الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة التفكير وتقلب المزاج منذ الصغر .. التشخيص والعلاج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ صغري من كثرة التفكير وتقلب المزاج، حيث أغضب بسرعة لأبسط الأشياء، ولو تحدت اثنان فإنني أظن أنهم يتكلمون عني، وقد وصل الأمر إلى الخوف من المرض، فصرت أنتقل من طبييب الصدز إلى القلب إلى القولون، ولم أعد أستطيع المرور من أمام المستشفى أو أسمع عن أي مرض خطير.

ولم أكن أعرف أن هذا مرض نفسي، وبعد معاناة سنوات من عدم النوم والأكل زرت الطبيب النفسي فوصف لي زولفت حبة واحدة، فتناولتها عاماً كاملاً وتوقفت عنها منذ ثلاثة أشهر بعد التحسن.

وأشعر أن الأمر بدأ يعود مرة أخرى، فعندما أكون في مزاج طبيعي أساعد الناس وأتكلم معهم وأصلي بهم عند غياب الإمام، رغم أن قلبي ينبض بسرعة في كثير من الأمور كالدخول عند الطبيب، ولا أثق بتحليلات الطبيب في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يتغير مزاجي فلا أستطيع أن أتكلم مع أحد ولا مع زوجتي وأطفالي.

علماً بأن عمري 41 عاماً، وقد ذهبت صغيراً إلى فرنسا، وكلما أتذكر أمي أبكي بكاء شديداً، وأختلي يومياً بنفسي وأبكي، وإذا كنت مع أصدقائي فإنني أكون كثير الضحك، وأخاف من الله خوفاً شديداً، وطبيبي في هذا البلد طبيب عام وليس عنده مشكلة في أن يصف لي الطبيب النفسي أي دواء، فما الدواء المناسب لحالتي؟

وجزاكم االله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد المغربي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد ذكرت أنك متقلب المزاج وسريع الغضب، وهذا نوع من التفاعلات النفسية الوجدانية، ويكون القلق هو الأساس لمثل هذه الأعراض، ومن الواضح أنك لديك بعض المخاوف خاصة المخاوف المرضية، ويعرف أن القلق والمخاوف تكون كثيراً مصحوبة بأعراض عسر المزاج والشعور بشيء من الكدر والكآبة في بعض الأحيان.

وأؤكد لك أن حالتك بسيطة، وأنت قد استجبت للزولفت Zoloft في المرة السابقة ولله الحمد، وهذا دليل جيد أن استجاباتك إن شاء الله للأدوية إيجابية.

والذي أدى إلى الانتكاسة هو أنك لم تعمل بصورة جادة لتعديل السلوك وبناء سلوك جديد، بمعنى أن الجانب السلوكي المعرفي يجب أن لا نهمله حيث أنه علاج أساسي يدعم العلاج الدوائي، بل يتفوق على العلاج الدوائي في أنه يمنع الانتكاسات حتى بعد أن يتوقف الإنسان عن تناول الدواء.

وأحب أن أبين لك أن العلاج السلوكي هو علاج بسيط، نعرف أنه علاج يجب أن يقوم به المختصون، ولكن كل إنسان يمكن أن يغير من نفسه ويمكن أن يغير من سلوكه، فأنت على سبيل المثال حين تفهم أن هذا مجرد قلق نفسي وليس أكثر من ذلك، فهذا يجب أن يكون مطمئناً لك، وهذا إذا استشعرته داخلياً بصورة قوية فلا شك أنه يخفف من هذا القلق.

والشيء الآخر: هو أن لا تتجنب مصادر خوفك، فقد ذكرت أنك أصبحت تتجنب المستشفيات وكل ما له علاقة بذلك، واعلم أن المستشفيات هي نعمة من نعم الله وأنها مكان للعلاج، فيجب أن يكون لك نظرة إيجابية حيالها، وأنصحك أيضاً بزيارة المرضى، وأعرف أنك في بلد ربما لا تكون فيه علاقات كبيرة ومتسعة، ولكن سيكون من الجيد إذا سمعت عن أي مريض ممن تعرف أن تحاول زيارته، وهذا يجعلك تدخل في مرحلة سلوكية نسميه بالتعريض، أي أنك عرضت نفسك لمصادر الخوف.

وأرجو أن تكون حريصاً على الأذكار، فهناك أذكار للخوف وهناك أذكار للمرض وهناك أذكار لكل شيء (للخروج والدخول واللباس والجماع)، فحاول أن تكون محافظاً على هذه الأذكار.

وأما زيارة الأطباء وتعدد الذهاب إليهم فهو أمر لا ننصح به كثيراً، خاصة في هذه الحالات النفسية؛ لأن كل طبيب قد يعطيك تفسيراً من وجهة نظره ربما يطابق تفسير الطبيب الآخر أو ربما يختلف عنه قليلاً أو كثيراً، وهذا يجعل الإنسان في حالة من عدم اليقين مما تهتز ثقته في نفسه وبما يقوله الأطباء.

وسيكون من الجيد لك أن تمارس الرياضة، فالرياضة جيدة وفاعلة في امتصاص كل الطاقات النفسية السلبية، فقد وجد أن الرياضة تؤدي إلى إفراز مواد كيميائية داخلية تؤدي إلى تحسن المزاج، وتؤدي إلى الشعور بالراحة والاسترخاء.

ولابد أن تستشعر الأشياء الإيجابية في حياتك، وهي كثيرة بفضل الله، فأنت لديك زوجة ولديك الذرية ولديك أصدقاء، وأنت في هذه الأمة الإسلامية العظيمة ولله الحمد، فحاول أن تفكرك معرفياً، أي أن تنقل نفسك من التفكير السلبي إلى التفكير الإيجابي، ولابد أن تقيم نفسك تقييماً صحيحاً، فالتقييم النفسي الصحيح وأن يضع الإنسان نفسه في القدر الذي يستحقه دون تهوين ودون تهويل ودون مبالغة ودون تحقير يساعد في رفع الكفاءة النفسية.

وأما بالنسبة للعلاج الدوائي فهناك أدوية كثيرة تشابه الزولفت وهي كلها أدوية مفيدة ولله الحمد، وإذا أردت أن تتناول الزولفت فأعتقد أن هذا قرار سليم، وأنصحك أن تبدأ بجرعة حبة واحدة (خمسين مليجراماً) ليلاً لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبتين ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم تخفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة عام، وهذه هي الجرعة الوقائية والجرعة العلاجية.

وإذا أردت أن تنتقل إلى عقار آخر فربما يكون العقار الذي يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) جيداً وممتازاً، تبدأ بجرعة عشرة مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى حبة واحدة (عشرين مليجراماً) وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، وإذا لم تحس بتحسن حقيقي بعد هذه المدة – بعد انقضاء الثلاثة أشهر – فارفع الجرعة إلى حبتين (أربعين مليجراماً) واستمر عليها لمدة ستة أشهر، وسوف تشعر إن شاء الله بالراحة التامة، وابدأ بعدها في تخفيض الدواء بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وهذا الدواء من الأدوية السليمة والجيدة وهو مزيل للخوف والقلق ومحسن للمزاج، وليس له آثار جانبية خطيرة، وله نفس الآثار الجانبية التي يسببها الزولفت، وهي أنه ربما يؤخر قليلاً القذف المنوي لدى بعض الرجال، وننصح بأن تسحب الجرعة تدريجياً، فهذا أحوط وأفضل.

ويوجد عقار أيضاً يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine) وآخر يعرف تجارياً باسم (سبراليكس Cipralex) ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، وكلها علاجات مفيدة ولله الحمد.

ونصيحتي الأخيرة لك هي: أن تكون حريصاً في أن تدعم العلاج الدوائي بالعلاج السلوكي، وأنا سعيد أنك متمسك بدينك وأنك تراقب نفسك وأن الخوف من الله تعالى شديد، ولكن الإنسان لابد أن يعيش بين الخوف والرجاء، وخوفنا من الله تعالى هو وسيلة وطاقة تدفعنا لأن نكون أكثر طاعة وأكثر التزاماً بما أمرنا به الله تعالى، ونعرف أننا في حفظه وأننا في حرزه، وأن الأمر له أولاً وأخيراً.
وختاماً: نشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً