا أمر يزيد في تعب نفسي يوماً بعد يوم، فهل ما يحصل معي هو مرض نفسي؟ وهل ممكن ان يكون ربي غير راض عني بسببها؟

أخاف أن يؤثر هذا على حياتي في المستقبل، وعلى علاقتي مع ربي، وأخاف أن يؤثر على زواجي في المستقبل وتربية أولادي، فهل أستطيع العودة كما كنت؟

أرجو منك مساعدتي بالحل الأنسب، ومع كل احترامي لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريحانة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأقول لك: جزاك الله خيرًا باسم العاملين بالشبكة، وأؤكد لك أن رسالتك قد وجدتْ كل الاهتمام، وقد اطلعتُ عليها بتفاصيلها.

أنتِ لديك سمات الوسواس القهري الفكري، وشخصيتك من الواضح أنها تربة خصبة لظهور هذه الوساوس، حيث إن الشخصية الحسَّاسة اللطيفة ذات المُثل العُليا ويقظة الضمير تكونُ عُرضة لعلَّة الوسواس، والوسواس يزيد وينقص مثل كلّ شيءٍ.

الحمدُ لله تعالى، أستطيع أن أقول إنك بدرجة كبيرة تخلَّصت من هذه الوساوس، لكن بقي آثارها القلقية، لأن الوسواس أحد مكوناته الرئيسية هو القلق، والقلق قطعًا يؤدي إلى شرود الذهن وضعف التركيز.

كذلك أن يفقد الإنسان الرغبة في الأشياء، وأن يُراقب نفسه ويكون متوجِّسًا حول ما يريد أن يقوم به ممَّا يؤدي إلى المزيد من إضعاف التركيز، وهذا هو الذي أضعف من حضور قلبك في الصلاة، وأدى إلى كلّ ما تشتكين منه.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت الحمدُ لله في مرحلة علاجية ممتازة، لأن الوساوس أصبحت من حيث مكوناتها أقلَّ في حِدَّتها، والوسواس يجب أن يُحقَّر، ويجب أن يُقهر، ويجب أن تبتعدي تمامًا عن حواره أو مناقشته أو تحليله، أو إخضاعه للمنطق، لأنه ليس فيه أي نوع من المنطق، أفكارًا شرِّرة خبيثة تتسلَّط على الإنسان، يُدركُ الإنسان أنها غير منطقية لكن يجدُ صعوبة كبيرة في التخلُّص منها، وأحد وسائل التخلُّص منها هو التحقير وعدم الخوض في النقاش وعدم الاسترسال فيها، والانتهاء عنها، والتعوذ بالله منها، والوساوس الدينية كثيرة جدًّا.

بالنسبة لموضوع التركيز حقيقة هذا يتحسَّن من خلال النوم الليلي المبكر، وممارسة التمارين الاسترخائية، وممارسة الرياضة، والتوازن الغذائي، والتفاؤل، وحُسن التوقُّع دائمًا اجعليه شِعارك، والحمدُ لله تعالى أنت حريصة على أمور دينك، فأسأل الله تعالى أن يزيدك في ذلك، وأن يثبِّتك على ذلك، وأن تقولي: (رب زدني ولا تنقصني، وأعطني ولا تحرمني، وأكرمني ولا تُهنّي، وآثرني ولا تؤثر عليَّ، وارض عني وأرضني).

أمر الخشوع في الصلاة وعدم حضور القلب والوسوسة: هذا أمرٌ شائع، والإنسان يُحاول قدر جهده أن يكون خاشعًا، وذلك بالدخول في الصلاة بنيةٍ عاليةٍ ويقينٍ تامّ أن هذا هو وقت الصلاة، وهو أفضل الأوقات في حياتي، يقول الإنسان لنفسه هذا: (أنا أقفُ أمام ربي).

حاتم الأصمِّ أحد التابعين يقول فيما معناه: (كنتُ بعد أن أسبغ وضوئي وأقف في مصلَّاي وأكبِّرُ تكبيرة الإحرام أتصوَّر وأتخيَّلُ أن أمامي عرش ربي، وخلفي ملَكُ الموت، وعلى يميني الجنّة، وعلى شمالي النَّار)، كيف قد أحاط نفسه بهذه الهالات العظيمة حتى لا يفرط تفكيره ويخرج من مُحيط الصلاة والخشوع.

التدبُّر في القرآن وفيما يتلوه الإنسان من تلاوات ومن تسبيح وتحميد ودعاء، أيضًا يُحسِّنُ كثيرًا من الخشوع.

إعمال الفكر، بمعنى أن تقرئي وتتطلعي وترفعي من مستواك الإدراكي والمعرفي، وأن تجعلي لحياتك معنىً، وأن تكون دائمًا توقُّعاتك إيجابية ومتفائلة، وأنصحك حقيقة أيضًا بأن تُحسِّني من تواصلك الاجتماعي.

بالنسبة للعلاج الدوائي أراه مهمًّا جدًّا بالنسبة لك، عقار (بروزاك) سيفيدك، وهو دواء سليم جدًّا، وإن أردتِّ أن تقابلي طبيبًا نفسيًا هذا أيضًا سوف يُساعدك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
+++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
+++++++++++++++

مرحبًا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.

نشكر لك اهتمامك بدينك وإحسان صلاتك، وهذه علامة خير إن شاء الله تعالى، وسبب لتوفيقك وسعادتك، وينبغي أن تعلمي – أيتها البنت الكريمة – أن الصلاة من أعظم أسباب انشراح الصدر وراحة البال، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (أرحنا بها يا بلال)، وقال: (وجُعلتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة)، فالصلاة سببٌ أكيد لجلب طمأنينة النفس، ولكن الشيطان يحاول أن يثقلها عليك ليحرمك هذا الخير.

اهتمامك بالخشوع في الصلاة أمرٌ في محلِّه، لأن الخشوع في الصلاة هو لُبُّها ورُوحها، وانتفاع الإنسان بصلاته بقدر خشوعه فيها، وكذلك أجرُه عند الله تعالى بقدر حضور قلبه في صلاته، والخشوع في الصلاة يعني: أن يستحضر الإنسان أنه في صلاة، وأن يكون حاضر القلب فيما يفعله ويقوله في صلاته، وهذا أمرٌ سهل، بأن تتفكّري في معاني الكلمات التي تقولينها أثناء الصلاة، فإذا قرأت القرآن حاولي أن تتدبري معاني هذه الكلمات التي تقرئينها، وممَّا يُعينك على ذلك أن تقرئي التفاسير المختصرة لقصار السور التي تقرأينها عادةً في الصلاة، فاقرئي تفسير السور القصيرة من جزء عمَّ، من تفسير العلَّامة السعدي – رحمه الله تعالى – المسمَّى (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان) وهو موجود على الشبكة العنكبوتية على الإنترنت، أو غيره من التفاسير المختصرة، وتدبَّري أثناء الصلاة معاني الكلمات القرآنية التي تقرئينها، وفي الركوع وفي السجود تأمَّلي معاني الكلمات التي تقولينها من التسبيح أو كلمات الدعاء.

إذا جاهدتِّ نفسك على هذا فإنك تكونين قد فعلت ما هو مطلوب منك من الخشوع والحضور في الصلاة، وهذا أمرٌ سهل.

ينبغي أن تعلمي – أيتها الكريمة – أن أكثر أهل العلم لا يشترطون لصحة الصلاة الخشوع فيها، وهذا يُخفِّف عنك ما قد يحاول الشيطان أن يُلقيه في قلبك من الهم والغم بسبب عدم الخشوع، فأنت جاهدي نفسك على إحضار قلبك في الصلاة، ولكن إذا غلبتك الوساوس أو انصراف القلب فهذا لا يضرّ صلاتك، فصلاتك صحيحة مُجزئة بإذن الله تعالى.

نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، وأن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • لبنان ريان112

    السلام عليكم ايها الكرام
    حقا انا ممنونه لاهتمامكم من قلبي و ايضا فرحت لانكم اخذتم رسالتي بعين الاعتبار ..
    و انا اهنئكم على العمل بخدمة الناس و المؤمنين و اسأل الله ان يرزقني ان اساعد الناس في ما اقدر كما رزقكم هذه النعمه بحق محمد و آل محمد ..و أسألكم الدعاء

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً