الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مفهوم السعادة وكيفية الحصول عليها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أنني أشعر دائماً بعدم السعادة والرضا عن نفسي وعن حياتي، ولا أحب نفسي، لهذا أشعر دائماً أنه لا أحد يحبني ممن أعيش معهم وفي المدرسة وبين أصدقائي.

والمشكلة الثانية أنني أعاني من ضعف التركيز والشرود، وأحلام اليقظة دائماً ما تأخذني من الواقع، أشعر بملل واستياء بالرغم من أن أهلي، والحمد لله لا يضغطون علي في أي أمر، فأرجو المساعدة ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س.س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، وأسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الرضا عنه جل جلاله، وأن يرزقك الرضا عن نفسك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن السعادة نسبية، فلا يُوجد لدينا تعريف دقيق لمفهوم السعادة بالمعنى الحرفي، وإنما السعادة نوع من التكيف مع الواقع بصرف النظر عن هذا الواقع، فقد نجد أُناساً في غاية الفقر إلا أنهم سعداء، لأنهم يشعرون بأنهم متأقلمين مع الواقع الذي يعيشونه، ونجد هناك أناساً يكنزون الملايين ويسكنون القصور ولديهم من الخدم والحشم الكثير والكثير ورغم ذلك يشعرون بعدم السعادة، والسعادة الحقيقية تكون مقرونة بالطاعة والتقوى، ولذلك كما ورد في قول الشاعر: ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد.

فالسعادة هي ثمرة من ثمار الأُنس بالله، ثمرة من ثمار طاعة العبد لله سبحانه وتعالى، فإذا ما أقام الإنسان مع ربه علاقة طيبة متميزة شعر بهذه السعادة؛ لأنه يشعر أنه يؤدي الوظيفة التي من أجلها خلقه الله وأوجده في هذا الوجود، ولكن عدم الشعور بالسعادة أو الرضا عن النفس إنما سببه الأول والمباشر أن الإنسان لا يدري لماذا هو هنا، عدم وضوح الهدف من الحياة يجعل الإنسان أشبه ما يكون بالتائه، ولا يتذوق طعم الحياة بالمعنى الصحيح، نعم هو قد يضحك وقد يبتسم ولكنه ليس سعيداً.

وأنت في مثل هذه السن قد يكون من المتعذر عليك أن تدركي المعنى الحقيقي للسعادة، وإني لأخشى أن تكوني متصورة السعادة بمعنىً غير المعنى الطبيعي، فالمعنى الطبيعي كما ذكرت وهو التأقلم مع الواقع، ففي أي حال أنا موجود فأنا راضٍ عن هذا الحال الذي أنا فيه، كذلك الحال التي أنت فيها أيضاً كونك شاعرة بالرضا من حيث المستوى الاجتماعي الذي تعيشين فيه والمستوى المالي والاقتصاد الذي يحكم أسرتكم، وكذلك أيضاً رضاك عن أبيك وعن أمك، شعورك عن أبيك أنه إنسان طبيعي وكذلك والدتك وإخوانك وأخواتك، هذه هي صور للسعادة، بأن أقول (أنا راضٍ ومقتنع بأبي ومقتنع بأمي وبإخوتي وأخواتي، ومقتنع بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي أعيش فيه، وبذلك أشعر فعلاً بالسعادة لأني منسجم مع هذه المنظومة).

أما عدم الشعور بالرضا أو عدم الشعور بالسعادة إنما مرده في الغالب عدم رضايَ عن الواقع الذي أعيش فيه، وبالتالي شعوري بأنني غير محبوب ممن أتعامل معهم، وهذا أيضاً شعور قد يكون وهمياً؛ لأن الإنسان ما دام لم يسئ لأحد ولم يعتد على أحد ولم يتجاوز حدود الأدب، فلماذا لا يحبه الناس؟! الناس عادة لا يكرهون إلا السيئ إلا الفظ الغليظ القاسي، إلا الإنسان المتكبر المتعالي، أما الإنسان الطبيعي فأعتقد أنه لا يوجد هناك أي سبب لأن يكرهه الناس.

قد يكون هذا نوع من التوهم وليس حقيقة، لأنك ما دمت لم تسيئي إلى أحد ولم تتطاولي أو تتعالي أو تتكبري على أحد فلماذا يكرهك الناس أو لا يحبونك؟! هذا قد يكون فيه قدر من المبالغة، ولذلك حاولي أن تغيري طريقة تعاملك مع من تعيشين معهم أو مع من تتعاملي معهم، سواء أكان ذلك في البيت أو في المدرسة أو بين صديقاتك، وأنا واثق أنك إن غيرت أسلوبك فستجدين نتيجة أفضل مما أنت فيه.

مفهوم السعادة مفهوم واسع، والسعادة هي الرضا عن الواقع الذي أعيشه، الرضا عن نفسي بما أنني إنسان ليس عندي معاص عظيمة وليس عندي كبائر أقترفها، وليس فيَّ من عيبٍ خلْقي أو خُلقي، وأعلم أن الذي خلقني وصورني إنما هو الله فأنا راضٍ عن الله وبالتالي راضٍ عن خلقه، فإذن أنا في تلك الحالة لا أكون حزيناً ولكن لا يلزم ذلك أن يكون الإنسان يضحك بصوت مرتفع عالٍ أو ينفق الأموال ذات اليمين وذات الشمال، ولكن أقول: حاولي أن تغيري علاقتك مع الله تعالى، أن تزيدي في العبادة، وفي الطاعة، في الإكثار من الأذكار، خاصة الاستغفار، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والدعاء، وأنا واثق أنك ستجدين طعماً آخر لحياتك يختلف عن الوضع الحالي.

أنت الآن تخرجين من مرحلة الطفولة إلى مرحلة اكتمال النضج الأنثوي، لتتحولي إلى فتاة كاملة الأنوثة، وهذه المرحلة عادة يصحبها نوع من ضعف التركيز والشرود وأحلام اليقظة، وهي سوف تنتهي بإذن الله بعد فترة بسيطة، إلا أن المطلوب عدم الاستسلام لأحلام اليقظة؛ لأن قضية أحلام اليقظة أو الخيال قد يأخذ وقتاً طويلاً من الإنسان، وهو ليس حالة مرضية في حد ذاته، إنما هو حالة صحية أو ظاهرة صحية، ولكن إشكاله أنه يأخذ الوقت، والإنسان ينبغي أن لا يستسلم لذلك استسلاماً كُليّاً وإنما ينبغي أن يوقظ نفسه بين الحين والآخر.

موضوع ضعف التركيز والشرود، حاولي أن تحددي أوقاتاً للترويح عن النفس، وأوقاتاً للتسلية مع أسرتك، وأوقاتا للمذاكرة، واجعلي وقت المذاكرة كالطعام والشراب، يعني وقتاً مرتبا منظما، بمعنى أنك إذا جلست للمذاكرة لا تُشغلي بأي شيء آخر، لا تستعملي التليفون، ولا تتكلمي مع أحد، وإنما أنت لك وقت للتسلية ووقت للعب ووقت للأكل ووقت للعبادة ووقت للنوم، وكذلك اجعلي وقتاً للمذاكرة، فهذا الوقت الذي تحددينه للمذاكرة لا يتم الاعتداء عليه بحال من الأحوال، حتى وإن كان كل يوم ساعة أو ساعة ونصف أو ساعتين، المهم هذا الوقت وقت أحافظ عليه للمذاكرة، ولا أسمح لأحد أن يعتدي عليه، وبذلك ستشعرين إن شاء الله بذهاب هذه الحالة، لأنك بدأت تضعين إطاراً لحياتك.

شعورك بالملل والاستياء، هذا كما ذكرت لك ناتج عن مسألة أنك لم تحددي الهدف الذي من أجله خلقك الله تعالى تحديداً واضحاً، ولم تحاولي تحقيق هذا الهدف، فأنت تعلمين أن الذي خلقك هو الله وأن الله خلقك للعبادة، ولكن لا تحاولي أن تضعي نفسك في الإطار الصحيح لتحقيق هذا الهدف، وهذه هي المشكلة بالنسبة لك ولكثير من أقرانك الذين يعيشون في مثل سنك.

أتمنى أن تقومي بعمل رقية شرعية لنفسك، تستطيعين أن تقرئي آيات الرقية وأحاديثها على نفسك، أو تقوم بذلك الوالدة، أو يقوم بذلك أحد أرحامك أو أخواتك الكبيرات، أو أن يُستعان بأحد المعالجين الثقات بشرط أن يكون من الدعاة الثقات، وأن يكون في حضور أهلك، لاحتمال أن تكوني محسودة أو شيئاً من هذا القبيل، فمن الممكن بإذن الله بالرقية الشرعية أن يتم علاج الأسباب النفسية التي ذكرتها كلها، وإن كنتُ أنا لا أؤيد هذا بنسبة مائة بالمائة، لأني أرى أن ظروفك طبيعية، وأسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً