[ ص: 327 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
فِي عَاشِرِ مُحَرَّمٍ مِنْهَا عَمِلَتِ الرَّافِضَةُ بِدْعَتَهُمُ الْمُحَرَّمَةَ عَلَى عَادَتِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرِهَا .
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا أَخَذَتِ الْقَرَامِطَةُ دِمَشْقَ وَقَتَلُوا نَائِبَهَا جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ مِنْ جِهَةِ الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ ، وَكَانَ رَئِيسَ الْقَرَامِطَةِ وَأَمِيرَهُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَهْرَامٍ ، وَقَدْ أَمَدَّهُ عِزُّ الدَّوْلَةِ مِنْ بَغْدَادَ بِسِلَاحٍ وَعُدَدٍ كَثِيرَةٍ ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى الرَّمْلَةِ فَأَخَذُوهَا ، وَتَحَصَّنَ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَغَارِبَةِ بِيَافَا ، فَتَرَكُوا عَلَيْهَا مَنْ يَحْصُرُهَا ، ثُمَّ سَارُوا نَحْوَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَابِ وَالْإِخْشِيدِيَّةِ وَالْكَافُورِيَّةِ ، فَوَصَلُوا عَيْنَ شَمْسٍ فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَجُنُودُ جَوْهَرٍ قِتَالًا شَدِيدًا ، وَالظَّفَرُ لِلْقَرَامِطَةِ ، وَحَصَرُوا الْمَغَارِبَةَ حَصْرًا عَظِيمًا .
ثُمَّ حَمَلَتِ الْمَغَارِبَةُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى مَيْمَنَةِ الْقَرَامِطَةِ فَهَزَمَتْهَا ، وَرَجَعَتِ الْقَرَامِطَةُ إِلَى الشَّامِ فَجَدُّوا فِي حِصَارِ يَافَا فَأَرْسَلَ جَوْهَرٌ إِلَى أَصْحَابِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَرْكَبًا ، مِيرَةً لِأَصْحَابِهِ ، فَأَخَذَتْهَا مَرَاكِبُ الْقَرَامِطَةِ ، سِوَى مَرْكَبَيْنِ أَخَذَتْهَا الْفِرِنْجُ . وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ .
[ ص: 328 ] وَمِنْ شَعْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَهْرَامٍ أَمِيرِ الْقَرَامِطَةِ :
زَعَمَتْ رِجَالُ الْغَرْبِ أَنِّي هِبْتُهَا فَدَمِي إِذَنْ مَا بَيْنَهُمْ مَطْلُولُ يَا مِصْرُ إِنْ لَمْ أَسْقِ أَرْضَكِ مِنْ دَمٍ يَرْوِي ثَرَاكِ فَلَا سَقَانِي النِّيلُ وَفِيهَا تَزَوَّجَ أَبُو تَغْلِبَ بْنُ حَمْدَانَ ابْنَةَ بَخْتِيَارَ عِزِّ الدَّوْلَةِ ، وَعُمُرُهَا ثَلَاثُ سِنِينَ ، عَلَى صَدَاقٍ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِي صَفَرٍ .
وَفِيهَا اسْتَوْزَرَ مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ بْنُ رُكْنِ الدَّوْلَةِ الصَّاحِبَ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ عَبَّادٍ ، فَأَصْلَحَ أُمُورَهُ كُلَّهَا وَسَاسَ دَوْلَتَهُ جَيِّدًا .
وَفِيهَا أُذِّنَ بِدِمَشْقَ وَسَائِرِ الشَّامِ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ .
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ فَلَاحٍ نَائِبِ دِمَشْقَ : أَوَّلُ مَنْ تَأَمَّرَ بِهَا عَنِ الْفَاطِمِيِّينَ وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِذَلِكَ نِيَابَةً عَنِ الْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ صَاحِبِ الْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْأَلْهَانِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِرَامٍ : وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ أَعْلَنَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْجَامِعِ بِدِمَشْقَ وَسَائِرِ مَآذِنِ الْبَلَدِ ، وَمَآذِنِ الْمَسَاجِدِ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ، بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ جَعْفَرُ بْنُ فَلَاحٍ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ ، وَلَا وَجَدُوا مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ بُدًّا .
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، الثَّامِنِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا أُمِرَ الْمُؤَذِّنُونَ أَنْ يُثَنُّوا الْأَذَانَ [ ص: 329 ] وَالتَّكْبِيرَ فِي الْإِقَامَةِ مَثْنَى مَثْنَى ، وَأَنْ يَقُولُوا فِي الْإِقَامَةِ : حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ . فَاسْتَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ ، وَصَبَرُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
|