[ ص: 5 ] حَرْفُ الْهَاءِ
الْهَاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ ، وَهِيَ : الْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْهَاءُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْهَمْزَةُ ، وَهِيَ أَيْضًا مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ ، وَهِيَ : الْهَاءُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالْكَافُ وَالشِّينُ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ وَالصَّادُ وَالثَّاءُ وَالْفَاءُ ، قَالَ : وَالْمَهْمُوسُ حَرْفٌ لِأَنَّ فِي مَخْرَجِهِ دُونَ الْمَجْهُورِ ، وَجَرَى مَعَ النَّفَسِ فَكَانَ دُونَ الْمَجْهُورِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ .
ها
الْهَاءُ : بِفَخَامَةِ الْأَلِفِ : تَنْبِيهٌ ، وَبِإِمَالَةِ الْأَلِفِ حَرْفُ هِجَاءٍ ، الْجَوْهَرِيُّ : الْهَاءُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ ، وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَاتِ ، قَالَ : وَ هَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : وَأَمَّا هَذَا إِذَا كَانَ تَنْبِيهًا فَإِنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ قَالَ : هَا تَنْبِيهٌ تَفْتَتِحُ الْعَرَبُ بِهَا الْكَلَامَ بِلَا مَعْنًى سِوَى الْافْتِتَاحَ ، تَقُولُ : هَذَا أَخُوكَ ، هَا إِنَّ ذَا أَخُوكَ ; وَأَنْشَدَ النَّابِغَةُ :
هَا إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِلَّا تَكُنْ نَفَعَتْ فَإِنَّ صَاحِبَهَا قَدْ تَاهَ فِي الْبَلَدِ
وَتَقُولُ : هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ، تَجْمَعُ بَيْنَ التَّنْبِيهَيْنِ لِلتَّوْكِيدِ ، وَكَذَلِكَ أَلَا يَا هَؤُلَاءِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِأَيْ ، تَقُولُ : يَا أَيْهَا الرَّجُلُ ، وَهَا : قَدْ تَكُونُ تَلْبِيَةً ; قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يَكُونُ جَوَابَ النِّدَاءِ ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ ; قَالَ الْشَّاعِرُ :
لَا بَلْ يُجِيبُكَ حِينَ تَدْعُو بِاسْمِهِ فَيَقُولُ هَاءَ وَطَالَمَا لَبَّى
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَيْضًا هَا إِذَا أَجَابُوا دَاعِيًا ، يَصِلُونَ الْهَاءَ بِأَلِفٍ تَطْوِيلًا لِلصَّوْتِ ، قَالَ : وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ فِي مَوْضِعِ لَبَّى فِي الْإِجَابَةِ لَبَى خَفِيفَةً ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَعْنَى هَبَى ، وَيَقُولُونَ هَا إِنَّكَ زَيْدٌ ، مَعْنَاهُ أَإِنَّكَ زَيْدٌ فِي الْاسْتِفْهَامِ ، وَيَقْصُرُونَ فَيَقُولُونَ : هَإِنَّكَ زَيْدٌ ، فِي مَوْضِعِ أَإِنَّكَ زَيْدٌ ، ابْنُ سِيدَهْ : الْهَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ ، وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ يَكُونُ أَصْلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا ، فَالْأَصْلُ نَحْوَ هِنْدَ وَفَهْدٍ وَشِبْهٍ ، وَيُبْدَلُ مِنْ خَمْسَةِ أَحْرُفٍ ، وَهِيَ : الْهَمْزَةُ وَالْأَلِفُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ ، وَقَضَى عَلَيْهَا ابْنُ سِيدَهْ أَنَّهَا مِنْ
[ ه و ي ] ، وَذَكَرَ عِلَّةَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ حَوِيَ . وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : الْهَاءُ وَأَخَوَاتُهَا مِنَ الثُّنَائِيِّ كَالْبَاءِ وَالْحَاءِ ، وَالطَّاءِ وَالْيَاءِ ، إِذَا تُهُجِّيَتْ مَقْصُورَةٌ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي التَّهَجِّي عَلَى الْوَقْفِ ، قَالَ : وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَافَ وَالدَّالَ وَالصَّادَ مَوْقُوفَةُ الْأَوَاخِرِ ، فَلَوْلَا أَنَّهَا عَلَى الْوَقْفِ لَحُرِّكَتْ أَوَاخِرُهُنَّ ، وَنَظِيرُ الْوَقْفِ هُنَا الْحَذْفُ فِي الْهَاءِ وَالْحَاءِ وَأَخَوَاتِهَا ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَلْفِظَ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ قَصَرْتَ وَأَسْكَنْتَ ، لِأَنَّكَ لَسْتَ تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا أَسْمَاءَ ، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ تُقَطِّعَ حُرُوفَ الِاسْمِ فَجَاءَتْ كَأَنَّهَا أَصْوَاتٌ تُصَوِّتُ بِهَا ، إِلَّا أَنَّكَ تَقِفُ عِنْدَهَا بِمَنْزِلَةِ عِهْ ، قَالَ : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظَةُ هُوَ ، قَالَ : هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ ; قَالَ الْكِسَائِيُّ : هُوَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِثْلَ أَنْتَ فَيُقَالُ هُوَّ فَعَلَ ذَلِكَ ، قَالَ : وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُخَفِّفُهُ فَيَقُولُ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ : وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَنِي أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَقَيْسٍ هُوْ فَعَلَ ذَلِكَ ، بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ، وَأَنْشَدَ لِعَبِيدٍ :
وَرَكْضُكَ لَوْلَا هُو لَقِيتَ الَّذِي لَقُوا فَأَصْبَحْتَ قَدْ جَاوَزْتَ قَوْمًا أَعَادِيَا
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : بَعْضُهُمْ يُلْقِي الْوَاوَ مِنْ هُوَ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ فَيَقُولُ حَتَّاهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ ; قَالَ : وَأَنْشَدَ أَبُو خَالِدٍ الْأَسَدِيُّ :
إِذَاهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَمْ يَنْبِسْ
قَالَ : وَأَنْشَدَنِي خَشَّافٌ :
إِذَاهُ سَامَ الْخَسْفَ آلَى بِقَسَمْ بِاللَّهِ لَا يَأْخُذُ إِلَّا مَا احْتَكَمْ
قَالَ : وَأَنْشَدَنَا أَبُو مُجَالِدٍ لِلْعُجَيْرِ السَّلُولِيِّ :
فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ لِمَنْ جَمَلٌ رَثُّ الْمَتَاعِ نَجِيبُ
قَالَ ابْنُ السِّيرَافِيِّ : الَّذِي وُجِدَ فِي شِعْرِهِ رِخْوُ الْمِلَاطِ طَوِيلُ ; وَقَبْلَهُ :
فَبَاتَتْ هُمُومُ الصَّدْرِ شَتَّى يَعُدْنَهُ كَمَا عِيدَ شِلْوٌ بِالْعَرَاءِ قَتِيلُ
وَبَعْدَهُ :
مُحَلًّى بِأَطْوَاقٍ عِتَاقٍ كَأَنَّهَا بَقَايَا لُجَيْنٍ ، جَرْسُهُنَّ صَلِيلُ
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي : إِنَّمَا ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فِي الشِّعْرِ وَلِلتَّشْبِيهِ لِلضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ بِالضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي عَصَاهُ وَقَنَاهُ ، وَلَمْ يُقَيِّدِ الْجَوْهَرِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ مِنْ [ ص: 6 ] هُوَ بِقَوْلِهِ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ ; بَلْ قَالَ : وَرُبَّمَا حُذِفَتْ مِنْ هُوَ الْوَاوُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ ، وَأَوْرَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ : فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ ; قَالَ : وَقَالَ آخَرُ :
إِنَّهُ لَا يُبْرِئُ دَاءَ الْهُدَبِدْ مِثْلُ الْقَلَايَا مِنْ سَنَامٍ وَكَبِدْ
وَكَذَلِكَ الْيَاءُ مِنْ هِيَ ; وَأَنْشَدَ :
دَارٌ لِسُعْدَى إِذْهِ مِنْ هَوَاكَا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ : فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ قَالَ الْآخَرُ :
أَعِنِّي عَلَى بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَهُو فَوَقَفَ بِالْوَاوِ وَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ قَافِيَةً ، وَهَذِهِ الْمَدَّةُ مُسْتَهْلَكَةٌ فِي حَالِ الْوَقْفِ ؟ قِيلَ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَافِيَةً فَيَكُونُ الْبَيْتُ بِهَا مُقَفًّى وَمُصَرَّعًا ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَقِفُ عَلَى الْعَرُوضِ نَحْوًا مِنْ وُقُوفِهَا عَلَى الضَّرْبِ ، وَذَلِكَ لِوُقُوفِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ عَنِ الْمَوْزُونِ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ أَيْضًا :
فَأَضْحَى يَسُحُّ الْمَاءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ
فَوَقَفَ بِالتَّنْوِينِ خِلَافًا لِلْوُقُوفِ فِي غَيْرِ الشِّعْرِ ، فَإِنْ قُلْتَ : فَإِنَّ أَقْصَى حَالِ كُتَيْفَةٍ إِذْ لَيْسَ قَافِيَةً أَنْ يُجْرَى مَجْرَى الْقَافِيَةِ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهَا ، وَأَنْتَ تَرَى الرُّوَاةَ أَكْثَرَهُمْ عَلَى إِطْلَاقِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ وَنَحْوِهَا بِحَرْفِ اللِّينِ نَحْوَ قَوْلِهِ : فَحَوْمَلِي وَمَنْزِلِي ، فَقَوْلُهُ : كُتَيْفَةٍ لَيْسَ عَلَى وَقْفِ الْكَلَامِ وَلَا وَقْفِ الْقَافِيَةِ ؟ قِيلَ : الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ خِلَافِهِ لَهُ ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ أَيْضًا يَخْتَصُّ الْمَنْظُومَ دُونَ الْمَنْثُورِ لِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ عَنْهُمْ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ :
أَنَّى اهْتَدَيْتَ لِتَسْلِيمٍ عَلَى دِمَنٍ بِالْغَمْرِ غَيَّرَهُنَّ الْأَعْصُرُ الْأُوَلُ
وَقَوْلِهِ :
كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غُدْوَةً خَلَايَا سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ
وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ ، كُلُّ ذَلِكَ الْوُقُوفِ عَلَى عَرُوضِهِ مُخَالِفٌ لِلْوُقُوفِ عَلَى ضَرْبِهِ ، وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِوُقُوفِ الْكَلَامِ غَيْرِ الشِّعْرِ ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : لَمْ أَسْمَعْهُمْ يُلْقُونَ الْوَاوَ وَالْيَاءَ عِنْدَ غَيْرِ الْأَلِفِ ، وَتَثْنِيَتُهُ هُمَا ، وَجَمْعُهُ هُمُو ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : هُمْ فَمَحْذُوفَةٌ مِنْ هُمُو كَمَا أَنَّ مُذْ مَحْذُوفَةٌ مِنْ مُنْذُ ، فَأَمَّا قَوْلُكَ : رَأَيْتُهُو فَإِنَّ الْاسْمَ إِنَّمَا هُوَ الْهَاءُ وَجِيءَ بِالْوَاوِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ ، وَكَذَلِكَ لَهُو مَالٌ ، إِنَّمَا الْاسْمُ مِنْهَا الْهَاءُ وَالْوَاوُ لِمَا قَدَّمْنَا ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا وَقَفْتَ حَذَفْتَ الْوَاوَ فَقُلْتَ : رَأَيْتُهْ ، وَالْمَالُ لَهْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهَا فِي الْوَصْلِ مَعَ الْحَرَكَةِ الَّتِي عَلَى الْهَاءِ وَيُسَكِّنُ الْهَاءَ ; حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ : لَهْ مَالٌ أَيْ : لَهُو مَالٌ ، الْجَوْهَرِيُّ : وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْوَاوَ مَعَ الْحَرَكَةِ ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ : وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ لَهْ مَالٌ بِسُكُونِ الْهَاءِ ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ ; قَالَ يَعْلَى بْنُ الْأَحْوَلِ :
أَرِقْتُ لِبَرْقٍ دُونَهُ شَرَوَانِ يَمَانٍ وَأَهْوَى الْبَرْقَ كُلَّ يَمَانِ فَظَلْتُ لَدَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أُخِيلُهُو وَمِطْوَايَ مُشْتَاقَانِ لَهْ أَرِقَانِ فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى طَهَيَانِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي : جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ ، يَعْنِي : إِثْبَاتَ الْوَاوِ فِي أُخِيلُهُو ، وَإِسْكَانَ الْهَاءِ فِي لَهْ ، وَلَيْسَ إِسْكَانُ الْهَاءِ فِي لَهْ عَنْ حَذْفٍ لَحِقَ الْكَلِمَةَ بِالصَّنْعَةِ ، وَهَذَا فِي لُغَةِ أَزْدٍ السَّرَاةِ كَثِيرٌ ; وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ قُطْرُبٍ مِنْ قَوْلِ الْآخَرِ :
وَأَشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُو عَطَشٌ إِلَّا لِأَنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وَادِيهَا
فَقَالَ : نَحْوَهُو عَطَشٌ بِالْوَاوِ ، وَقَالَ عُيُونَهْ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ; وَأَمَّا قَوْلِ الشَّمَّاخِ :
لَهُ زَجَلٌ كَأَنَّهُو صَوْتُ حَادٍ إِذَا طَلَبَ الْوَسِيقَةَ أَوْ زَمِيرُ
فَلَيْسَ هَذَا لُغَتَيْنِ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ رِوَايَةَ حَذْفِ هَذِهِ الْوَاوِ وَإِبْقَاءِ الضَّمَّةِ قَبْلَهَا لُغَةً ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ضَرُورَةً وَصَنْعَةً لَا مَذْهَبًا وَلَا لُغَةً ، وَمِثْلُهُ الْهَاءُ مِنْ قَوْلِكَ : بِهِي هِيَ الْاسْمُ وَالْيَاءُ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا وَقَفْتَ قُلْتَ بِهْ ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ بِهِي وَبِهْ فِي الْوَصْلِ ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ : قَالَ الْكِسَائِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابَ عُقَيْلٍ وَكِلَابٍ يَتَكَلَّمُونَ فِي حَالِ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ ، وَمَا قَبْلَ الْهَاءِ مُتَحَرِّكٌ ، فَيَجْزِمُونَ الْهَاءَ فِي الرَّفْعِ وَيَرْفَعُونَ بِغَيْرِ تَمَامٍ ، وَيَجْزِمُونَ فِي الْخَفْضِ وَيَخْفِضُونَ بِغَيْرِ تَمَامٍ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ، بِالْجَزْمِ ، وَلِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ، بِغَيْرِ تَمَامٍ ، وَلَهُ مَالٌ ، وَلَهْ مَالٌ ، وَقَالَ : التَّمَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إِلَى جَزْمٍ وَلَا غَيْرِهِ ، لِأَنَّ الْإِعْرَابَ إِنَّمَا يَقَعُ فِيمَا قَبْلَ الْهَاءِ ; وَقَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ قَارِئُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ لِغَيْرِ تَمَامٍ ; وَقَالَ أَنْشَدَنِي أَبُو حِزَامٍ الْعُكْلِيُّ :
لِي وَالِدٌ شَيْخٌ تَهُضُّهُ غَيْبَتِي وَأَظُنُّ أَنَّ نَفَادَ عُمْرِهِ عَاجِلُ
فَخَفَّفَ فِي مَوْضِعَيْنِ ، وَكَانَ حَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو يَجْزِمَانِ الْهَاءَ فِي مِثْلِ يُؤَدِّهْ إِلَيْكَ ، وَنُؤْتِهْ مِنْهَا ، وَنُصْلِهْ جَهَنَّمَ ، وَسَمِعَ شَيْخًا مِنْ هَوَازِنَ يَقُولُ : عَلَيْهُ مَالٌ ، وَكَانَ يَقُولُ : عَلَيْهُمْ وَفِيهُمْ وَبِهُمْ ، قَالَ : وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هِيَ لُغَاتٌ يُقَالُ فِيهِ وَفِيهِي وُفِيهُ وَفِيهُو ، بِتَمَامٍ وَغَيْرِ تَمَامٍ ، قَالَ : وَقَالَ لَا يَكُونُ الْجَزْمُ فِي الْهَاءِ إِذَا كَانَ مَا قَبْلَهَا سَاكِنًا ، التَّهْذِيبُ : اللِّيْثُ هُوَ كِنَايَةُ تَذْكِيرٍ ، وَهِيَ كِنَايَةُ تَأْنِيثٍ ، وَهُمَا لِلْاثْنَيْنِ ، وَهُمْ لِلْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ ، وَهُنَّ لِلنِّسَاءِ ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى هُوَ وَصَلْتَ الْوَاوَ فَقُلْتَ هُوَهْ ، وَإِذَا أَدْرَجْتَ طَرَحْتَ هَاءَ الصِّلَةِ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّهُ قَالَ : مَرَرْتُ بِهْ وَمَرَرْتُ بِهِ وَمَرَرْتُ بِهِي ، قَالَ : وَإِنْ شِئْتَ مَرَرْتُ بِهْ وَبِهُ وَبِهُو ، وَكَذَلِكَ ضَرَبَهُ فِيهِ هَذِهِ اللُّغَاتُ ، وَكَذَلِكَ يَضْرِبُهْ وَيَضْرِبُهُ وَيَضْرِبُهُو ، فَإِذَا أَفْرَدْتَ الْهَاءَ مِنَ الْاتِّصَالِ بِالْاسْمِ أَوْ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْأَدَاةِ وَابْتَدَأْتَ بِهَا كَلَامَكَ ، قُلْتُ : هُوَ لِكُلِّ مُذَكَّرٍ غَائِبٍ ، وَهِيَ لِكُلِّ مُؤَنَّثَةٍ غَائِبَةٍ ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُمَا فَزِدْتَ وَاوًا أَوْ يَاءً اسْتِثْقَالًا لِلْاسْمِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، لِأَنَّ الْاسْمَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ حَرْفَيْنِ ، قَالَ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْاسْمُ إِذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ نَاقِصٌ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ حَرْفٌ ، فَإِنْ عُرِفَ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَتَصْرِيفُهُ عُرِفَ النَّاقِصُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَغَّرْ وَلَمْ يُصْرَفْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ اشْتِقَاقٌ زِيدَ فِيهِ مَثْلُ آخِرِهِ فَتَقُولُ : هُوَّ أَخُوكَ ، فَزَادُوا مَعَ الْوَاوِ وَاوًا ; وَأَنْشَدَ :
وَإِنَّ لِسَانِيَ شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا وَهُوَّ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللَّهُ عَلْقَمُ
[ ص: 7 ] كَمَا قَالُوا : فِي مِنْ وَعَنْ ، وَلَا تَصْرِيفَ لَهُمَا ، فَقَالُوا : مِنِّي أَحْسَنُ مِنْ مِنِّكَ ، فَزَادُوا نُونًا مَعَ النُّونِ ، أَبُو الْهَيْثَمِ : بَنُو أَسَدٍ تُسَكِّنُ هِيَ وَهُوَ فَيَقُولُونَ : هُوْ زَيْدٌ ، وَهِي هِنْدُ ، كَأَنَّهُمْ حَذَفُوا الْمُتَحَرِّكَ ، وَهِي قَالَتْهُ ، وَهُوْ قَالَهُ ; وَأَنْشَدَ :
وَكُنَّا إِذَا مَا كَانَ يَوْمُ كَرِيهَةٍ فَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي وَهُوْ فَتَيَانِ
فَأَسْكَنَ . وَيُقَالُ : مَاهُ قَالَهُ ، وَمَاهِ قَالَتْهُ ، يُرِيدُونَ : مَا هُوَ وَمَا هِيَ ; وَأَنْشَدَ :
دَارٌ لِسَلْمَى إِذْهِ مِنْ هَوَاكَا
فَحَذَفَ يَاءَ هِيَ ، الْفَرَّاءُ : يُقَالُ إِنَّهُ لَهُوَ أَوِ الْحِذْلُ ، عَنَى اثْنَيْنِ ، وَإِنَّهُمْ لَهُمْ أَوِ الْحُرَّةُ دَبِيبًا ، يُقَالُ هَذَا إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ الشَّيْءُ فَظَنَنْتَ الشَّخْصَ شَخْصَيْنِ ، الْأَزْهَرِيُّ : وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُشَدِّدُ الْوَاوَ مِنْ هُوَّ وَالْيَاءَ مِنْ هِيَّ ; قَالَ :
أَلَا هِيَّ أَلَا هِيَّ فَدَعْهَا فَإِنَّمَا تَمَنِّيكَ مَا لَا تَسْتَطِيعُ غُرُورُ
الْأَزْهَرِيُّ : سِيبَوَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ إِذَا قُلْتَ : يَا أَيْهَا الرَّجُلُ ، فَأَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ ; لِأَنَّهُ مُنَادَى مُفْرَدٌ ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ لِأَيُّ ، تَقُولُ : يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ أَقْبِلْ ، وَلَا يَجُوزُ يَا الرَّجُلُ ; لِأَنَّ يَا تَنْبِيهٌ بِمَنْزِلَةِ التَّعْرِيفِ فِي الرَّجُلِ ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ يَا وَبَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ ، فَتَصِلُ إِلَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ بِأَيُّ ، وَهَا لَازِمَةٌ لِأَيُّ لِلتَّنْبِيهِ ، وَهِيَ عِوَضٌ مِنَ الْإِضَافَةِ فِي أَيُّ ; لِأَنَّ أَصْلَ أَيُّ أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً إِلَى الْاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ ، وَتَقُولُ لِلْمَرْأَةِ : يَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ ، وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ قَرَءُوا : أَيُّهَا ، وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ ، وَأَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، إِلَّا ابْنَ عَامِرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ أَيُّهُ الْمُؤْمِنُونَ ، وَلَيْسَتْ بِجَيِّدَةٍ ، وَقَالَ ابْنُ اْلَأنْبَارِيِّ : هِيَ لُغَةٌ ; وَأَمَّا قَوْلُ جَرِيرٍ :
يَقُولُ لِي الْأَصْحَابُ هَلْ أَنْتَ لَاحِقٌ بِأَهْلِكَ إِنَّ الزَّاهِرِيَّةَ لَا هِيَا
فَمَعْنَى لَا هِيَا أَيْ : لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ الْمُجِيبُ : لَا هُوَ ، أَيْ : لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَلَا تَذْكُرْهُ ، وَيُقَالُ : هُوَ هُوَ أَيْ : هَوَ مَنْ قَدْ عَرَفْتُهُ ، وَيُقَالُ : هِيَ هِيَ أَيْ : هِيَ الدَّاهِيَةُ الَّتِي قَدْ عَرَفْتُهَا ، وَهُمُ هُمُ أَيْ : هُمُ الَّذِينَ عَرَفْتُهُمْ ; وَقَالَ الْهُذَلِيُّ :
رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ؟ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ
وَقَوْلُ الشَّنْفَرَى :
فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لِأَبْرَحُ طَارِقًا وَإِنْ يَكُ إِنْسًا مَا كَهَا الْإِنْسُ تَفْعَلُ
أَيْ : مَا هَكَذَا الْإِنْسُ تَفْعَلُ ; وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ :
لَنَا الْغَوْرُ وَالْأَعْرَاضُ فِي كُلِّ صَيْفَةٍ فَذَلِكَ عَصْرٌ قَدْ خَلَا هَا وَذَا عَصْرُ
أَدْخَلَ هَا التَّنْبِيهِ ; وَقَالَ كَعْبٌ :
عَادَ السَّوَادُ بَيَاضًا فِي مَفَارِقِهِ لَا مَرْحَبًا هَا بِذَا اللَّوْنِ الَّذِي رَدَفَا
كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا مَرْحَبًا بِهَذَا اللَّوْنِ ، فَفَرَقَ بَيْنَ هَا وَذَا بِالصِّفَةِ كَمَا يَفْرُقُونَ بَيْنَهُمَا بِالْاسْمِ : هَا أَنَا ، وَهَا هُوَ ذَا . الْجَوْهَرِيُّ : وَالْهَاءُ قَدْ تَكُونُ كِنَايَةً عَنِ الْغَائِبِ وَالْغَائِبَةِ ، تَقُولُ : ضَرَبَهُ وَضَرَبَهَا ، وَهُوَ لِلْمُذَكَّرِ ، وَهِيَ لِلْمُؤَنَّثِ ، وَإِنَّمَا بَنَوُا الْوَاوَ فِي هُوَ وَالْيَاءَ فِي هِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِيَفْرُقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْاسْمِ الْمَكْنِيِّ وَبَيْنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ اللَّتَيْنِ تَكُونَانِ صِلَةً فِي نَحْوِ قَوْلِكَ : رَأَيْتُهُو وَمَرَرْتُ بِهِي ، لِأَنَّ كُلَّ مَبْنِيٍّ فَحَقُّهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى السُّكُونِ ، إِلَّا أَنْ تَعْرِضَ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْحَرَكَةَ ، وَالَّذِي يَعْرِضُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : اجْتِمَاعُ السَّاكِنَيْنِ مِثْلُ كَيْفَ وَأَيْنَ ، وَالثَّانِي : كَوْنُهُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ الْبَاءِ الزَّائِدَةِ ، وَالثَّالِثُ : الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِثْلَ الْفِعْلِ الْمَاضِي يُبْنَى عَلَى الْفَتْحِ ، لِأَنَّهُ ضَارَعَ بَعْضَ الْمُضَارَعَةِ فَفُرِقَ بِالْحَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُضَارِعْ ، وَهُوَ فِعْلُ الْأَمْرِ الْمُوَاجَهِ بِهِ نَحْوَ افْعَلْ ; وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ :
مَا هِيَ إِلَّا شَرْبَةٌ بِالْحَوْأَبِ فَصَعِّدِي مِنْ بَعْدِهَا أَوْ صَوِّبِي
وَقَوْلُ بِنْتِ الْحُمَارِسِ :
هَلْ هِيَ إِلَّا حِظَةٌ أَوْ تَطْلِيقْ أَوْ صَلَفٌ مِنْ بَيْنِ ذَاكَ تَعْلِيقْ
فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَالُوا : هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ شَيْءٍ مَجْهُولٍ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَتَأَوَّلُونَهَا الْقِصَّةَ ; قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ : وَضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا يُفَسِّرُهُ إِلَّا الْجَمَاعَةُ دُونَ الْمُفْرَدِ . قَالَ الْفَرَّاءُ : وَالْعَرَبُ تَقِفُ عَلَى كُلِّ هَاءِ مُؤَنَّثٍ بِالْهَاءِ إِلَّا طَيِّئًا فَإِنَّهُمْ يَقِفُونَ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ فَيَقُولُونَ : هَذِهِ أَمَتْ وَجَارِيَتْ وَطَلْحَتْ ، وَإِذَا أَدْخَلْتَ الْهَاءَ فِي النُّدْبَةِ أَثْبَتَّهَا فِي الْوَقْفِ وَحَذَفْتَهَا فِي الْوَصْلِ ، وَرُبَّمَا ثَبَتَتْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَتُضَمُّ كَالْحَرْفِ الْأَصْلِيِّ ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ : صَوَابُهُ فَتُضَمُّ كَهَاءِ الضَّمِيرِ فِي عَصَاهُ وَرَحَاهُ ، قَالَ : وَيَجُوزُ كَسْرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، هَذَا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ; وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ :
يَا رَبِّ يَا رَبَّاهُ إِيَّاكَ أَسَلْ عَفْرَاءَ يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الْأَجَلْ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَامِرِيُّ ، وَكَانَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ جَعَلَ يَسْأَلُ رَبَّهُ فِي لَيْلَى ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : هَلَّا سَأَلْتَ اللَّهَ فِي أَنْ يُرِيحَكَ مِنْ لَيْلَى وَسَأَلْتَهُ الْمَغْفِرَةَ ! فَقَالَ :
دَعَا الْمُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ بِمَكَّةَ ، شُعْثًا كَيْ تُمَحَّى ذُنُوبُهَا فَنَادَيْتُ يَا رَبَّاهُ أَوَّلَ سَأْلَتِي لِنَفْسِيَ لَيْلَى ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا فَإِنْ أُعْطَ لَيْلَى فِي حَيَاتِيَ لَا يَتُبْ إِلَى اللَّهِ عَبْدٌ تَوْبَةً لَا أَتُوبُهَا
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشِّعْرِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْأَصْلِ ، وَقَدْ تُزَادُ الْهَاءُ فِي الْوَقْفِ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ نَحْوَ لِمَهْ وَسُلْطَانِيَهْ وَمَالِيَهْ وَثُمَّ مَهْ ، يَعْنِي : ثُمَّ مَاذَا ، وَقَدْ أَتَتْ هَذِهِ الْهَاءُ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا قَالَ :
هُمُ الْقَائِلُونَ الْخَيْرَ وَالْآمِرُونَهُ إِذَا مَا خَشَوْا مِنْ مُعْظَمِ الْأَمْرِ مُفْظِعًا
فَأَجْرَاهَا مُجْرَى هَاءِ الْإِضْمَارِ ، وَقَدْ تَكُونُ الْهَاءُ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ مَثْلَ هَرَاقَ وَأَرَاقَ ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ : ثَلَاثَةُ أَفْعَالٍ أَبْدَلُوا مِنْ هَمْزَتِهَا هَاءً ، وَهِيَ : هَرَقْتُ الْمَاءَ ، وَهَنَرْتُ الثَّوْبَ ، وَهَرَحْتُ الدَّابَّةَ ، وَالْعَرَبُ يُبْدِلُونَ أَلِفَ الْاسْتِفْهَامِ هَاءً ; قَالَ الْشَّاعِرُ :
وَأَتَى صَوَاحِبُهَا فَقُلْنَ هَذَا الَّذِي مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا
يَعْنِي : أَذَا الَّذِي ، وَهَا كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ ، وَقَدْ كَثُرَ دُخُولُهَا فِي قَوْلِكَ : ذَا وَذِي فَقَالُوا : هَذَا وَهَذِي ، وَهَذَاكَ وَهَذِيكَ ، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَا لِمَا بَعُدَ [ ص: 8 ] وَهَذَا لِمَا قَرُبَ ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : هَا إِنَّ هَهُنَا عِلْمًا ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً ; هَا ، مَقْصُورَةً : كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ لِلْمُخَاطَبِ يُنَبَّهُ بِهَا عَلَى مَا يُسَاقُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ ، وَقَالُوا : هَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَهَا مُنَبِّهَةٌ مُؤَكِّدَةٌ ; قَالَ الْشَّاعِرُ :
وَقَفْنَا فَقُلْنَا هَا السَّلَامُ عَلَيْكُمُ فَأَنْكَرَهَا ضَيْقُ الْمَجَمِّ غَيُورُ
وَقَالَ الْآخَرُ :
هَا إِنَّهَا إِنْ تَضِقِ الصُّدُورُ لَا يَنْفَعُ الْقُلُّ وَلَا الْكَثِيرُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هَا اللَّهِ ، يُجْرَى مُجْرَى دَابَّةٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ ، وَقَالُوا : هَا أَنْتَ تَفْعَلُ كَذَا ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ : هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ، وَهَأَنْتَ ، مَقْصُورٌ ، وَهَا ، مَقْصُورٌ : لِلتَّقْرِيبِ ، إِذَا قِيلَ لَكَ : أَيْنَ أَنْتَ فَقُلْ : هَا أَنَا ذَا ، وَالْمَرْأَةُ تَقُولُ : هَا أَنَا ذِهْ ، فَإِنْ قِيلَ لَكَ : أَيْنَ فُلَانٌ ؟ قُلْتَ إِذَا كَانَ قَرِيبًا : هَا هُوَ ذَا ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا قُلْتَ : هَا هُوَ ذَاكَ ، وَلِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ قَرِيبَةً : هَا هِيَ ذِهْ ، وَإِذَا كَانَتْ بَعِيدَةً : هَا هِيَ تِلْكَ ، وَالْهَاءُ تُزَادُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى سَبْعَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْفَاعِلَةِ مِثْلَ ضَارِبٍ وَضَارِبَةٍ ، وَكَرِيمٍ وَكَرِيمَةٍ ، وَالثَّانِي : لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي الْجِنْسِ نَحْوَ امْرِئٍ وَامْرَأَةٍ ، وَالثَّالِثُ : لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ مِثْلَ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ ، وَبَقَرَةٍ وَبَقَرٍ ، وَالرَّابِعُ : لِتَأْنِيثِ اللَّفْظَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهَا حَقِيقَةُ تَأْنِيثٍ نَحْوَ قِرْبَةٍ وَغُرْفَةٍ ، وَالْخَامِسُ : لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ فِي الْمَدْحِ ، وَهِلْبَاجَةٍ وَفَقَاقَةٍ فِي الذَّمِّ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ مَدْحًا يَذْهَبُونَ بِتَأْنِيثِهِ إِلَى تَأْنِيثِ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالدَّاهِيَةِ ، وَمَا كَانَ ذَمًّا يَذْهَبُونَ فِيهِ إِلَى تَأْنِيثِ الْبَهِيمَةِ ، وَمِنْهُ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ نَحْوَ رَجُلٌ مَلُولَةٌ ، وَامْرَأَةٌ مَلُولَةٌ ، وَالسَّادِسُ : مَا كَانَ وَاحِدًا مِنْ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْأُنْثَى نَحْوَ بَطَّةٍ وَحَيَّةٍ ، وَالسَّابِعُ : تَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَدُلَّ عَلَى النَّسَبِ نَحْوَ الْمَهَالِبَةِ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَدُلَّ عَلَى الْعُجْمَةِ نَحْوَ الْمَوَازِجَةِ وَالْجَوَارِبَةِ ، وَرُبَّمَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْهَاءُ كَقَوْلِهِمْ كَيَالِجُ ، وَالثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ عِوَضًا مِنْ حَرْفٍ مَحْذُوفٍ نَحْوَ الْمَرَازِبَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْعَبَادِلَةِ ، وَهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ : أَسْقَطَ الْجَوْهَرِيُّ مِنَ الْعَبَادِلَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَهُوَ الرَّابِعُ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَقَدْ تَكُونُ الْهَاءُ عِوَضًا مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ فَاءِ الْفِعْلِ نَحْوَ عِدَةٍ وَصِفَةٍ ، وَقَدْ تَكُونُ عِوَضًا مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ الذَّاهِبَةِ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ نَحْوَ ثُبَةِ الْحَوْضِ ، أَصْلُهُ مِنْ ثَابَ الْمَاءُ يَثُوبُ ثَوْبًا ، وَقَوْلُهُمْ : أَقَامَ إِقَامَةً ، وَأَصْلُهُ إِقْوَامًا ، وَقَدْ تَكُونُ عِوَضًا مِنَ الْيَاءِ الذَّاهِبَةِ مِنْ لَامِ الْفِعْلِ نَحْوَ مَائِةٍ وَرِئِةٍ وَبُرَةٍ ، وَهَا التَّنْبِيهِ قَدْ يُقْسَمُ بِهَا فَيُقَالُ : لَاهَا اللَّهِ مَا فَعَلْتُ أَيْ : لَا وَاللَّهِ ، أُبْدِلَتِ الْهَاءُ مِنَ الْوَاوِ ، وَإِنْ شِئْتَ حَذَفْتَ الْأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْهَاءِ ، وَإِنْ شِئْتَ أَثْبَتَّ ، وَقَوْلُهُمْ : لَاهَا اللَّهِ ذَا ، بِغَيْرِ أَلِفٍ ، أَصْلُهُ لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ ، فَفَرَّقْتَ بَيْنَ هَا وَذَا ، وَجَعَلْتَ اسْمَ اللَّهِ بَيْنَهُمَا وَجَرَرْتَهُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ ، وَالتَّقْدِيرُ لَا وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ هَذَا ، فَحُذِفَ وَاخْتُصِرَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذَا فِي كَلَامِهِمْ ، وَقُدِّمَ هَا كَمَا قُدِّمَ فِي قَوْلِهِمْ هَا هُوَ ذَا ، وَهَأَنَذَا ; قَالَ زُهَيْرٌ :
تَعَلَّمًا هَا لَعَمْرُ اللَّهِ ذَا قَسَمًا فَاقْصِدْ بِذَرْعِكَ وَانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكُ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ حُنَيْنٍ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ ; هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ : لَاهَا اللَّهِ إِذًا ، وَالصَّوَابُ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ ، وَمَعْنَاهُ لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَا وَلَا وَاللَّهِ الْأَمْرُ ذَا ، فَحُذِفَ تَخْفِيفًا ، وَلَكَ فِي أَلِفِ هَا مَذْهَبَانِ : أَحَدُهُمَا : تُثْبِتُ أَلِفَهَا لِأَنَّ الَّذِي بَعْدَهَا مُدْغَمٌ مِثْلُ دَابَّةٍ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَحْذِفَهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، وَهَاءِ : زَجْرٌ لِلْإِبِلِ وَدُعَاءٌ لَهَا ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ إِذَا مَدَدْتَ ، وَقَدْ يُقْصَرُ ، تَقُولُ هَاهَيْتُ بِالْإِبِلِ إِذَا دَعَوْتَهَا كَمَا قُلْنَاهُ فِي حَاحَيْتُ ، وَمَنْ قَالَ هَا فَحَكَى ذَلِكَ قَالَ هَاهَيْتُ . وَهَاءَ أَيْضًا : كَلِمَةُ إِجَابَةٍ وَتَلْبِيَةٍ ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، الْأَزْهَرِيُّ : قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هَاءَ وَهَاكَ بِمَنْزِلَةِ حَيَّهَلَ وَحَيَّهَلَكَ ، وَكَقَوْلِهِمُ النَّجَاكَ ، قَالَ : وَهَذِهِ الْكَافُ لَمْ تَجِئْ عَلَمًا لِلْمَأْمُورِينَ وَالْمَنْهِيِّينَ وَالمُضْمَرِينَ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَمًا لمُضْمَرِينَ لَكَانَتْ خَطَأً لِأَنَّ الْمُضْمَرَ هُنَا فَاعِلُونَ ، وَعَلَامَةُ الْفَاعِلِينَ الْوَاوُ كَقَوْلِكَ افْعَلُوا ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْكَافُ تَخْصِيصًا وَتَوْكِيدًا وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ ، وَلَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَ النَّجَاكُ مُحَالًا لِأَنَّكَ لَا تُضِيفُ فِيهِ أَلِفًا وَلَامًا ، قَالَ : وَكَذَلِكَ كَافُ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْمٍ ، ابْنُ الْمُظَفَّرِ : الْهَاءُ حَرْفٌ هَشٌّ لَيِّنٌ قَدْ يَجِيءُ خَلَفًا مِنَ الْأَلِفِ الَّتِي تُبْنَى لِلْقَطْعِ ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ; جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَإِذَا قَرَأَهُ رَأَى فِيهِ تَبْشِيرَهُ بِالْجَنَّةِ فَيُعْطِيهِ أَصْحَابَهُ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَ ، أَيْ : خُذُوهُ وَاقْرَءُوا مَا فِيهِ لِتَعْلَمُوا فَوْزِي بِالْجَنَّةِ ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : إِنِّي ظَنَنْتُ ، أَيْ : عَلِمْتُ : أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ، وَفِي هَاءٍ بِمَعْنَى خُذْ لُغَاتٌ مَعْرُوفَةٌ ; قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : يُقَالُ هَاءَ يَا رَجُلُ ، وَهَاؤُمَا يَا رَجُلَانِ ، وَهَاؤُمْ يَا رِجَالُ ، وَيُقَالُ : هَاءِ يَا امْرَأَةُ ، مَكْسُورَةً بِلَا يَاءٍ ، وَهَائِيَا يَا امْرَأَتَانِ ، وَهَاؤُنَّ يَا نِسْوَةُ ، وَلُغَةٌ ثَانِيَةٌ : هَأْ يَا رَجُلُ ، وَهَاءَا بِمَنْزِلَةِ هَاعَا ، وَلِلْجَمْعِ هَاءُوا ، وَلِلْمَرْأَةِ هَائِي ، وَلِلتَّثْنِيَةِ هَاءَا ، وَلِلْجَمْعِ هَأْنَ ، بِمَنْزِلَةِ هَعْنَ ، وَلُغَةٌ أُخْرَى : هَاءِ يَا رَجُلُ ، بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ، وَلِلْاثْنَيْنِ هَائِيَا ، وَلِلْجَمْعِ هَاءُوا ، وَلِلْمَرْأَةِ هَائِي ، وَلِلثِّنْتَيْنِ هَائِيَا ، وَلِلْجَمْعِ هَائِينَ ، قَالَ : وَإِذَا قُلْتُ لَكَ هَاءَ قُلْتَ : مَا أَهَاءُ يَا هَذَا ، وَمَا أَهَاءُ أَيْ : مَا آخُذُ وَمَا أُعْطِي ، قَالَ : وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْكِسَائِيُّ ، قَالَ : وَيُقَالُ هَاتِ وَهَاءِ أَيْ : أَعْطِ وَخُذْ ; قَالَ الْكُمَيْتُ :
وَفِي أَيْامِ هَاتِ بَهَاءِ نُلْفَى إِذَا زَرِمَ النَّدَى مُتَحَلِّبِينَا
قَالَ : وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ : هَاكَ هَذَا يَا رَجُلُ ، وَهَاكُمَا هَذَا يَا رَجُلَانِ ، وَهَاكُمْ هَذَا يَا رِجَالُ ، وَهَاكِ هَذَا يَا امْرَأَةُ ، وَهَاكُمَا هَذَا يَا امْرَأَتَانِ ، وَهَاكُنَّ يَا نِسْوَةُ ، أَبُو زَيْدٍ : يُقَالُ هَاءَ يَا رَجُلُ ، بِالْفَتْحِ ، وَهَاءِ يَا رَجُلُ ، بِالْكَسْرِ ، وَهَاءَا لِلْاثْنَيْنِ فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا بِالْفَتْحِ ، وَلَمْ يَكْسِرُوا فِي الْاثْنَيْنِ ، وَهَاءُوا فِي الْجَمْعِ ; وَأَنْشَدَ :
قُومُوا فَهَاءُوا الْحَقَّ نَنْزِلْ عِنْدَهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ عَلَيْنَا مَفْخَرُ
وَيُقَالُ هَاءٍ ، بِالتَّنْوِينِ ; وَقَالَ :
وَمُرْبِحٍ قَالَ لِي هَاءٍ فَقُلْتُ لَهُ حَيَّاكَ رَبِّي لَقَدْ أَحْسَنْتَ بِي هَائِي
[ ص: 9 ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : فَهَذَا جَمِيعُ مَا جَازَ مِنَ اللُّغَاتِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِي الرِّبَا : لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ هَاءَ أَيْ : خُذْ فَيُعْطِيهِ مَا فِي يَدِهِ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ هَاكَ وَهَاتِ أَيْ : خُذْ وَأَعْطِ ، قَالَ : وَالْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لَا تَشْتَرُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ أَيْ : إِلَّا يَدًا بِيَدٍ ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَعْنِي مُقَابَضَةً فِي الْمَجْلِسِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ هَاكَ وَهَاتِ كَمَا ; قَالَ :
وَجَدْتُ النَّاسَ نَائِلُهُمْ قُرُوضٌ كَنَقْدِ السُّوقِ خُذْ مِنِّي وَهَاتِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ هَا وَهَا ، سَاكِنَةَ الْأَلِفِ ، وَالصَّوَابُ مَدُّهَا وَفَتْحُهَا لِأَنَّ أَصْلَهَا هَاكَ أَيْ : خُذْ ، فَحُذِفَتِ الْكَافُ وَعُوِّضَتْ مِنْهَا الْمُدَّةُ وَالْهَمْزَةُ ، وَغَيْرُ الْخَطَّابِيِّ يُجِيزُ فِيهَا السُّكُونَ عَلَى حَذْفِ الْعِوَضِ وَتَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ ; وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : هَا وَإِلَّا جَعَلْتُكَ عِظَةً ، أَيْ : هَاتِ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى قَوْلِكَ ، الْكِسَائِيُّ : يُقَالُ فِي الْاسْتِفْهَامِ إِذَا كَانَ بِهَمْزَتَيْنِ أَوْ بِهَمْزَةٍ مُطَوَّلَةٍ بِجَعْلِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى هَاءً ، فَيُقَالُ : هَأَلرَّجُلُ فَعَلَ ذَلِكَ ، يُرِيدُونَ آلرَّجُلُ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَهَأَنْتَ فَعَلَتْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرَيْنِ هَالذَّكَرَيْنِ ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْاسْتِفْهَامِ بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَجْعَلُونَ الْهَمْزَةَ هَاءً مِثْلَ قَوْلِهِ : أَتَّخَذْتُمْ ، أَصْطَفَى ، أَفْتَرَى ، لَا يَقُولُونَ : هَاتَّخَذْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ قِيلَتْ لَكَانَتْ وَطِيِّءٌ تَقُولُ : هَزَيْدٌ فَعَلَ ذَلِكَ ، يُرِيدُونَ أَزَيْدٌ فَعَلَ ذَلِكَ . وَيُقَالُ : أَيَا فُلَانٌ وَهَيَا فُلَانٌ ; وَأَمَّا قَوْلُ شَبِيبِ بْنِ الْبَرْصَاءِ :
نُفَلِّقُ هَا مَنْ لَمْ تَنَلْهُ رِمَاحُنَا بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ
فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ : فِي هَذَا تَقْدِيمٌ مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ ، إِنَّمَا هُوَ نُفَلِّقُ بِأَسْيَافِنَا هَامَ الْمُلُوكِ الْقَمَاقِمِ ، ثُمَّ قَالَ : هَا مَنْ لَمْ تَنَلْهُ رِمَاحُنَا ، فَهَا تَنْبِيهٌ .
|