الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما قرأت عن مرض شعرت بأعراضه، كيف أخرج من هذه المشكلة؟

السؤال

السلام عليكم، ترددت كثيرا في إرسال مشكلتي، ولكن شجعني سعة صدركم، جزيتم الجنة.

أنا فتاة بعمر 23 سنة، قلقة جدا وحساسة بطبعي، بدأت مشكلتي منذ حوالي 3 أشهر، عندما انفصل والدي ووالدتي، في نفس التوقيت أصبت ببرد شديد، وبعدها أصبحت أشعر بآلام شديدة، ووخزات في أعلى صدري، وآلام في ظهري.

وبدأت معاناتي عندما بحثت في النت، وعلمت أن آلام الصدر مرتبطة بالقلب، فخفت كثيرا، وبدأت أتوهم كل الأعراض التي قرأتها، فبدأت ضربات قلبي تتسارع كثيرا، وكنت أشعر برفرفة في صدري، وضربات ساقطة.

عندما ذهبت إلى طبيب العائلة قال: إن قلبي وصدري سليم -والحمد لله-، و لا داع لإجراء رسم قلب وإيكو، ارتحت كثيرا بعد كلامه، وطوال أسبوع لم أشعر بشيء، وكانت دقات قلبي طبيعية جدا.

لكن نظرا للظروف المحيطة بي رجعت أتوهم الأعراض من جديد، ودخلت في دوامة، فكنت أضع يدي دائما على قلبي وأراقبه، ورجعت أشعر بالخفقان من جديد، كنت أصحو من النوم فزعة وأبكي، توقفت عن رؤية أي أحد، وتوقفت عن دروس حفظ القرآن ودروس الذكر، وحتى قيام الليل، حتى خطيبي لم أعد أتحدث معه، فقدت شهيتي، ولم أعد آكل شيئا -ربما طوال اليوم-.

حتى سمعت ذات مرة عن مرض سرطان الثدي في التلفاز -عافانا الله-، وبدأت أتوهم وأتفحص جسدي باستمرار، وأصرخ وأبكي بلا سبب، وظللت أياما كثيرة أتوهم أنني مصابة بالسرطان.

دائما كنت مؤمنة، وأعلم أن الموت حق، والمرض ابتلاء، لا أريد أن يغضب الله مني بسوء ظني هذا، فأنا أحبه كثيرا، ولكن لا أعلم ماذا يحدث لي؟ ولم أكن هكذا يوما، أصبحت أخاف وأتوهم المرض، ومنذ أيام قليلة سمعت عن شاب كان يشعر بآلام شديدة في ظهره، واتضح أنه سرطان، وتوفي خلال شهر، أصبحت آلام الظهر والرقبة، بل وآلام في كل جسدي لا تفارقني، وأبحث عنها وأتوهم، وأشعر بكل الأعراض.

نقص وزني 4 كيلو، وكنت قرأت أن مرضى السرطان تنقص أوزانهم، وأنا خائفة جدا، ولكني لا آكل شيئا بسبب حالتي النفسية، وخلال هذه الفترة نسيت مشكلة قلبي تماما؛ لانشغالي بغيرها، حتى أنني قست ضربات قلبي وقت الراحة فوجدتها طبيعية تماما.

ساعدوني فأنا في دوامة لا أعرف كيف أخرج منها؟ ما إن أتخلص من شيء حتى أتوهم الآخر، وما إن أشرع بألم حتى أتوهم أنه شيء خطير، وأبحث عنه، لا أريد أن يغضب الله مني، أريد أن أكون مؤمنة ومتوكلة عليه، وتاركة أمور حياتي له سبحانه، وأنا في غاية الاطمئنان، فماذا أفعل؟

وهل إذا أحسنت الظن في الله لكل ما هو قادم في حياتي يتحقق؟ وهل إذا دعوت الله أن يديم علي نعمة الصحة، وحمدته عليها باستمرار، يتحقق؟ لأنني كنت قرأت أن القدر أحيانا يكون أقوى من الدعاء فيرده، ويقع القدر؟

آسفة جدا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والتواصل والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويشفيك ويصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولك الآمال، وأن يطيل في طاعته الآجال.

الدعاء سلاح المؤمنة، والقرآن والأذكار مبعث الطمأنينة: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فأقبلي على الله، وعودي إلى قيام الليل، فإن سهام الليل لا تخطئ، واستقبلي الحياة بأمل جديد، وبثقة في الله المجيد.

لا يخفى على أمثالك أن أهم طرائق التخلص من الوساوس إنما تكون بإهمالها، والتعوذ بالله من شيطان يذكر بها، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، وليس بضارهم شيئا إلا إذا قدر مالك الأكوان، وتجربتك خير دليل؛ لأنك عندما أهملت آلام الصدر ذهبت، وهي في الحقيقة كانت وهما، ولم تكن حقيقية، ولم تكوني بحاجة لفحوصات، وكان من الطبيعي أن تؤكد الفحوصات سلامتك، فتوكلي على الله، واستعيني به، واهتمي بطعامك وشرابك، واربطي قلبك بخالقك، ولا تتركي الصلاة فإنها أمان في الأرض وشفاء، وهي معراج المسلمة والصلة بينها وبين ربها.

حسن الظن بالرحيم مطلوب، والفأل الحسن مفتاح للخيرات، ولا يرد القضاء مثل الدعاء، والدعاء من قدر الله، والفقيهة هي من ترد أقدار الله بأقدار الله، فارفعي حاجتك إلى قاضي الحاجات، واشغلي نفسك بالخير، وتجنبي الوحدة، واحشري نفسك في زمرة الصالحات، وطوري ما عندك من مواهب وقدرات، واشغلي نفسك بخدمة المحتاجين؛ ليكون في حاجتك رب الأرض والسموات، واحرصي على بر والديك، ولا تتأثري بما بينهما من الخلافات، فإن حقوقهم ثابتة رغم ما حصل من المنغصات، واجعلي همك تذكيرهما بما كان بينهما من الخيرات، وذلك تذكير بالفضل كما جاء في الآيات (ولا تنسوا الفضل بينكم)، بل إننا نطمع في أن تكوني سببا لردم الهوة، وإعادة العلاقات.

هذه وصيتنا لك: بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، واعلمي أن الجانب النفسي والتخيلات هي التي تأتي لك بالآلام، وعلاجك بيدك بعد معونة ربنا وربك، ولا تنعزلي عن الناس، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والشيطان مع الواحد.

إن لم تجدي من يجالسك فكتاب الله جليس لا يمل، وصاحب لا يغش، وذكر الله يطرد الشيطان، ونسأل الله أن يملأ قلبك بالإيمان، ولقد أسعدنا تواصلك، ونفرح بالاستمرار، ونسأل الله لك الطمأنينة والسعادة والاستقرار.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً