الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوسواس القهري، فكيف الخلاص منه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 35 سنة، ومتزوج، ولدي أسرة ولله الحمد، وعلى قدر كبير من العلم؛ حيث أني من حملة شهادات الماجستير في الهندسة.

بدأ ظهور مرض الوسواس القهري لدي منذ 8 سنوات، من إثر حادثة نفسية لأحد الأقارب التي تأثرت بها، وكنت في خوف شديد من أن يحصل لي مرض عقلي أو نفسي، وتصبح حالتي بنفس حالة الشخص الذي رأيته، واسترسلت بالتفكير والقلق إلى أن أصبت بمرض الوسواس القهري من نوع الأفكار المتسلطة، كأفكار العنف أو أفكار عن الجن والسحر، أو تردد جملة معينة في داخلي قد سمعتها من أحد، ولكن من دون أفعال قهرية.

في البداية لم أكن أعرف ما هذا أو لماذا تنتابني أفكار غير واقعية وسخيفة؟ أو أني أردد في نفسي أفكار أناس آخرين قد سمعتهم يوسوسون من قبل؟ وبعد معاناة مع الخوف والقلق والاكتئاب ذهبت إلى طبيب نفسي؛ حيث شخص حالتي بمرض الوسواس القهري من نوع الأفكار التسلطية، وقال لي: أيضا أن حالتي تعتبر خفيفة مقارنة بغيري، وأن من الجيد أيضا أني ليس لدي ردة فعل قهرية أو أفعال قهرية.

فوصف لي دواء البروزاك الذي فعلا أذهب عني الوساوس بشكل 95 في المائة، مع العلم أني فقط استمريت على العلاج لمدة 3 أشهر فقط، ثم توقفت بشكل نهائي.

ولا أذكر بعدها أنه قد انتابتني أي انتكاسة طوال السبع سنين، ربما قد تأتي لي الوساوس فجأة أو بعد قلق معين، وبالأسلوب الإدراكي والسلوكي، كنت أتخلص منها ولا تستمر معي أكثر من أسبوع ولا أسبوعين، ولكن منذ شهرين تقريبا انتابني خوف أو قلق بخصوص موضوع وقرار مهم أود أن آخذه في حياتي، وكنت قلقا بشأنه بعض الشيء لأهميته في حياتي وحياة أسرتي، ولكن كان هناك بعض الخوف من أمر معين قد يهدد مسيري في هذا القرار بالشكل الذي كنت أخطط له، فبدأت أبني الأسباب، وأضع الحلول، وكنت جدا متشائما، وقد بالغت بالأمر كثيرا إلى أن أصبت بقلق شديد، مما أدى إلى ظهور انتكاسة الوساوس القهرية لدي مرة أخرى وبشكل قوي جدا.!

ومن بعدها دخلت في بداية الاكتئاب، حيث لم يأتِ في بالي أبدا أن ترجع لي حالة الوساوس بعد هذه السنوات السبع، وشعرت بالإحباط، وأحسست بمدى المعاناة التي سوف أعانيها من ظهور الانتكاسة، فذهبت إلى طبيب نفسي، حيث وصف لي دواء البروزاك، وقال لي: أنه يرى أنه فقط أحتاج لحبة واحدة في اليوم؛ حيث أنه لا يرى حالتي سيئة جدا، أنا مستمر على البروزاك الآن منذ قرابة أسبوعين، وأنا من الناس الذين يقطعون قطعا تاما أن البروزاك دواء عجيب للوساوس القهرية، ومن علم الله الذي رحم بني آدم به، ولكن يظل عقلي يسأل: هل أنا من النوع الذي تأتيه الوساوس بعد الانفعال النفسي؟ أو أنه لا علاقة لهذا الأمر بالانفعال النفسي؟ أي هل هو التغيير البيولوجي الذي يأتي لي بالوساوس ثم تأتي الانفعالات النفسية كالقلق والتوتر أو العكس؟ هل يوجد أمل حتى لو واحد في المائة أن يتشافى الإنسان من هذا المرض للأبد أو أنه مرض مزمن نستطيع فقط السيطرة عليه؟

ما هو الأسلوب العلاجي الأمثل للقضاء على الأفكار الوسواسية مع استخدام الدواء؟ هل ممكن لفكرة تسلطية أن تذهب بعد التعامل معها أو تحت العلاج، أو هل سوف تستمر في الرجوع؟ أحاول أن لا أفكر في الموضوع ولكن عقلي الباطن كثير التساؤل، ويحاول أن يجد إجابات لأسئلة معينة بخصوص الوساوس القهرية؟ هل البرمجة اللغوية العصبية تصلح كعلاج مع أخذ الدواء في التخلص من الوساوس؟ هل على الإنسان أن يبتعد عن الأشياء التي قد تسبب له الوساوس أو من الأجدى أن يصطدم بها ويواجهها علما أن بعض الأشياء لا يستطيع الإنسان تغييرها بمجرد أنه فقط لديه وساوس منها، كالعمل أو الطعام فأنا الآن تأتيني فكرة تسلطية مثلا أن الطعام به سحر، أو أن علبة الشراب بها سحر، وأحيانا أضحك من هذا التفكير السخيف، علما أني من الناس الذين لا يخافون من أمور الجن والسحر - ولله الحمد -، ولكن لا أنكر أن مجرد التفكير يشعرني بالإحباط لوجود هذ الفكرة السخيفة في عقلي، ولكني أستمر في الطعام والشراب ولا أبالي.

بالإضافة إلى الوسواس القهري، فإني دائما منذ أسبوعين أشعر بضيق في الصدر، أو شعور بالقلق والخوف بمجرد أن أفتح عيني من النوم في الصباح، لا أعرف ما سبب هذا الشعور الذي ينتابني بمجرد أن أفتح عيني من النوم؛ حيث أشعر بأن المشاعر تتجمع في صدري فجأة وتسبب لي نوعا من الضيق والتوتر فقط في الصباح عند الاستيقاظ من النوم؟

أرجو من الدكتور الإفادة وآسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ khalid حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هنالك إجماعا علميا أن الوسواس القهري هو مرض مزمن وانتكاسي، هذه حقيقة علمية لا نستطيع أبدًا أن نحيد عنها، لكن هذا أيضًا يجب أن لا يكون مزعجًا لك؛ لأنه ليست كل أنواع الوساوس هي من النوع الانتكاسي المزمن.

ثانيًا: بعد أن ظهرت الأدوية المضادة للوساوس تغيرت الأمور تمامًا، فمثلاً كانت نسبة الشفاء من الوساوس قبل ظهور هذه الأدوية هي عشرين بالمائة فقط، أما الآن فقد أصبحت نسبة الشفاء سبعين إلى ثمانين بالمائة، وهذه تعتبر نسبة عالية جدًّا.

أمر ثالث وهو ضروري جدًّا: هو أن الإنسان حين يعرف مشكلته ويعرف ما به يستطيع أن يتخطاها ويتجاوزها، وذلك من خلال الآليات السلوكية التي يكون قد تدرب عليها، وأصبحت راسخة لديه.

هذا هو الموقف العلمي، وأنا أراك ذو استجابات سريعة جدًّا للعلاج، وهذا يبشر أن فرص الشفاء في حالتك عالية جدًّا، فأنت استجبت للبروزاك بجرعة كبسولة واحدة، علمًا بأن الوساوس القهرية في معظم الأحيان تحتاج إلى جرعات وسطية أو إلى جرعات كبيرة، أي أربعين إلى ثمانين مليجرامًا يوميًا من البروزاك على سبيل المثال.
ومن الواضح جدًّا أنك قد تطبعت مع الوساوس، وأصبحت تتفهمها، وهذا أيضًا من صميم الآليات العلاجية السلوكية.

بالنسبة لأسباب ودور الانفعال النفسي في الوساوس القهرية: لا نستطيع أن نقول أن الوساوس القهرية لها أسباب، لكن هنالك عوامل، وبالفعل القلق هو أحد الروابط التي قد تسبب الوساوس القهرية، والوساوس القهرية تزيد من القلق، إذن هنالك نوع من الحلقات المفرغة، وفي بعض الحالات تأتي الفكرة الوسواسية دون أي مقدمات، دون أي روابط، دون أي مثيرات لها، فالأمر يختلف من إنسان إلى آخر، لكن نعرف من تكون وساوسهم مرتبطة بأحداث حياتية، مثلاً الضغوط النفسية الشديدة قد تثير الوساوس، شاهدتُ من أتت له الوساوس بعد أحداث مفرحة، أحد الأخوة رزق ابنًا بعد سنين طويلة، وفرح فرحًا شديدًا للدرجة التي أصابته وسوسة هل هذا الابن هو ابنه فعلاً أم لا... وهكذا.

فإذن قد تكون مرتبطة ببعض العوامل، لكن نستطيع أن نقول أنه لا توجد أسباب.

بالنسبة لحالتك: أرجو أن تطمئن، فالأمور مبشرة، الأمور ممتازة، واستمر على البروزاك، وأنا حقيقة أفضل أن ترفع الجرعة إلى أربعين مليجرامًا يوميًا، حتى وإن كان هناك تحسنا، لكن ما دمت تشعر بشيء من الضيقة في الصدر والشعور بالقلق والخوف فأعتقد أن البروزاك سيساعدك كثيرًا جدًّا، ودائمًا القلق والشعور بالخوف يكون الوسواس مختبئًا خلفه، فحتى نقضي عليه تمامًا ارفع جرعة البروزاك إلى أربعين مليجرامًا يوميًا، استمر عليها لمدة أربعة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، بعد ذلك خفض الجرعة واجعلها كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.

وأنت مدرك تمامًا للآليات العلاجية السلوكية للوساوس والتي تقوم على تحقير الفكرة، وعدم مناقشتها، وعدم إخضاعها للمنطق، ربطها بفكرة أو بفعل مخالف ومضاد لها، واستبدالها تمامًا، وفي نفس الوقت يجب أن تصرف انتباهك عن الوساوس بأن لا تترك للفراغ وقتًا ليسيطر عليك، وأنت الحمد لله رجل منجز ولديك أسرة كريمة، وسعيد في حياتك، ولديك مهنة محترمة، فأعتقد أن القلق الوسواسي البسيط نفسه كان سببًا في نجاحك. هذا قد يكون كلامًا غريبًا بعض الشيء، لكنه حقيقة، لأن الإنسان الذي لديه شيء من الوساوس دائمًا تجده منضبطًا ومرتبًا وانتقائيًا وشيء من هذا القبيل، لأن القلق هو طاقة نفسية إيجابية ولا شك في ذلك.

سر على نفس المنوال السلوكي الذي تنتهجه، وتناول الدواء بالصورة التي ذكرناها لك، وحقّر هذا الفكر التسلطي السخيف، لا تعطه أي مجال لأن يسيطر عليك ويكون ملحًّا.

فيما يخص أفكار الناس حول السحر والجن: هذه أمور أيضًا يجب أن تتجاهلها، فالحقائق واضحة جدًّا في هذا الأمر، ومرجعنا الوحيد الذي نعتمد عليه هو ما ورد في شرعنا الحنيف الذي شرفنا الله به.

وأود أن أضيف إضافة أخيرة وهي ضرورة الحرص على تمارين الاسترخاء، هذا الضيق الذي يأتيك خاصة في فترة الصباح يمكن لتمارين الاسترخاء أن تساهم مساهمة كبيرة بصورة واضحة جدًّا، وللتدرب على هذه التمارين راجع: ( 2136015 )، وبما أنك تعيش في قطر إذا أتيت إلى قسم الطب النفسي أيضًا يمكن لأحد الأخوة المعالجين النفسانيين أن يقوم بتدريبك على هذه التمارين.

أشكرك كثيرًا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ليبيا محمد نصر

    ربى يشفيك

  • ليبيا سالم فرج

    الشكر

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً