الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من رهاب وقلق بسبب أخي.

السؤال

السلام عليكم..

قبل سنة ونصف قام أخي غير الشقيق بإيذائي بكلام جارح وصادم وبشكل مفاجئ وغير متوقع، وكان معه تهديد، فدخلت في صدمة، وأصبحت غير مستوعب، فدخلت في نوبة قلق وخفقان، ورغبة شديدة بالبكاء، وغضب، وحرارة في البطن، استمرت معي لفترة.

الآن لدي خفقان بين الحين والآخر، وعدم قدرة على مواجهة الآخرين، وسرعة في التهيج، ورهبة وقلقا اجتماعيا، ولا أستطيع الخروج أمام الناس، وكأن الآخرين يراقبونني ويترصدونني، ولا يرغبون الخير لي.

ويأتيني إحساس ضغط في الرأس، خاصة من الخلف، وكذلك بروز العروق في الرأس، إذا تحدثت مع أي شخص أو إذا نظر إلي شخص فقط مجرد نظر.

بدأت أقرأ الكتب، وأدركت حالتي نوعا ما، وهناك تحسن، ولكن ما زلت متقلبا، لكني لم أستخدم أدوية، ولم أستشر طبيبا حتى الآن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:

حصول كلام صادم وجارح غير متوقع من شخص محبوب ومقرب للإنسان يحدث عنده مثل ردة الفعل هذه خاصة إن كان من غير مقدمات، والذي ينبغي أن تتناسي هذه الحادثة طالما أنها لم تتكرر معك، وأن تعفو عن أخيك هذا وتسامحه، فلعل ما صدر منه كان ناتجا عن حرصه عليك، ومحبته لك، وذلك كافٍ أن يكون شافعا له عندك.

الذي يظهر لي أنك صرت مبتعدا عن أخيك، وفي نظري أن من علاج حالتك القرب من أخيك بحيث تتعامل معه كما يتعامل الأخ المحب لأخيه، فهو سند لك بعد الله، خاصة إن غاب والدك وتعاملك معه بشكل اعتيادي ولو بالتدريج سينسيك ما حصل، وسيزيل آثاره بشكل تدريجي، وكلما كانت استجابتك للتعاطي معه والاندماج كانت التعافي أسرع بإذن الله تعالى.

تعامل مع الناس بشكل اعتيادي، ولا تلتفت لأي تغير يحدث؛ لأن التركيز يزيد من حالتك.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

الاستغفار من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ومغفرة الذنوب، وجلب القوة الحسية والمعنوية للأبدان، قال الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ).

من فوائد الاستغفار ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الاستغفار أكبر الحسنات وبابه واسع فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو رزقه أو تقلب قلبه فعليه بالاستغفار).

الحياة كلها ابتلاء، والمؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن)، فاصبر وسيأتيك الفرج بعد الكرب.

مارس حياتك بشكل اعتيادي داخل المنزل، واقترب من والديك أكثر، واخدمهما، ونل رضاهما، واطلب دعاءهما؛ فدعوتهما مستجابة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعواتٍ يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده).

حافظ على أداء الصلاة في أوقاتها، وأكثر من نوافلها، فهي من أسباب دفع الأذى، قال ابن القيم رحمه الله: (الصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مفرحة للنفس مذهبة للكسل).

أكثر من الصدقة، ولا تحقر قليلها، فللصدقة فوائد عظيمة كما قال ابن القيم رحمه الله:
(تقي مصارع السوء، تدفع البلاء، تطفئ الخطيئة، تحفظ المال، تجلب الرزق، تفرح القلب، توجب الثقة بالله وحسن الظن به، ترغم الشيطان، تزكي النفس وتنميها، تحبب العبد إلى الله وإلى خلقه، تستر له كل عيب، تزيد في العمر، تستجلب أدعية الناس، تدفع عن صاحبها عذاب القبر، تكون عليه ظلا يوم القيامة، تشفع له عند الله، تهون عليه شدائد الدنيا والآخرة).

اجعل لنفسك وردا يوميا من القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، وستجد راحة وطمأنينة متناهية؛ لأن صوت القرآن يسكن النفوس ويطمئنها ويوقرها، يقول ربنا جل شأنه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة والثلث الأخير من الليل، وفي حال قيامك من النوم وسط الليل، وسل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجد.

اجتهد في أن يتوفر فيك أسباب استجابة الدعاء، وتنتفي الموانع، فإن حصل ذلك فأيقن أن الله سيستجيب لك كما وعد سبحانه، فهو لا يخلف الميعاد، يقول عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

أكثر من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

ارق نفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية المأثورة؛ فذلك نافع مما نزل ومما لم ينزل.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجد، وأن يؤلف بين قلبك وقلبك أخيك، ويسعدك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً