الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصح الأب في معاملة موظفيه

السؤال

أبي قد بلغ من العمر 70 عاماً، وهو -والحمد لله- بكامل قواه العقلية، وما زال يمارس عمله، وله شركه خاصة به، المهم له طبع حاد جداً في كثير من الأحيان، فهو يشتم ويهين، ويقول ألفاظاً غير لائقة بالموظفين والعمال، ودائماً سريع الاتهام لهم بالسرقة والإهمال، والكثير من الكلام الذي ليس له أصل؛ لأنني أنا ابنته وأعمل معه، وأنني دائماً أدعو له في صلاتي بالهداية وحسن الخلق؛ لأنني أتعذب كثيراً عندما أراه بهذا الشكل مع الناس، ولكن في البيت يكون بشخصية ثانية حيث يتلفظ بكلام جميل، ويتعاطف مع الناس بطريف الكلام، عكس ما هو عليه.

أبي للأسف لا يصلي، لا أعرف ما أقول فإنني أحبه ولا أريد أن يكون بهذه الصورة المتناقضة، فإنني أرى الحل الوحيد أن أواجهه بصورة مباشرة وبعصبية؛ لأننا تعدونا عليه هكذا، ولكن أخاف أن أكون السبب في قطع عمل كثير من الموظفين من الشركة؛ وإنني قبل أي شيء أخاف من الله، وأن أكون من العاقين للوالدين، وهذا عكس ما هو بنفسي، فأبي يعمل خيراً كثيراً – والحمد لله - ميسور الحال جداً، ولكن لا أعرف لماذا هذه التصرفات التي تكره فيه كل الموظفين وبعض الذين حوله؟!

أرجوكم دلوني على الحل، فأنا بدأت أكره العمل في الشركة، وأخاف أن أراه في الشركة، وأتوقع كل لحظة إهانه وشتماً وسباً بأي لحظة لأي موظف أو عامل.

على فكرة (بعض الأحيان عندما توجه أختي أي ملاحظة للخادمة في البيت فهو يصرخ بنا ويقول: لنا ارحموا الناس وخافوا الله بهم، ولا تذلوا أحداً بسبب المال) فإننا نتفاجأ من كلامه وتصرفاته فكل تصرفاته في العمل عكس هذا.

أرجوكم أجيبوني بأسرع وقت ولكم خالص الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يجزيك خيراً، وأن يملأ قلبك رحمة بعباده، كما نسأله جل جلاله أن يصلح أخلاق والدك وأن يرزقه الحلم والأناة، وأن يرزقه حسن تلفظ العبارات، وأن يبارك فيه، وأن يطيل في عمره على طاعته، وأن يجعلك عوناً له على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه فعلاً من الأمر المزعج حقّاً أن يكون الإنسان حاد الطبع يلحق الإهانة والسب واللعن والقذف وغير ذلك من العبارات غير اللائقة بغيره، خاصة إذا كان هذا الأمر لا أساس له من الصحة.

كذلك أيضاً من الأمور التي تؤلم النفس أن يتهم الإنسان شخصاً بريئاً بالسرقة أو الإهمال أو غير ذلك من التصرفات التي تجعل الإنسان يشعر في داخله بنوع من عدم الرضا، بل ويتمنى هلاك الطرف الآخر وإذلاله وأن يرى فيه آية من آيات الله وعقاباً من عقابه.

هذه أمور مزعجة حقاً، وأنت على حق فعلاً في هذا الموقف، ومن حقك أن تتألمي لوالدك خاصة عندما تشعرين بأن من حوله لا يطيقون رؤيته بل لعلهم يتوجهون إلى الله بالدعاء عليه أن ينتقم الله منه أو أن يفعل الله به شيئاً من الأمور التي تشفي غليلهم وتذهب غيظ صدورهم.

ولذلك أرى أن الحل قد لا يكون في مواجهته بصورة مباشرة خاصة وأنه قد لا يقبل ذلك منك؛ ولذلك أتمنى أن تكتبي له رسالة مهذبة ولطيفة وأن تبيني له ما فيه من خصال طيبة، وأن تبيني له في نفس الوقت أيضاً بأن الناس جميعاً لا يحبون أن يسبهم أحد ولا أن يتهمهم أحد، لا بسرقة ولا إهمال ويكرهون الإهانة، وهذا الأسلوب الذي تفعله لا يتناسب مع أخلاقك ولا قيمك ولا مبادئك ولا مع عمرك المبارك أيضاً، فأنت - ولله الحمد والمنة - طيب جدّاً، تعمل خيراً كثيراً، تعامل الناس بالمعروف خارج المؤسسة أو الشركة، وانظر على سبيل المثال أنك عندما توجه أختي بعض العبارات الشديدة للخادمة في البيت فأنت تصرخ بها وتنكر عليها وتحاول أن تردع كل من يظلم أحداً، وأنك في نفس الوقت – يا والدي – تنشىء هذا الأمر في داخل الشركة.

أنا لا أريد أن يكون في نفس أحد عليك شيء، أريدك أن تكون محبوباً من الصغير والكبير، خاصة وأن عمال الشركة في مقام أولادك، وهم ما جاؤوك للعمل إلا لحاجتهم إليه، ويعلم الله أني لو أعلم أنهم فعلاً كما تقول لوقفت معك ضدهم، ولكني أرى أنه في أحايين كثيرة لا تكون موفقاً وتكون العبارات لا أساس لها من الصحة أو الاتهام أو الإهمال.

والدي: علم الله أنه ما دفعني للكلام أو الكتابة إليك إلا حبي لك وخوفي الشديد عليك، فأنا لا أريدك أبداً أن يتكلم فيك أحد بكلمة، هؤلاء العمال لم يتكلموا أمامي بشيء وأرى أنهم من الصابرين، وأنهم سيصبرون أكثر وأكثر لظروفهم، ولكني أرى في أعينهم الكراهية والنفور من تصرفاتك، هم يحبونك ولكنهم يكرهون فيك هذه التصرفات وتلك العبارات الشديدة وهذه الاتهامات وهذه الإهانات.

والدي: لماذا لا نجرب طريقة أخرى وهي طريقة اللطف التي تتعامل بها في البيت، فأنت – ولله الحمد والمنة – تكون في البيت شخصاً آخر تماماً، نسمع منك الكلمات الطيبة والعبارات الرائعة والكلمات المشجعة، فلماذا لا نحاول أن ننقل هذا الخير إلى مقر العمل.

لا تقول بأن هؤلاء لا يستحقونها، لا، أنا أعلم بأن هذا ليس صحيحاً، بل وأنت تعلم أن هذا ليس صحيحاً أيضاً؛ لأن من طبيعتك أنت لا تحب أن يذل أحد بسبب المال، وأنت تحرص على أن ترحم الناس، أليس هؤلاء جزء من هؤلاء الناس الذين سيسألك الله تبارك وتعالى عنهم يوم القيامة؟!

يا والدي: إني أخشى عليك أن يدعو أحدهم في جنح الليل البهيم دعوة فتسبب لك ضرراً في الدنيا والآخرة.

يا والدي: إنك جميل ورائع، ولكن ما يحزنني أيضاً أنك لا تصلي، رغم أن الصلاة لا تزيدك إلا توفيقاً وقبولاً.

يا والدي: لو وقفت بين يدي الله تعالى وسألك الله: لماذا لم تصل يا فلان؟ فلا أدري ماذا ستقول لله - تبارك وتعالى - .

اسمح لي فقد تجرأت عليك، ولكنك والدي وأنت أبي وأنت روحي وقرة عيني، وعلم الله أنك أحب إليَّ من نفسي، ما دفعني لذلك إلا خوفي عليك وحرصي على مصلحتك؛ لأنك سبب في وجودي ولأنك صاحب الفضل الأكبر عليَّ بعد الله تعالى.

وكلام من هذا القبيل - أختي الكريمة – اكتبي له رسالة بهذا الأسلوب الحاني الهادئ الدافئ الدافق المليء بالعواطف والحنان والمشاعر، وهي محاولة لعل الله تبارك وتعالى أن يصلحه؛ لأن والدك – كما لا يخفى عليك – وصل إلى السبعين عاماً ويصعب عليه أن يقبل من أحد أي توجيه، ولكن قد تكون هذه الرسالة الرقيقة رسالة صادقة تصل إلى قلبه فتحركه إلى الأفضل وإلى الأحسن، وهو قطعاً سيكلمك، فقد لا يستجيب للرسالة، ولكنه سيفتح معك محضراً وتحقيقاً: من الذي يفعل ومن الذي يفعل؟ فكوني حريصة كما ذكرت حتى لا يؤدي إلى إنهاء خدمات العمال والموظفين، فكوني حريصة وقولي هذه وجهة نظري، ولعلها خطأ ولكني أرى أنها صواب، واسأل أي أحد وإن كانوا لن يجيبوك خوفاً منك، ولكن محبتي لك هي التي دفعتني لذلك.

ثم قبلي يده ورأسه، ولا مانع أن تقبلي قدمه، وقولي له: (يا والدي تعال نجرب طريقة أخرى وأنت سوف ترى بنفسك الخير وترى بنفسك السعادة وهي تلمع في أعين الناس وعلى وجوههم؛ لأن أي إنسان مهما كان لا يحب أبداً أن يشتمه أحد أو يسبه أحد أو أن يهينه أحد أو أن يقول له أحد ألفاظاً غير لائقة حتى وإن كان صاحب العمل).

أسأل الله أن يوفقك في مهمتك، كما أسأله تبارك وتعالى أن يصلح والدك، وأن يجعل هذه الرسالة أو هذا اللقاء الذي سيكون بعدها سبب خير له فيعود للصلاة فيصلي ويتوقف عن هذه العبارات غير اللائقة، عسى الله أن يتوفاه على عمل صالح؛ لأن العبرة بالخواتيم.

كما أنصحك أيضاً بالدعاء له والإلحاح على الله أن يصلحه الله وأن يوفقه لقبول كلامك.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأل الله أن يوفقك في مساعيك، وأن يجعلك عوناً لأبيك على طاعته ورضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً