الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت الدنيا علينا بعد انتقالنا لمكان آخر.. ما توجيهكم؟

السؤال

نعيش في غربة, في مدينة مغلقة بعيدة كل البعد عن ضوضاء المدينة، مما يعني أن أهلها متعارفون.

كانت عائلتنا في راحة وسلام وأمن واستقرار حتى حلت علينا المصائب من حيث لا نحتسب تماما، فالنعم التي كانت دائما موجودة، ونعمنا بها لسنين تغيرت تماما اليوم، فالبيت الذي عشنا فيه أكثر من 8 سنوات أخذ منا مما أدى لرحيلنا لبيت أصغر وأغلى، ومن ثم تدني مستوى أخي الدراسي، واكتشافنا أنه يدخن، وأن أصدقاءه أصدقاء سوء، حتى وصلت حالته لرسوبه وهو في السنة المصيرية الأخيرة.

عمل أبي أصبح أكثر إجهادا له، وأقل مكسباً، ونحن في حاجة للمال من أجل أخي.

وأمي تغيرت أيضا ظروف عملها وأصبحت أسوأ، وأختي التي بدأت سنتها الجامعية -ولله الحمد- تفجأنا بتغير رسوم الدفع (أصبحت بزيادة) لأول مرة هذه السنة منذ أربعين عاماً.

وبالطبع العديد من المصائب التي أصبحت تنزل علينا من كل ناحية، هل يا ترى تلك أمور تافهة لا ينبغي أن أهتم بها, أم أن هناك عظة أو عبرة؟

الحمد لله على نعمة الصحة، ولكن بدأت أشعر أن العالم من حولنا كله يمشي على خطأ, ولو قمت أنت بالصح كرهوك، وندمت على فعله, فها هي أختي تشكو من مشرفتها التي طلبت منها أن تخرج خارجاً، وتغادر السكن كي يخلو السكن، وتستطيع هي أن تخرج، مع أن وظيفتها أن تبقى مع الطالبات، وليس طردهن لراحتها, ويجب على أختي أن تدرس فهي في فترة امتحانات, وحتى عندما أقوم بنصح شخص ما يتصرف بطريقة خاطئة أجد قذفا وإهانة وكرها! فهل نحن في زمن كره النصيحة؟ ولماذا أصبح كل شيء خاطئا؟ وهل عليّ السكوت حفظاً لنفسي؟

أعترف أن كل هذه المشاكل بدأت بعد أن طلبت صديقة أمي من أمي أن تقوم بعمل حفلة صغيرة نسائية لابنتها بمناسبة زواجها في منزلنا وافقت أمي ومقصدها جمع رأسين بالحلال، ومن يومها بدأت المعاناة، أم هي يا ترى مجرد هواجس داخلي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ لما حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرفع عنكم هذه الكروب وتلك الأزمات، وأن يعيد إليكم الأمن والأمان والاستقرار كما كنتم، وأفضل مما كنتم عليه.

كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم الرضا بما قسم لنا وقدّر، وأن يقدر لنا ولكم والمسلمين والمسلمات كل خير في الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإن طبع الدنيا والسنة التي خلقها الله تبارك وتعالى عليها أنها ما بين عطاء ومنع، ومد وجزر، وخير وشر، وصحة وعافية، وغنىً وفقر، فدوام الحال من المحال، ولذلك كما قال الشاعر: (إذا أحسنتْ يومًا أساءتْ ضُحَى غدٍ) وقال الشاعر أيضًا:

فلا يشمتْ الأعداء بي فلربما *** وصلتُ لما أرجوه مما أحاذرُ
فقد يستقيم الأمر بعد اعوجاجه *** وتنهض بالمرء الجلود العواثرُ

كم من إنسان تعرض لمثل هذه الأزمات فصبر واحتسب ثم خرج منها بأحسن حال في دينه ودنياه، لأننا نعلم أن الدنيا تجري وُفق مراد الله سبحانه وتعالى جل جلاله، وأن الأمن والأمان والرخاء والاستقرار والعطاء والمنع من الله تبارك وتعالى وحده، ولعلك تتذكرين حياة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم – مكث ثلاثة عشر عاما في مكة في ضيق وضنك ومشقة وضغط وإهانة وتعذيب وقتلٍ لأصحابه من حوله، ثم مَنَّ الله تبارك وتعالى عليه بعد ذلك بالهجرة إلى المدينة، فتبدلت الأحوال، وأصبح سيد العالم، وقامت الدولة الإسلامية العظمى في المدينة، وعاش الناس بنعمة الله إخوانًا، وفتحت لهم خزائن الأرض شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، لأنهم صبروا عندما كانوا في الابتلاء واحتسبوا الأجر عند الله فعوضهم الله خيرًا.

كذلك أنظري إلى نبي الله يوسف الصديق – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – عاش سنين عجافا في داخل السجن، وقبل السجن كان مع إخوانه الحُسَّد الذين حسدوا عليه نعمة الله تبارك وتعالى بمحبة أبيه له، وألقوه في غياهب الجُب، ثم بعد ذلك بيع بدراهم معدودة، ودخل مصر عبدًا مملوكًا، وعاش في بيت عزيز مصر عبدًا مملوكًا، ثم كان السجن نهاية العفة والفضيلة والإباء، ثم كان فرج الله تبارك وتعالى له بأن جعله الله تبارك وتعالى عزيزًا ممكنًا.

إذن الدنيا لا تدوم على حال أبدًا، بصرف النظر عن كون فلان حسد أو فلان حقد أو فلان سحر أو فلان ظلم، لأن هذه كلها أسباب شاء الله تبارك وتعالى أن تكون وأن تجري الأقدار عليها، فكونكم (مثلاً) – على سبيل المثال – أقمتم مناسبة عرس لابنة جارتكم في بيتكم، فهذا أمر لا علاقة له بشيء، وقد يكون لعب دورًا بأن لفت الناس إليكم ودلّ الناس على ما أنتم فيه من فضل، ولكن هذا مجرد سبب لا يفعل شيئًا بنفسه، لأن الأسباب لا تؤثر وحدها، الأسباب هي عبارة عن وسائل مواصلات تنقل إنسان من مكان إلى مكان ومن محطة إلى محطة، أما هي فهي مخلوقة كالإنسان تمامًا، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يعول عليها بحال، وإنما يقول: (قدر الله وما شاء فعل) إذا حدثت له مصيبة أو بلاء أو ابتلاء يقول (اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها) يقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) هذا الكلام الطيب الذي علمنا إياه الحبيب المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - .

واعلمي - أختي الكريمة الفاضلة – أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء – أي خيرٌ – شكر الله فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له) والله تبارك وتعالى يقلب عباده المؤمنين بالبلاء كما يُقلب الصائغ ذهبه بالنار، فتارة وتارة، وهذا حال الدنيا، فما كنت فيه كان حال، وما أنتم فيه أصبح حالاً آخر، فيجب على المؤمن إذا كان في النعمة أن يشكر، وإذا كان في البلاء أن يصبر وأن يحتسب، لأن هذا هو خير علاج لمثل هذه الأمور التي لا يستطيع أن يغيرها لا هو ولا غيره.

وفيما يتعلق بتغير الناس: فهذا أمر واضح، ولكن يبدو – كما ذكرت – أنكم كنتم تعيشون في مدينة مغلقة بعيدة عن ضوضاء المدينة، فلم تتطلعوا على التغير الذي أصاب الناس، وعندما عشتم مع الناس وجدتم أن هناك تغيرًا كبيرًا، أقول: إن هذا التغير ليس وليد اليوم، وإنما هو وليد سنوات وسنوات وسنوات، حتى وصل الحال بالناس إلى مثل ما ترين.

ولذلك عليك بالنصيحة قدر الاستطاعة، واختيار الأوقات المناسبة، والقول الحسن، كما قال الله تبارك وتعالى: {وقولوا للناس حُسْنًا} لأن النصيحة الهدف منها إعانة الناس على الاستقامة والطاعة، وليس مجرد إقامة الحجة على العباد وبيان أنهم من المخطئين أو من المخالفين، فهذا أمر يستطيعه كل أحد، وإنما النصيحة الحقة هي أن نعين الناس على أن يتغير حالهم من سيئ إلى حسن، ومن معصية إلى طاعة، ومن بُعد عن الله إلى قربٍ منه.

فعليك بارك الله فيك مواصلة النصيحة قدر استطاعتك ما دامت الفرصة متاحة، وعليكم بالأخذ بالأسباب الممكنة في كل ما يتعلق بأمور حياتكم، وعليكم بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، كما أخبر الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم – واعلمي أن الدنيا ساعة، وأن خير العباد من جعلها طاعة، ولقد قال مولانا سبحانه وتعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} وقال: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} وقال للحبيب المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - : {وللآخرةُ خير لك من الأولى} فعلينا بالصبر، مع الأخذ بالأسباب، والإلحاح في الدعاء، والإكثار من الطاعات، والقرب من الله، عسى الله تبارك وتعالى أن يثبتنا وإياكم على الحق، وأن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين من كل ضيق فرجًا، ومن كل هم مخرجًا، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً