الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغم حرصي على الطاعة إلا أني ما زلت أسقط؛ فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

اسمي أحمد, وأبلغ من العمر 29 عاما، لبناني الجنسية, أعمل وأقيم في دولة الإمارات, وأنا من المتابعين لهذا الموقع المبارك, حيث استفدت من الكثير من المشاكل التي طرحت, أتمنى عليكم أن تساعدوني في مشكلتي:

منذ بلغت وأنا أصلي وأصوم, ومنذ أكثر من 7 سنوات بدأت أقوم الليل وأتهجد كثيرا, على الأقل مرتين في الأسبوع, وأديت مناسك العمرة السنة الماضية، والبارحة قمت ولأول مرة بقيام الليل بـ (1000) آية, بعد أن قرأت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قام بألف آية كتب من المقنطرين).

وأيضا أتصدق كثيرا, وألح بالدعاء، فمثلا أدعو الله أن يوفقني ويرزقني النجاح في العمل, والتقدم في الدراسة, وفي الرياضة, وفي جميع مجالات الحياة، وأن يرزقني الزوجة الصالحة.

إنني آخذ بالأسباب، فمثلا أسمع, وأقرأ, وأشاهد المحاضرات الدينية, والمتعلقة بالتنمية البشرية لكثير من العلماء, ولكن حتى الآن ما زلت أرتكب المعاصي، كإطلاق البصر, وممارسة العادة السرية مرتين في الشهر، وما زلت أخطئ في عملي, ولا أتقدم, ولا أتطور, ولا أنجح في أي شيء أقوم به, وأشعر بأنني لم أحقق شيئا حتى الآن, ما أدى إلى عدم تميزي في أي شيء.

بدأت أفقد ثقتي بنفسي, وبدأت أتخبط, وأضيع, وأسأل نفسي كل يوم لماذا يحدث هذا لي.

إنني بأمس الحاجة لمساعدتكم، أفيدوني أرجوكم؛ لأنني تعبت من هذه الحالة التي أعاني منها منذ زمن، ولأنني أحب أن أكون من الناجحين في الحياة وأقتدي بالعلماء, والمشايخ, وبكل الناجحين في الحياة من مسلمين, وغيرهم.

والسلام عليكم ورحمة الله, وكل عام وأنتم بخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابننا الفاضل في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الذي يدل على خير كثير، بل يدل على أنك بطل، فأبطل الأبطال وأشد الناس عظمة هو الذي ينجح في أن يقوم الليل، وفي أن يصلي لله تبارك وتعالى بألف آية ليكون من المقنطرين، والحديث صححه الألباني –رحمة الله عليه– فهنيئًا لك بهذا الخير، وهنيئًا لك بما تقوم به من الصدقة، والاجتهاد في الطاعة، وهنيئًا لك بهذه الرغبة في أن تتميز، ونعتقد أن هذه هي البداية الهامة جدًّا في كل نجاح وتوفيق، وأنت بفضل الرحمن الرحيم من الناجحين.

إن معظم -كما يظهر- للناس يصعب عليهم أن يستيقظوا في ليلة ليذكروا ربهم، ويصعب عليهم أن يصلوا صلاة طويلة ذات خشوع، بل يصعب على الكثير منهم أن يُخرج درهمًا ودينارًا، وأنت ولله الحمد تُكثر من الصدقة، وتُكثر من فعل الخير.

فنسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، ونتمنى أن يكثر الله تبارك وتعالى من أمثالك في الشباب، الحريص على القيام والصلاة والسجود لله تبارك وتعالى، والحريص كذلك على النجاح واكتساب مهارات الحياة، والاستفادة من خبرات البشر جميعًا من المسلمين وغيرهم، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى الناس بها.

فهنيئًا لك بهذا التميز، وأنت لأن طموحك كبير ترى أنك غير متميز، لكنك ولله الحمد متميز في جوانب كثيرة، فعليك أن تستكمل وتستدرك جوانب الخلل، ونعتقد أن هذا السؤال بداية موفقة ومرشّدة بحول الله وقوته لتحديد مواطن الخلل ومواطن النقص.

الإنسان –يا ابني الكريم– عندما يضع أهدافًا ينبغي أن تكون الأهداف أهدافا معقولة، وينبغي أن تكون الأهداف متناسبة، وينبغي أن يسعى في سعيه وصعوده في سلم المعالي سعيًا مرتبًا، لا يُسرع جدًّا, ولا يبالغ جدًّا, ولا يكون بطيئًا، فإن المُنبتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرًا أبقى، ولعلك تعلم أن المتسابق الناجح في ميادين السباق ليس الذي يبدأ مُندفعًا وبسرعة شديدة، قد يصفق له الجمهور في البداية، لكنه لا يُكمل السباق، بل إن المتميز والمتسابق الناجح هو الذي يبدأ بسرعة معتدلة، يحافظ عليها، ولا مانع في نهاية الطريق أن يشتد إذا رأى الحلبة النهائية, أو إذا رأى مضمار السباق الذي يريد أن يصل إليه, أو علامة الفوز التي يريد أن يصل إليها.

ولذلك نحن ندعوك إلى أن تنتبه لهذا الجانب، ثم ندعوك أيضًا إلى أن تبين النجاحات التي تحققت لنفسك، لأن الإنسان إذا نجح في المرة الأولى بنسبة عشرين بالمائة وحيّ نفسه, وفرح بالنجاح, وشكر الله عليه، نال بشكره المزيد، وكان في ذلك عون له على الصعود, وعون في الاستمرار إلى الأمام، فيأتي بعد ذلك بأربعين بالمائة, خمسين بالمائة, حتى يصل مائة في المائة بفضل الله ومنه، وباستعانته بالله تبارك وتعالى, ويطلب التوفيق والتأييد منه وحده سبحانه وتعالى.

ولذلك نحن ندعوك إلى أن تقف لتقيم ما وصلت إليه، فتحمد الله عليه، والله هو القائل: {وإذ تأذن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم} فمن شكر النعمة أن يعترف الإنسان بفضل الوهّاب، ثم كذلك أن يستخدم هذه النعم فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، فالشكر هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافًا، (وفقني الله، نجحني الله، أيدني الله) وعلى قلبه شهودًا ومحبة بأن يُحب الوهاب المتفضل بالنعم سبحانه وتعالى، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة، فيشغل هذه الجوارح بالطاعات، وقد أحسنتَ لخوفك من المعاصي، فإنها خصم على النجاح.

شكوتُ إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نـــــــور ونــــــور الله لا يُهدى لعاصي

فلذلك ينبغي كما اجتهدت في الطاعات أن تجتهد في تجنب المعاصي والموبقات، ولعل حفظ الإنسان لبصره فيه الوقاية للفرج من العادة السرية, ومن شتى الممارسات، بل فيه الزكاة والطهارة للنفس، وأرجو أن تتأمل معي قول الله تبارك وتعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}

كل الحوادث مبدأها من النـــــظر ومعظم النار من مستصغير الشرر

كم نظرة فعلت في نفس صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتـــــــر

يسر الناظر ما ضر خاطـــــــــره لا مرحبًا بسرور عاد بالضــــــــرر


ولا يمكن للإنسان أن يسقط إذا حفظ بصره، لأن هذه هي بداية الشر، ولذلك {يغضوا من أبصارهم} ما هي أول النتائج؟ يأتي حفظ الفرج، {ويحفظوا فروجهم} وهو في الحقيقة نتيجة طبيعية لغض الإنسان لبصره، ثم ما هي الثمرة والهدية {ذلك أزكى لهم} أطهر لنفوسهم، وأطهر لأرواحهم، وأكثر طمأنينة لهم في حياتهم، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله تبارك وتعالى خيرًا منه، {ذلك أزكى لهم} فإذا غفل الإنسان عن هذا يأتي التهديد {إن الله خبير بما يصنعون} فسبحان من يعلم السر وأخفى، سبحان من يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.

وأنت ولله الحمد ممن يقوم الليل، وقيام الليل يربي على المراقبة لله تبارك وتعالى، استحضار معيّة الله ومراقبة الله تبارك وتعالى هو العاصم الأول والأكبر من الوقوع في كل ذنب، خاصة ذنوب الخلوات.

فلذلك نحن سعداء جدًّا بهذا التواصل، وعلى قناعة بأن الذي ملَك عزيمة يستطيع أن يقوم الليل, وأن يصوم, وأن يتصدق, يستطيع أن يقهر العادات السيئة، يستطيع أن يبتعد بإذن الله عن المخالفات والمعاصي، لتُكمل جوانب التميز في حياتك، وقد وضعت رجلك -ولله الحمد- في بدايات هذا السلم المبارك، فاصعد بمشيئة الله متوكلاً عليه، مستعينًا بالله تبارك وتعالى، ونحن سنكون سعداء جدًّا في حال تواصلك مع الموقع، وشرف لنا أن نستمع وأن نتعاون وأن نجاوب على استشارات أمثالك من الشباب، صاحب الطموح العالي.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يزيدك رفعة وخيرًا، وأن يثبتك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على الثبات، وتعينك على كافة النجاحات في ميادين الحياة، نسأل الله لك التوفيق في الدنيا والفوز بالجنة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • قطر صالح العتيبي

    الله يثبتك على طريق الخير ان شاء الله، توكل على الله، وان شاء الله تتخلص من السيئات.

  • محمدو

    الله يحفظك ويعينك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً