الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طغت عليّ مشاعر الحزن والكآبة واللامبالاة بعد فسخ خطبتي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة، وبعد:

أولا: أود أن أشكركم على جهودكم الطيبة في نفع الآخرين، والعطاء المستمر في حلول مختلف المشاكل التي نمر بها.

أنا فتاة عمري 26 عاما، لقد أنهيت دراستي الجامعية كالعديد من الطلاب الآخرين، وبدأت البحث عن عمل، ولكن لم يحالفني الحظ بإيجاد العمل المناسب، من ثم تمت خطبتي وكتب الكتاب، ولكن شاء الله أن لا تتم هذه الخطبة والحمد لله على كل شيء، ودائما أقول في نفسي لربما أنا لم أكن جاهزة كفاية وكما يجب لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة، نعم .. لقد ترك عندي أثرا كبيرا من الحزن والضيق والكابة إلا أنني حاولت أن أستمد قوتي بأن كل ما يحدث لنا هو خير لنا، مع أنني كنت على أمل أن يصطلح الوضع وتعود المياه إلى مجاريها، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن!

بعد فسخي للخطوبة كنت توجهت إلى العمل للهروب من التفكير والمشاعر السلبية التي تكونت في داخلي والخروج من كآبتي، كنت قد عملت كمدرسة لمدة عامين وخلالهما كانت أول تجربة لي بالانخراط في بيئة عمل كبيرة، نظرا لأنني كنت فتاة ليس لدي تلك الدوائر الاجتماعية الكبيرة سوى صديقتين أو ثلاثة من الجامعة، وخلال هذين العامين كنت أتألم في داخلي عندما أسمع من الآخرين كلام يتعلق بهذا الموضوع (خطبتي)، سواء كان بشكل مباشر أم لا، ونظرا لكل من هذه التأثيرات الخارجية المحيطة بدأت بالتأثر والتغير بشكل تدريجي إلى إنسانة لم أكن أريد أن أكون هي، ولطالما هربت منها!

لقد كنت مرحة محبة للحياة متفائلة، محبة لمعرفة المزيد، مجدة، مثابرة، أعمل بجد، وأسعى إلى أن يكون كل ما أقوم به على أحسن وجه، موضوعية.

بمعنى آخر كنت أحكم عقلي بكل شيء، وأعلم ما أريد، وكيف أصل إليه، وما عليّ فعله لكي أصل إليه، ولا أهتم لآراء الآخرين ما دام رضا ربي أمام عيني، والآن أصبحت كسولة مسوفة للأمور، ولم أعد أهتم لأي شيء سواء كان على أكمل وجه أم لا، لا مبالية، وإما أن أكون بليدة لا أشعر بمن حولي أو حساسة بشكل مبالغ فيه.

طغت مشاعر الحزن عليّ وعلى تفكيري، فلقد قلّ تركيزي وأصبحت أشعر بضباب حول دماغي ما يشتت علي تفكيري، لدرجة أنني لم أضع كل ما لدي من جهد للحفاظ على وظيفتي! لا أعلم ما الذي يحدث لي، فقد فقدت ثقتي بنفسي وقدراتي ويأست من إصلاح نفسي، وأصبحت أشعر بأنني قد كبرت مئة عام، لدرجة أنهم لا يصدقوا عندما أقول لهم عمري، لقد أخذت زولفت لمدة ثلاثة أشهر لمساعدة نفسي للخروج من هذه الحالة، مارست الرياضة، ولكن لم أشعر بتحسن، والمصيبة الأعظم أنني بدأت أشعر بأن إيماني قد قل، وابتعدت عن ربي كثيرا، وكسل في العبادات.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ lolo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أختنا الكريمة وردا على استشارتك أقول:

لست الوحيدة ممن خطبت وتم فسخ خطوبتها بل هنالك الكثير من بنات جنسك حصل لهن ذلك ومع هذا لم يحدث لهن ما حدث لك والسبب في هذا إيمانهن بالقضاء والقدر وعدم المبالاة بما تلوكه ألسنة الناس.

الرضا بالقضاء والقدر جزء من الإيمان والله تعالى يجازي من رضي بالرضا ومن تسخط بالسخط ففي الحديث: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره وتستلمي له ولا يلزم من التسخط التلفظ بل قد يكون التسخط قلبيا أو عمليا.

يجب أن تعود ثقتك بنفسك وأن تبدعي في الأعمال المناطة بك وتلجئي إلى من بيده مقاليد الأمور إلى الرؤوف الرحيم الذي قال: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ) وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖفَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

إنني أحس بما تعانينه سواء من جراء فسخ الخطوبة أو من كلام الناس، وهذا كله ابتلاء من الله لك ليعلم ثباتك من عدمه وما يدريك لعل وراء ذلك منحة ربانية تنتظرك قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖوَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗوَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

التكاسل عن أداء الطاعات والوقوع في بعض المعاصي ستزيد حالتك تفاقما يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) والقرب من الله سيكون سببا في تفريج همومك كلها.

الهروب من مواجهة المجتمع ليس حلا، والوحدة والانعزال ستجعلك لقمة سائغة للشيطان الرجيم ووساوسه.

أوصيك بكثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

اخرجي من عزلتك وتواصلي مع صديقاتك ومارسي حياتك بشكل اعتيادي وعليك أن تقرئي في سير العلماء والعظماء وتعرفي على ما مروا به من ابتلاء وكيف صبروا وخرجوا من تلك المحن منتصرين.

انظري لمن حولك من المبتلين فذلك أجدر أن تحمدي الله تعالى على ما من به عليك من النعم الجليلة فأنت لا زلت شابة وغيرك ربما بلغت الأربعين ولم تتزوج بعد ومع هذا تجدينهن صابرات محتسبات.

لعل في فسخ الخطوبة خير لك كون هذا الشخص غير مناسب لك وليس من نصيبك، وعليك أن توقني أن رزقك سيأتيك في الوقت والشخص الذي قدر الله أن يكون زوجا لك.

أمعني النظر في حديث ابن عباس رضي الله عنه حين قال له عليه الصلاة والسلام: (واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن، ليُخطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً ).

لا تيأسي من روح الله وكوني متفائلة فالتفاؤل يفتح لك الآفاق ويشرح صدرك ويريح نفسك.
أكثري من الاستعاذة بالله من الهم والحزن كما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فلقد كان من جملة أذكار الصباح والمساء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل).

المؤمن مبتلى والحياة كلها ابتلاء كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖوَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وحين سأل سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).

أوصيك أن توثقي صلتك بالله تعالى وتجتهدي في تقوية إيمانك من خلال برنامج عملي منظم لعمل الطاعات وخاصة الصوم وتلاوة القرآن الكريم فالحياة السعيدة الطيبة لا تستجلب إلا بالإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

لا بد أن تقومي بعمل تغيير كبير في حياتك إن أردت أن يغير الله حالك إلى الأفضل يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).

بحسب مجاهدة نفسك للخروج من هذا المأزق الخطر ستكون هداية الله لك كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚوَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

لا تدفني ما أودع الله فيك من الصفات الإيجابية بسبب حادث عارض ولكن استنهضي كل ما لديك من صفات وقدرات وانطلقي في حياتك وأنا على يقين أنك ستجدين الطريق الصحيح واحذري من التردد والتباطؤ.

الرسائل السلبية مضرة والعقل يتفاعل معها وينتج عن ذلك التفاعل عمل الجوارح فقولك يئست من إصلاح نفسي رسالة سيئة، فعليك أن تبدليها برسالة إيجابية، فقولي أنا قادرة على إصلاح نفسي وعلى الخروج من هذه الأزمة وقادرة على مواجهة الناس وعدم الالتفات لكلامهم وما شاكل ذلك.

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً