الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد العفاف ولكنه تأخر! دلوني وأرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله ورفع قدركم، وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة لما تقدمونه من خدمة للإسلام والمسلمين.

أنا فتاة تبلغ من العمر 29 سنة، مشكلتي هي أنني أشعر أنه تقدم بي العمر دون زواج، وأشعر برغبة شديدة للزواج كي أعف نفسي لأني أخاف على ديني من نفسي، ومن الفتن التي تمر بنا في هذا الزمان، لا أدري ما سبب هذه المشكلة، أعلم والله أنه رزق من الله، وأن الله له حكمة في كل أمر.

ولكن أفكر دائما هل هذا الحرمان بسبب ذنوبنا، فنحن بشر لا ندعيً العصمة، ولكن الحمد لله كلما شعرت بذنب أسرع بالاستغفار والتوبة والإنابة والحمد لله مداومة على الصلاة والدعاء، وأتق الله قدر المستطاع، ولكن أحيانا يغلبني الشيطان وأقع في بعض الذنوب كإطلاق البصر وغيره، أسأل الله أن يغفر لي ولكم، ولكن سرعان ما أندم، وكثيرا من هذا الشعور يلاحقني، هو الشعور بالذنب لأقل شيء، هل هذا شيء جيد وألوم نفسي كثيرا.

ماذا علي أن أفعل؟ دلوني فأنا خائفة على نفسي أريد أن أثبت وأصبر على طاعة الله، وأتمنى من الله أن يحقق مرادي.

دعواتكم لي، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملاك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك أختنا الفاضلة في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يثبتك على الطاعة، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة.

أختنا الفاضلة: إن الزواج فطرة فطر الناس عليها، والإسلام إذ أحل الزواج إنما كان مراعيا لتلك الفطرة، وما ذكرتيه من تأخر سن زواجك هو ابتلاء ابتليت بها آلاف الأخوات الصالحات اللاتي لا ينقصهن دين ولا جمال، ولكنه اختبار يميز الله به بين أهل محبته والأدعياء كما قال تعالى: "الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ " والفتن أيتها الفاضلة تختلف من شخص إلى غيره، من بلاء إلى غيره، فكم من امرأة متزوجة كان أشد بلاء عليها يوم زواجها، وكم من متزوجة لا يمر عليها يوم إلا وتتمنى أن يكون آخره، وهذا لا يعنى أن الزواج شر، ولكن نبين لك أيتها الفاضلة أن البلاء لا يكون بالمنع، بل قد يكون المنع عين العطاء.

وفائدة هذا الفهم أختنا الفاضلة يكمن في استقبال المسلم للبلاء والفتن، فهو يدرك أن الابتلاء في ذاته رفعة لدرجته عند صبره عليه وتقبله له، ويدرك في ذات الوقت أن البلاء مدركه لا محالة، فإذا لم يأتِ في الزواج فسيأتي في صورة أخرى من مرض أو فقر أو عوز أو أي ابتلاء قائم، وهذا يدفعه إلى الصبر والتحمل والاجتهاد في التقرب إلى الله عز وجل. منطلقا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" والنصوص في هذه النقطة متضافرة في أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، إن كان في إيمان الإنسان صلابة اشتدَّ عليه البلاء، وإن كان في إيمانه ضَعْف خُفِّف عنه، فعن سعد بن أبى وقاص قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتَلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلْبًا اشتد بَلاَؤُهُ وإن كان في دينه رِّقةٌ ابْتُلِىَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يَتْرُكَهُ يمشى على الأرض وما عليه خَطِيئَةٌ (رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حسن صحيح).
وفي الحديث: "وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"، فجعل العقوبة على عدم الصبر، ولم يجعل المرض أو الحزن ذاته عقوبة.

ثانيا: أما بالنسبة لما ذكرته أيتها الفاضلة من بعض المعاصي التي تقعين فيها وتعودين إلى الله سريعا، وتخافين أن يكون الابتلاء سببه مثل ذلك فإنما يدل على يقظة قلبك، وقربك من ربك، نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، ونحب أن نخبرك أختنا الفاضلة أن العصمة للأنبياء من دون البشر، والتفاضل أختنا بمن كثرت حسناته وقلت ذنوبه وقد أخبرنا القرآن أن (الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) فلا تحملي نفسك فوق طاقتك، واجتهدي في الإكثار من الحسنات والتقرب من الله عز وجل.

ثالثا: لا نريد أن يتطرق اليأس إليك، وسنك مقارنة بمن نرى ليس كبيرا، ومتوسط سن الزواج من 30 – 35، وقد يصل إلى أكثر من ذلك بقليل، لذا نوصيك أختنا بالاجتهاد في الدعاء فلا يخيب الله عبدا رجاه.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يرزقك عاجلا غير آجل زوجا صالحا تقيا نقيا، يعينك على طاعة الله عز وجل!
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً