الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي بخيلة عاطفيا فكيف أتصرف معها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

متزوج منذ ست سنوات، ولدي ثلاث بنات، وأعاني من المشكلات مع زوجتي، يراها البعض بأنها عادية وسطحية، ولكنها بالنسبة لي كبيرة جداً وعميقة، بسببها فقدت السعادة، وأصبحت أتمنى مرور اليوم دون مشاكل.

زوجتي إنسانة مغمورة بالتفاهات والسطحية، لا تعي مجريات الحياة، ولا تعطي الحياة الزوجية حقها العاطفي، أعني مشاعر الحب -الإشباع العاطفي-، وكلما كلمتها بهذا الموضوع ترد بتفاهة منقطعة النظير وتقول: (يعني لازم أقول أحبك وأنت تدري)، أعاني من اليأس والإحباط في قضية تبادل مشاعر الحب والغزل، وقررت إكمال حياتي معها دون التطرق لهذا الموضوع نهائيا، فأنا لا أقبل أن أطلب من أحد عواطفه.

لدي مشكلة قصمت ظهري وكرهت نفسي وحياتي بسببها، ففي كل مشكلة سخيفة وبسيطة تكون بيننا تصنع زوجتي حلقة من الأفكار السلبية، وتضعني بمنتصفها، تشعُرني بالإحباط والضعف، وأن الرجال جميعهم أفضل مني.

سيدي الفاضل: من سمات شخصيتي أنني أهرب من الناس المحبطة، والذين لا يحملون طاقة إيجابية نحو كل شيء، سواء بالعمل أو مع الأصحاب والإخوة، فأنا أتجنب الحديث معهم، وصارحت زوجتي بأن ما تفعله يجعلني محبطا وأكره الحياة، ويجعلني إنسان فاشل بكل ما تعنيه الكلمة.

زوجتي تحُط من قدري اجتماعياً وقيميا ودينياً عند حدوث المشكلات بيننا، وتعيرني بقلة المال، رغم أنني لا أدخر شيئا لنفسي إطلاقاً، تعبت من الحياة، وفي بعض الأحيان أفكر بالانفصال عنها، ولكنني أفكر بمصير صغيراتي، فهن كالقيد الذي يربطني بهذه الحياة التعيسة، فماذا أفعل؟ لو كُنت أعيش من العمر آخره لقبلت بهذه الحياة، ولكنني شاب ومقبل على الحياة.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك، وردا على استشارتك أقول: اختلاف الطبائع بين الناس أمر فطري نظر لاختلاف الثقافات من شخص لآخر، بسبب البيئة التي عاش فيها كل فرد، فلا بد أن تتأقلم مع هذا الأمر.

لعل الثقافة التي نشأت عليها زوجتك ليست كالثقافة التي تربيت عليها، ولعل البيئة التي عاشت فيها غير بيئتك، وهنالك من الأفكار السلبية التي تتربى عليها البنات، أن الأم لم تكن تعير زوجها أي اهتمام في الجانب العاطفي، وإن كانت في الجوانب الأخرى في غاية من العناية والاهتمام.

بعض الأمهات تربي بناتها على أن الزوج إذا أظهرت الزوجة حبها له مقتها واستأسد عليها، وهذا قد ينفع في نوع من الرجال وليس كل الرجال، فلعل زوجتك من هذا النوع.

لعل زوجتك قد اكتشفت نقطة ضعفك هذه، فصارت تضغط عليك من خلالها، والذي أنصحك به ألا تعر هذا الموضوع إي اهتمام، وإن كان ذلك سيتطلب منك أن تضغط على نفسك، لكن بالمقابل عليك أن تكتشف نقاط ضعفها فتضيق عليها من خلال تلك النقاط، وتعالجها من خلالها، وتجعلها تعتدل بنفسها دون أن تطلب أنت منها ذلك.

من طبيعة المرأة التعيير وعدم الاعتراف بالنعمة وشكرها، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط)، فلا تعر كلامها أي اهتمام، لأنها تعرف في قرارة نفسها أنها غير صادقة ولا محقة في هذا الاتهام.

احذر من الطلاق، فإنه ليس بحل، ولن تنحل مشكلتك، به بل ستتفاقم، والضحية الكبرى ستكون بناتك.

بعض النساء تكون كلمة (أحبك) ثقيلة جدا على لسانها، ولو كلفتها بنقل جبل لكان عندها أهون، فتحتاج المرأة في هذه الحال إلى المشاركة في بعض الدورات الأسرية التأهيلية، أو القراءة في الكتب التي تعنى في هذا الجانب المهم في الحياة.

زوجتك تحبك، وأنا لا أشك في ذلك، لكن المشكلة عندها أنها لا تستطيع أن تعبر عن ذلك بالكلمات العاطفية، لكنها تعبر عنه بأفعالها من خلال العناية بك في الجوانب الأخرى.

لا يمكن أن تكمل الصفات الطيبة عند المرأة، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه كمل من الرجال الكثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، فالمرأة إن حاولت تعديل عوجها كسرته وكسره الطلاق، وإن استمعت بها استمعت بها مع بقاء العوج.

تقوية إيمانها بالله من خلال الإكثار من العمل الصالح في غاية الأهمية، فقوة الإيمان يورث الخوف من الله تعالى، ويجعل المرأة تنقاد لطاعة زوجها امتثالا لأمر الله ورسوله.

ذكرها بالله وبما أمر به المرأة من طاعة لزوجها، وحسن العشرة على لسان رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

قدم لها هدية رمزية تعبر بها عن حبك وتقديرك لها، فإن للهدية أثر كبير على القلب، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (تهادوا تحابوا).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل الله تعالى أن يهدي زوجتك، وأن يلهمها الرشد، ويلين قلبها، ويفجر ينابع الحب في قلبها، وأكثر من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

عليك أن تأنس بالقرب من الله، وترغب في حبه بدلا من حب غيره، ولقد قال بعض أهل العلم: (من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد).

كما أن الله جعل المال قياما الناس في أمورهم الدنيوية، فقال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}، فإن الله قد جعل بيته الحرام قياما للناس في أمورهم الدنيوية والأخروية، فقال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}، فأنصحك أن تشد الرحل إلى بيت الله الحرام لتؤدي العمرة، وتتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتسأله أن يهدي زوجتك ويصلحها ويلين قلبها لتشبع عواطفك، وعليك أن تكون مخلصا في ذلك كله.

من أعظم أسباب تفريج الهموم لزوم الاستغفار، وكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث الصحيح: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

وإن كانت لا تبادلك العبارات العاطفية فجرب الثناء عليها ومدحها على ما تقوم به، سواء في طهي طعامك، أو تجهيز ملابسك، أو نظافة بيتك، أو حسن تربية بناتك، ولاحظ هل سيغير ذلك من سلوكياتها وسيجعلها تبادلك ولو بعض العبارات.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يقر عينيك بالعيش مع زوجتك وبناتك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً