الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتكبت ذنبا شديدا فكيف أكفر عن ذنبي، وهل سيغفر الله لي؟

السؤال

السلام عليكم.

اليوم ارتكبت ذنبا شديدا، في طريقي إلى المنزل مررت برجل كبير في السن يتحدث مع رجل آخر (كهل)، فأنا كنت مع رفاقي وسخرت من طريقة كلام الكهل دون كلام بذيء أو منافي للأخلاق، بل ذكرت مقطعا من مسرحية مشابهة لكلام الكهل ولكنه لم يسمعني، ولكن الرجل المسن سمعني وظن أنني أتحدث عنه غضب وقال لي هداك الله ولم أجبه، فلم أعد أستطع تحمل هذا الذنب، فكيف أكفر عن ذنبي؟ هل سيغفر لي الله؟

مع العلم أنه رجل قابلته صدفة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سفيان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
إن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفا فقال سبحانه: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)، ومن ضعف الإنسان أن يقع في الذنوب، فمن رحمة الله تعالى بعباده فتح لهم باب التوبة ولا يغلق ذلك الباب عن أحد إلا إذا بلغت روحه الحلقوم أو طلعت الشمس من مغربها، يقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ) ويقول: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه).

من جملة ما حرم الله تعالى على عباده السخرية بالناس فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)، قال الطبري رحمه الله: (إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض بجميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك) ولما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا - يعني قصيرة- فقال:(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) قالت: وحكيت له إنساناً فقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا).

مهما كانت ذنوب العبد فإن الله تعالى يغفرها إن تاب العبد توبة نصوحا يقول سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وفي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: (يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك به شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة).

عليك أن تتوب إلى الله من هذا الذنب ومن كل ذنب توبة نصوحا، ومن شروطها الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فعلت، والعزوف على ألا تعود مرة أخرى.

إن رأيت ذلك الرجل الذي احتقرت كلامه فعليك أن تذهب إليه وتعتذر منه، وتطلب منه التحلل، وتقبل جبينه تطييبا لخاطره، إن لم تجد ذلك الرجل فأكثر له من الدعاء في سجودك وخلواتك.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، واستغل أوقات الإجابة وسل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك ويستر عيبك، وأن يغفر لذلك الشخص ويرفع درجاته في الجنة.

أكثر من العمل الصالح وخاصة تلاوة القرآن الكريم، ونوافل الصلاة والصوم، والصدقة فإن الحسنات يذهبن السيئات يقول تعالى: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) وفي الحديث: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وغفران الذنوب، يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يتوب علينا أجمعين، وأن يرزقنا التوبة والاستقامة إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات