الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس قهري قوي ومشكك في أمور الدين، ما علاجه المناسب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خير الجزاء على ما تقدمونه في هذا الموقع النفيس، وأخص بالذكر الدكتور محمد عبد العليم نفع الله به وبعلمه الأمة، وجزاه الله الفردوس الأعلى برفقة حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

أنا شاب أبلغ من العمر 27 عاما، لقد منَّ الله عليَّ بنعمة الالتزام منذ أكثر من 6 سنوات، وانتكست بعدها بسنة من الوساوس القهرية التي لم أكن أعلم عنها شيئا، حتى أستقر في داخلي أني منافق وكافر -والعياذ بالله- وخلاف ذلك، وعدت إلى حياتي العادية قبل الالتزام، ثم منَّ الله عليَّ مرة أخرى بالالتزام رمضان الماضي، وبعد فترة قليلة جداً وبالتحديد بعد انتهاء رمضان عادت إلي الوساوس مرة أخرى.

أنا الآن أعاني منها، ومن الحديث مع النفس ترسبت في داخلي، وبعد فترة كثيرة وعنيفة جداً من المقاومات ولكنها باءت كلها بالفشل، قمت بعرضها على المنطق والعقل والردود والمناقشات الحادة حتى أني مع الأسف استسلمت لها من كثرتها، وأخشى أن يتطور لدي هذا الموضوع أكثر مما أنا فيه، لقد فقدت طعم كل شيء في الحياة، وأصبح لدي لامبالاة بأي شيء، وعندما أكون في حالة طمأنينة وسكون وأتكلم بشيء عن الله أو أي شيء في الدين؛ أجد نفسي أراجع هذا الكلام مع نفسي؛ لأني تعودت على سماع كلام نفسي، وآخذ كلامها بثقة في أغلب الأحيان حتى لو كان شيئا غير صحيح أو حرام، ولا أستطيع فعل شيء تجاه ذلك، وأحياناً أشعر من كثرة كلامي مع نفسي في السر أنها تأخذ أمراً وتعاندني.

المشكلة الكبيرة لدي هي: عندما أريد أن أقرأ كتاب الله، أو أي علم من علوم الشريعة، أو سيرة الصحابة أو الرسول -صلى الله عليه وسلم- أجد نفسي يتملكني شعور وكلام بداخلي من قال: إن هذا كلام الله؟! ومن قال: إن هناك رسول؟! وهذا الكلام غير صحيح، حتى تجعلني أفقد تدبر القرآن أو الانتفاع بالعلم الذي أقرأه.

لقد فكررت مراراً أن أكتب لكم، ولكن في كل مرة تمنعني نفسي من البوح بما أشعر به، حتى منَّ الله علي وكتبت هذا الكلام، ولقد قرأت استشارات عدة لحضرتك، ورأيتك تنصح بالبروزاك، ومرة أخرى فافرين، وغيرهما، ولكني خفت من أخذ شيء قبل عرض حالتي على حضرتك، حتى أني لا أعلم أيهما أنسب لي، وما هي الجرعات المناسبة؟ أو إن كانت حالتي لا تستدعي هذه الأدوية أو غيرها من الأدوية.

جزاك الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قطعًا أنت تعانين من وساوس قهرية، والوساوس القهرية مزعجة جدًّا للنفس، خاصة حين تكون مكوناتها حساسة مثل: أمور الدين، والذات الإلهية، الوسواس بشع ومؤلم للنفس، لكن بفضل الله تعالى يمكن علاجه.

وهنالك حقيقة لا بد أن أنبه لها، وهي: أن التأخير في علاج الوساوس ربما يفقد الإنسان المقاومة لها، وهذه ظاهرة تحمل مؤشرًا سلبيًا من حيث الاستجابة للعلاج، أي أن الذي يركن إلى وسواسه ويتطبع معها بعد محاولات كثيرة وكثيرة جدًّا لرفضها وصدِّها وعدم الاكتراث لها، نسبة لأن الوساوس تجعل الإنسان بل تستفزه ليحاورها ويحاول أن يخضعها للمنطق، وهذا يعقدها أكثر، بل يزيدها، وبعد فترة تجد أن الإنسان قد فقد المقاومة للوسواس، وهذا الوضع لا نريد أي أحد يكون فيه.

أيتها الفاضلة الكريمة: عليك بالعلاج، والعلاج في حالتك أراه مهمًّا وضروريًا جدًّا، والحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق الناس بها، نعم العلاجات الدوائية مهمة وضرورية وتمثل حجر الزاوية التي يرتكز عليها الإنسان ليهشّم هذه الوساوس، لكن في ذات الوقت العلاج السلوكي مهم ومهم جدًّا، وهو يقوم على مبدأ:

1) تحقير الوسواس.
2) عدم نقاشه أو حواره – وهذه نقطة أركز عليها كثيرًا – خاصة في موضوع الوساوس الدينية؛ لأن النقاش لا يوصلك إلى أي نتيجة، بل يُشعبها ويقوّيها.

3) ويجب أن تصرفي انتباهك عنها تمامًا، وذلك من خلال: أن تشغلي نفسك بأمور الحياة الأخرى، هنالك أشياء طيبة وجميلة ونافعة وفاعلة يمكنك أن تقومي بها.

أنا أحبذ أن تذهبي وتقابلي الطبيب النفسي، والحمد لله تعالى مصر بها الكثير من أهل الكفاءة والدراية والمعرفة، إذا ذهبت وقابلت الطبيب نفسي، أعتقد أن ذلك سوف يزيد قناعاتك بأهمية العلاج، أنا أعرف أنك تثقين في شخصي الضعيف، لكن أخاف أن يراوغك ويحاورك الوساوس حول الأدوية وسلامتها، فإن استطعت أن تذهبي إلى الطبيب هذا هو الذي يُجدي، وهذا هو الذي يفيد.

هذا النوع من الوساوس ربما يحتاج لما نسميه بالعلاج التضافري، أي أكثر من دواء، مثلاً: قد نحتاج أن نعطي البروزاك، ومعه الفافرين، ومعه جرعة صغيرة من الرزبريادون، لكن لا نلجأ لهذا الخط العلاجي إلا بعد فترة.

الذي أريد أن أنصحك به هو: ضرورة الالتزام بالعلاج الدوائي، والجرع يجب أن تكون جرعا فوق الوسطية – هذا مهم – مثلاً البروزاك يُعرف أن جرعته هي كبسولة إلى أربعة كبسولات في اليوم، معظم مرضى الوساوس لا يستجيبون إلا حين تصل الجرعة إلى ثلاثة كبسولات – أي ستين مليجرامًا، وهنا تبدأ الجرعة بكبسولة واحدة، ثم تُرفع تدريجيًا حتى يصل الإنسان إلى هذه الجرعة، وإذا لم يتحسن الإنسان بعد ثلاثة أشهر وهو على هذه الجرعة لا بد أن تُضاف جرعة من الفافرين (مثلاً) وتُقلل جرعة البروزاك، وبعد فترة يُضاف أيضًا جرعة صغيرة من الرزبريادون.

هناك آليات حول هذا الأمر، وإن شاء الله تعالى الطبيب ذو الدراية والمقدرة الذي يُدير بها هذه العملية العلاجية لتصبَّ في مصلحتك تمامًا، وهنالك أدوية أخرى كثيرة غير الدوائين المذكورين.

تمارين الاسترخاء مهمة جدًّا؛ لأن الوساوس فيها مكون قلقي، والقلق لا يمكن التخلص منه إلا من خلال الاسترخاء النفسي والجسدي. وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) أرجو الرجوع إليها وتطبيق ما ورد بها.

أنا على ثقة تامة أن حالتك سوف تعالج، لكن أرجو ألا تؤخري ذهابك إلى الطبيب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن عباده

    الحمدلله وحده والصلاه على ما نبي بعده
    سيد الخلق من العلم الى الاخلاق الى البصر الى الدرجات العليا في الجنه وشفيعنا محمد ونبشرنا ونذيرنا اما بعد
    واعوذ بالله ان اكون من المنافقين
    .مساله الوسواس وشر النفس والقرين
    موجود في الانسان الى يوم البعث
    والواجب علينا ان نتبع الهدى والشفاء منها في ما انزل الله من الحق وبلغ وسولنا من شفاء وحكمه
    من الجانب المادي الذي لا يتجزا عن الدين
    ثقي تماما بان الحل بعد اذن الخالق
    في ارادتك
    وتاكدي "ان كيد الشيطان كان ضعيفا"
    واما مساله ان الشيطان يجري في ابن ادم مجرى الدم
    فلا تزال البحث عنها قائما وان شاء الله سنجد الحل ونبلغ ،،

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً