الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل نصبر على الابتلاء والمرض أم ندعو الله بالشفاء؟

السؤال

السلام عليكم.

معروف أن الله ابتلى أيوب -عليه السلام- لسنوات، ولم يدع أيوب عليه السلام بالشفاء إلا بعد أن اشتد عليه المرض، ولكن لماذا؟ لماذا امتنع عن الدعاء؟ لو دعا الله أن يشفيه من قبل فهل يعتبر ذلك منافيا للصبر؟ وكذلك لما سألته زوجته عن الأمر قال بمعنى أن الله عافاه أربعين عاما أفلا يصبر لأربعين سنة أخرى؟ ماذا قصد بذلك؟ لا نقارن أنفسنا بالأنبياء، ولكن لو وضعنا في موقف كهذا فما المفترض أن نفعل؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ميساء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك، ونسأل الله أن يرزقك التوفيق والسداد، والجواب على ما ذكرت لا شك أن أيوب عليه السلام ممن اشتد بلاؤه وكان من الصابرين المحتسبين، وقد أثنى الله على صبره حيث قال " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" [ سورة ص آية ٤٤ ]؛ وقال رسول الله صلى الله " إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين"
ولا شك أن من نزل به البلاء فإن له أجرا عظيما كما قال تعالى { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر : 10].

ولا شك أيضا أن الرضا بقضاء الله وقدره، وترك التسخط علامة على الخير كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط» رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 2110.

ولا شك أيضا أن السعي في رفع البلاء إما أن يكون بالدعاء أو التداوي مطلوب شرعا، وهذا ما فعله أيوب عليه السلام حيث ذكر الله عنه " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" [ سورة ص آية ٤١ ]؛ وقال تعالى "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" [ سورة الأنبياء آية ٨٣ ]؛ ولذلك لا أدري من أين فهمت أن أيوب عليه السلام لم يدع الله إلا عندما اشتد بلاؤه، فلم يأت دليل صحيح يفيد أنه تأخر في الدعاء بل ظاهر نص الآيتين أنه دعا الله، وتضرع إليه ولم يتأخر في الدعاء.

والمهم أن علينا إذا وقع البلاء علينا أن نسارع في رفعه بكل طريق مشروع بالدعاء أو بالتداوي، ثم إذا افترضنا أن أيوب عليه السلام أنه تأخر في الدعاء فلعله فضل الصبر والاحتساب، وهذا جائز شرعا أن لا يسعى الإنسان في رفع البلاء ويصبر حتى ينال الأجر عند الله تعالى، فقد ورد عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت إني أصرع، وإني أتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها " رواه البخاري ومسلم.

وأما تأخر رفع البلاء إلى مدة ولو طالت كما حصل لأيوب عليه السلام فلا شك أن ذلك لحكمة بالغة يعلمها الله، ومن تلك الحكم تكفير الذنوب والخطايا، ورفع الدرجات، في حق غير الأنبياء، فقد ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" رواه البخاري.

ومن حكم طول أمد البلاء رفع المنزلة للعبد لا يصلها بعمله وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها» رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 730.

ولنا أسوة بنبي الله -أيوب عليه السلام- ظل في البلاء قرابة ثمانية عشر سنة، ومع ذلك ظل صابرا محتسبا إلى أن رفع الله البلاء ولم يستعجل في رفعه.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر أحمد

    شكراً لكم علي المعلومة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً