الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

في بلاد الغرب... كيف نربي الناشئة هناك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن في إسبانيا جالية تحتاج إلى الكثير من الرعاية لأبنائها, من هذا الباب بادرنا في إحدى الجمعيات إلى عقد جلسات للشباب فوق سن الثالثة عشرة, علنا نحقق لهم ما يفكرون فيه وما يواجهونه في حياتهم، فبماذا تنصحوننا علنا نرشدهم إلى الطريق الصحيح؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظك وإخوانك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يثبتكم على الحق، وأن يجعلكم دعاةً إلى دينه، وأن يجعلكم علامات ومنارات مشرقة لدلالة أهل البلاد على هذا الإسلام العظيم الذي عاش في تلك البلاد قرونًا طويلة ثم خرج منها بسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم وهجرهم لسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم – .

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك -أخي الفاضل الكريم– إنه مما لا شك فيه أن التربية في بلاد المهجر تختلف كثيرًا عن التربية في البلاد العربية؛ لأن هذه البلاد كما تعلم تتمتع بقدر كبير من الحريّة الفردية الشخصية، وتقوم أيضًا على وسائل للتربية لعل الكثير من بلاد المسلمين لم يصلوا إليها بعد، نتيجة التخلف الذي عاشته تلك الشعوب وما زالت؛ ولذلك التربية هناك تواجه تحديات عظيمة، وينبغي أن تكون مختلفة تمامًا عن التربية في عالمنا العربي الذي يساعد في إيجاد نوعية من الالتزام بصورة أو بأخرى باعتبار أنها بيئة الإسلام وأن كل شيء هناك يمت إلى الإسلام بصلة.

أما في بلاد المهجر فإن القضية في غاية الخطورة حقيقة، وتتمتع بقدر كبير من الصعوبة، وذلك نظرًا لما ذكرت من وجود مجتمع متحلل متفلت من كل القيم والمبادئ والأخلاق التي تتفق مع منهج الإسلام، أو على الأقل إلى حد كبير تختلف عن قيم الإسلام ومبادئه، وهذا يُلقي على عاتق المربين في بلاد المهجر تحديات أكبر وأعظم، لأنه ليست القضية بالنسبة للتربية في أوروبا أو في بلاد المهجر مجرد طرح معلومات فقط وتلقين الأبناء قواعد التربية، وإنما الأمر أعظم من ذلك، فهو يحتاج إلى هذا النوع من التوجيه، ويحتاج كذلك أيضًا إلى الرد على الشبهات التي يتعرض لها الأبناء في كل ساعة من يومهم؛ إذ أنهم يتعاملون مع شباب في مثل سنّهم لا يلتزمون بهذه الضوابط وليس لهم دين يردعهم، اللهم إلا ما تعارفوا عليه من قيم ومبادئ وأعراف خاصة، كذلك أيضًا ارتكاب المنكرات بمباركة الأنظمة كشرب الخمور، وكذلك أيضًا إقامة علاقات محرمة، إلى غير ذلك، هذه أيضًا تمثل نوعًا من التحديات للأسرة المسلمة التي ينبغي عليها أن تراعي الخطين معًا.

الخط الأول: وهو تزويد أبنائهم بالتربية الإسلامية الصحيحة.

والخط الثاني: وهو أيضًا تدريب الأبناء على كيفية مواجهة هذه التحديات؛ ولذلك أعتقد وأتصور أن النصيحة الأولى التي أنصح بها إخواني – جزاهم الله خيرًا على هذه الخطوة المباركة – ألا وهي تعميق أسلوب الحوار بيننا وبين أبنائنا، لأن سن الثالثة عشرة ليست سن مرحلة الطفولة المبكرة التي يتلقى الطفل فيها القيم والمبادئ دونما تمحيص أو دونما حوار أو دونما اعتراض، وإنما في المراحل الطفولة المبكرة الولد لا يرى إلا ما يراه أهله، وهذه مراحل سنية طبيعية، يعني هذا ليس ولد المسلمين فقط هو الذي يكون هذا حاله، وإنما كل الأطفال في بلاد الدنيا في هذه المرحلة ليست لديهم الخبرات العقلية لإدارة الحوار والنقاش والسؤال عن الأدلة التي يستند إليها القائمين على أمر التربية.

أما في مرحلة الثالثة عشرة فهي في أواخر مرحلة الطفولة المتأخرة، وهي بداية الدخول إلى مرحلة الرجولة، هم يسمونها في الغرب – ومع الأسف الشديد أيضًا بعض المؤسسات التربوية في العالم العربي والإسلامي تقول – مرحلة المراهقة، ولكن الإسلام يقول مرحلة الرجولة، والدليل على ذلك أن الله جل جلاله يبدأ في محاسبة الإنسان على تصرفاته سلبًا وإيجابًا من هذه المرحلة، ولعله أيضًا يأخذ أجرًا على ما قدمه من خير قبل هذا الوقت، ولكنه يُسأل عن تصرفاته ويحاسب عليها وقد يعاقب عليها شرعًا عندما تبدو عليه علامة من علامات البلوغ المعروفة.

ولذلك أقول: نعتمد أسلوب الحوار مع أبنائنا، وأسلوب النقاش الهادئ، وأسلوب الإقناع، وهذا يقتضي أن يكون القائم على أمر التربية ليس رجلاً عنيفًا ولا قاسيًا، وليس رجلاً مغلقًا أيضًا، وإنما ينبغي أن يكون رجلاً يتمتع بقدر من الحلم والأناة وسعة الصدر، وأن يعلم أن المعلومات المجردة لا تكفي هؤلاء الشباب في هذه المرحلة، وإنما المعلومات المدللة التي تقوم عليها الأدلة والحجج والبراهين حتى يقتنع بها أبناؤنا، وحتى يبنوها أيضًا، وحتى تتوافر لديهم القدرة على المواجهة.

إذن أقول: هذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التركيز عليه وهو الأسلوب الحواري والأسلوب النقاشي ومحاولة الإقناع.

الأمر الثاني: أيضًا إنما هو التربية بالقدوة، وذلك عن طريق الاحتكاك والخروج في معسكرات عامة، ووجود شخصيات تربوية كبيرة يأخذ عنها هؤلاء الشباب أنماط السلوك.

الأمر الثالث: الاطلاع على بعض كتب التربية الاسلامية ذات الطابع الشبابي أو ما يعرف بكيفية التعامل مع المراهق وضرورة مراعاة المتغيرات الخاصة التي تحدث له، ومعاملته كرجل كامل الرجولة، وتكليفه ببعض مهام الكبار، مع مراعاة ظروفه، فلابد من وجود مراجع تربوية تراعي ظروف الغرب وتحدياته, ولا مانع من الاستفادة من بعض المواقع التربوية على النت فإن هناك مواقع متميزة، خاصة بمهارات التعامل مع المراهين من منظور إسلامي.

وأخيراً:
أتمنى البحث عن شخصية تربوية قيادية دعوية تتفرغ لأبنائكم تفرغا كاملا تتولى توجيههم بصفة دائمة، على أن تتميز بروح الشباب الممزوجة بالجد مع المرح, كما لا ينبغي أن نغفل دور الأسرة، وضرورة حرصها على الحفاظ على هويتها وهوية أبنائها، والمتمثلة في ضرورة التحدث بالعربية في المنزل، وعدم السماح بغيرها, مع ضرورة الارتباط الدائم بالمسجد، خاصة الصلوات الخمس، ومحاولة إلقاء ولو بعض الضوء على الآيات والأحاديث التي يتم تحفيظها للأطفال، وعدم الاكتفاء بحفظ النصوص فقط، وفوق ذلك كله الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يحفظهم ويجنبهم الفواحش والفتن والذوبان في تلك المجتمعات المغايرة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً