الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبي يغار علي بشدة ويمنعني من التسوق مع أمي.

السؤال

أنا فتاة مخطوبة مع وجود العقد الشرعي, مشكلتي: أن خطيبي شديد جدا, ويحاول المحافظة علي بقدر المستطاع، إذ أنه لا يحب أن أذهب إلى السوق مع أمي وحدنا، مع أن أمي امرأة ملتزمة, وأيضا لا يحب أن أخرج من البيت مع أختي وحدنا، حتى لو كنت ذاهبة إلى الطبيبة, وأنا ملتزمة بالذهاب إلى دروس في المسجد، وكنت أذهب إلى نشاطات نسائية خاصة بالمسجد ولكن خارج المسجد كالدروس والمحاضرات، ولكنه منعني من كل هذا، ويقول لي: إن الوضع اليوم ليس آمنا؛ فالفتن كثيرة, ولا ترحم أحدا، وأنا أريد أن أحافظ عليك، ولا تخرجي إلا للضرورة، ولكني أشعر أحيانا بسبب هذا التشديد بأنني أنا فقط سأتعرض للفتن إذا خرجت من المنزل، وأصبحت أمتنع من الخروج مع أهلي لكي أتجنب الاختلاط, وعدم وجود محرم, وهو لا يثق بإخوتي محارم لي؛ لأنهم غير ملتزمين, ولا يهتمون كثيرا بقضية المحرم.

وهناك أيضا مشكلة أتعبتني جدا وهي: أن خطيبي يحب الذهاب إلى البحر كثيرا, ويحب الذهاب كل أسبوع, وهذا يضايقني جدا, إذ أنه يذهب في وقت متأخر من الليل, ويعود في اليوم التالي ظهرا, ونحن نعيش في أرض فلسطين المحتلة عام 48م, والشواطئ دائما ممتلئة باليهود والعراة, ولكنه يقول لي: إنه في هذه الساعات التي يذهب فيها لا يوجد الكثير من الناس، ويقول: إن البحر يريحه جدا, فهو كالدواء, مع العلم أنه عصبي جدا، ولكنه متضايق مني لأنني لا أريده أن يذهب إلى البحر, وهو يرفض أن أذهب حتى لا أرى الرجال العراة هناك, ويقول: إن هناك فرقا بين ذهابي أنا وذهابك أنت هناك, فأنا لا أقبل على نفسي أن تري الرجال العراة هناك، وأنا أخاف أن يفتن يوما بامرأة هناك, إن الفتن شديدة في هذه الأيام، مع العلم أنه يذهب مع أصحابه, ويسهرون حتى ساعة متأخرة على الشاطئ أمام النار التي يوقدونها, ويتسامرون, وبعدها ينامون, وفي الصباح يقومون للصلاة، وأحيانا يقومون بصيد السمك, مع العلم أن أصحابه غير ملتزمين بما فيه الكفاية، ولكنه يقول يكفي إنهم يصلون, ولا يفعلون الحرام, ويوجد له أصدقاء ملتزمون، ولكنهم لا يحبون الذهاب للبحر, والآن أنا في صراع شديد بيني ونفسي، وفي الليلة التي يذهب فيها أبقى طول الليل في حالة عصبية, وبكاء شديد، وبدأت أحس بغيرة شديدة بسبب هذا, وهو يقول لي دائما: ألا تثقين بي, وهو يريد مني أن أرتدي النقاب؛ لأنه يغار علي جدا, ولا يريد أن يراني أحد, والآن أريد منكم النصيحة لي، فأنا تعبت جدا من شدة التفكير في هذا، وهل أنا أبالغ في خوفي هذا؟
أليس من حقي أن أغار عليه كما يغار علي؟ فهو يقول لي دائما المرأة غير, ومن واجبي أن أشد عليك؛ حتى أحافظ عليك, وأريد منكم نصيحة له لأنني قلت له سأرى ما يقولون لنا في إسلام ويب, أرجوكم أنا بحاجة لنصيحتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله أن يبارك فيك وفي زوجك وأن يجمع بينكما على خير، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يوفقكما لالتزام الكتاب والسنة، وأن يجنبكم الفواحش والفتن, والغلو والتشدد في دين الله تبارك وتعالى، وأن يمنَّ عليكم بالتزام السنة.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – أنا أقول:

إن هذه الأشياء التي ذكرتها في الواقع لا أعتقد أن لها علاقة بالشرع، وإنما هذا نوع من الغيرة، غيرة عند رجل يُحبك, وهو شديد الغيرة، ولذلك يمنعك من أشياء لا يمتنع منها أحد, أنا معه في أنه ينبغي عليك أن لا تخرجي إلا للضرورة، ولكن في مثل الحرمان من المسجد يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) والآن لا يوجد هناك مكان يقوي الدين في حياة الناس إلا المساجد, والمحاضرات, والأنشطة الشرعية التي كنت تساهمين فيها، فمنعه لك منها هو نوع من التشدد الذي لا أساس له، خاصة وأنك أخت منتقبة, وملتزمة, وتسيرين بالآداب، وفكرة أن الوضع غير آمن والفتن، فالفتن موجودة من عهد آدم عليه السلام إلى هذا اليوم، ولم يقل أحد أبدًا بأن الناس لا تخرج لأن هناك فتنا.

فأنا أرى أن الأخ مبالغ في هذه المواقف, ويجب عليه أن يخفف هذه الشدة، ونحن نقدر له غيرته عليك, وحرصه عليك، ولكن هذه شدة مغالى فيها جدًّا, وقد تؤدي إلى الكراهية والبُغض؛ لأن كثرة الضغط على الإنسان تجعله يكره الشيء الذي يُحبه.

فأنا أقول لهذا الأخ الكريم: -أخي الفاضل -جزاك الله خيرًا-: رفقًا، لأنك لست أعلم بالناس من الله تعالى، ولست بأعلم بامرأتك من الله، وأنت لست أحرص على الأمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنساء كنَّ يخرجن إلى الأسواق ويبعن ويشترين، فهذا أمر طبيعي، وكان هناك يهود موجودون أيضًا بين المسلمين، وأنت تعلم قصة بني النضير، فأعتقد أنك لا تعيش في كوكب آخر -أخي الفاضل- وينبغي عليك أن ترفق بامرأتك, وأن تتوسط معها, وأن تمنحها الثقة، خاصة وأنها تخرج مع أمها, لا تخرج وحدها، وهي لا تسافر أبدًا, يعني من حقك أن تقول لها لا تخرجي إلا مع محرم, نقول نعم إذا كان هذا في السفر، أما امرأة تذهب إلى السوق أو تأتي بغرض مع أمها, فليس هنالك مشكلة شرعًا في ذلك، ما دامت الأم محافظة والبنت محافظة, دعك من هذه الأشياء التي عندك؛ لأنها لا أساس لها في دين الله تعالى، هذه غيرة مفرطة وزائدة، ولا علاقة لها بالشرع، وأتمنى أن لا تلبسها ثوب الشرع.

كذلك أيضًا حرمانك لامرأتك من أن تقوم بدور في خدمة الإسلام والدعوة، بأي وجه حق تقول أنت هذا الكلام، وتمنع الناس من العبادة والطاعة لمجرد أنك رجل عندك غيرة؟ أتمنى أن تتوسط في الأمر -بارك الله فيك- لأن هذه الأمور اسمح لي وأنا حقيقة كلّي ألم أن أقول لك بأنها كلها بعيدة عن الشرع، وهذه تنافي التوسط الذي أمرنا به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتنافي التيسير الذي دعانا إليه الإسلام، ما دامت المرأة صاحبة دين, وما دامت ملتزمة بالشرع, وما دامت طالبة علم, وما دامت تخاف الله, وتتقيه, فلماذا هذه القيود والأغلال -أخي الفاضل- التي قد تجعلها تكرهك وأنت لا تدري؟

ثانيًا: موضوع الذهاب للبحر، اسمح لي: أنت ليس لك فيه أي حق شرعي، تذهب إلى البحر وتقول المرأة غير الرجل، من قال بهذا؟ ألستَ مطالبا بغض البصر كما هي مطالبة بغض البصر؟! ألستَ مطالبا بعدم التعرض للفتنة كما هي زوجتك مطالبة بعدم التعرض للفتنة، فراعي مشاعري مشاعر امرأتك، على الأقل عاملها بالمثل.

فأنا أرى -بارك الله فيك- أن فكرة البحر هذه أتمنى أن تقوم بإلغائها، وأن تذهب وتعود مبكرًا، أما أن تنام على شاطئ البحر ما بين العراة وغيرهم, وتدعي بأنك صحابي، أعتقد أن هذا خطأ، هذا الكلام غير صحيح.

الذي يحرم على المرأة يحرم على الرجل، والذي يحرم على الرجل يحرم على المرأة، وقد تكون المرأة أقوى إيمانًا من الرجل، فأتمنى أيضًا أن تكون متوسطًا في موضوع البحر هذا، ما دامت المرأة تخاف عليك, ودائمًا تكون مشغولة بك, ولا تنام الليل، فارحمها، ارحمها يرحمك الله -أخي الفاضل- وحاول أن ترجع مثلاً -إذا كنت تذهب لساعة أو لساعتين ثم ترجع- لتبيت في بيتك حتى تطمئن عليك امرأتك، وهذا من حقها، لماذا تشغلها بهذا الأمر وتظل المرأة في غاية القلق وأنت لا تؤدي عبادة ولا طاعة؟

أأنت تجاهد في البحر؟ّ .. يعني هل أنت توقع باليهود؟! أبدًا، لا أعتقد أن الذي يذهب إلى هذه الأماكن يفعل شيئًا لخدمة الدين أصلاً، خاصة وأن هذه الشواطئ فيها ما فيها, وما الله به عليم، وفوق ذلك فإن الإخوة الذين تخرج معهم ليسوا ملتزمين بمعنى أنهم سيعينونك على قيام الليل والطاعة، وإنما أشخاص عاديون.

فأتمنى أن تتوسط في هذا الأمر، وأنت الآن ما دامت امرأتك ترغب في ذلك أكرمها، ألم تسمع قول الله تعالى -أخي الفاضل-: {ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف} يعني المرأة لها حق على الرجل، كما أن الرجل له حق على المرأة، فما دمت تخاف عليها, فهي تخاف عليك، ولكن أعتقد أن وجهة نظرها صواب، وأن إقامتك للوقت الطويل هذا يخالف الشرع، وسهرك بالليل خلاف السنة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا سمر بعد العشاء), وأنت تعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينام بعد العشاء, ويقوم في منتصف الليل يصلي إلى ما شاء الله تعالى ثم ينام، يعني ثلث وثلث، أما أنت فتقضي الليل كله في كلامٍ الله أعلم بمدى شرعيته, ومدى هل هو في عبادة أو في أجر أم لا؟

فأنا أرى -بارك الله فيك- أن تتوسط في مسألة الخروج, وأن تمنحها فرصة، خاصة وأنه ليس من حقك الآن أن تمنعها, ولا أن تأمرها, ولا أن تنهاها، لأنك عقدت عليها فقط, ولم تنفق عليها، ويجب على الرجل أن تطيعه امرأته إذا كان يُنفق عليها، والآن المرأة في بيت أهلها ليست في بيتك, وأنت غير مسئول عنها تمامًا، فهي جزاها الله خيرًا تراعي مشاعرك، ولكن أرجو أن تخفف من هذه القبضة الحديدية، لأنها ستضرك في هذه الحياة, وتضرك بعد ذلك, وقد تؤدي إلى كراهية المرأة لك.

أسأل الله أن يجمع بينكما على خير، وأن يوفقكما لالتزام السنة، والبعد عن الشطط والغلو، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً