الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحزن على وفاة الابنة في أشهرها الأولى نتيجة تشوه في القلب وكيفية تجاوز ذلك؟

السؤال

كانت لدي ابنة توفيت وعمرها سنة وثمانية أشهر بسبب تشوه خلقي في القلب، ولدي ابنتان وولد وهما بصحة وعافية، مشكلتي تبدأ منذ وفاتها وأنا أحس بأنني كنت مقصرة معها، مع أني ذهبت بها كل المستشفيات المتخصصة بالقلب بمفردي؛ لأن أباها يقول أن لا يحب المستشفيات، مع أنه يحب أطفاله كلهم، ولقد ذهبت بها حتى إلى المطاوعة، وقالوا لي: ابنتك فيها مس؛ لأنهم عندما يبدؤون يقرؤون القرآن تبكي، والمستشفيات لم تعرف العلاج لحالتها أو سبب الإصابة، واكتشف مرضها بالصدفة وعمرها ستة أشهر، مع أني كنت أواظب على زيارة المستشفى وأنا حامل بها، الآن لا أستطيع النوم، أبكي بحرقة مشتاقة لها، وأدعو من الله أن يصبرني على ما ابتلاني.

زوجي حالته عادية جداً، ويصر على عدم الإنجاب، مع أن صديقتي تنصحني بالحمل؛ لأنه ربما يلهيني وأنسى الحزن قليلاً، وأنا خائفة أن تصيبني حالة اكتئاب، كيف أخرج من دائرة الحزن؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بدور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي السائلة: يجب أن تعلمي أن الحزن هو أحد صور العاطفة والمشاعر الإنسانية الفطرية، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)[النجم:43]، والحزن شيءٌ فطري ينتاب كل البشر عندما تقابلهم متاعب ومصائب في هذه الدنيا، يقول عكرمة رحمه الله تعالى: (ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبراً) وهو قضية وقتية.

واعلمي يا أختي أن عقيدتنا نحن المسلمين تمنعنا السخط، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك)، واعلمي أن هذه الفاجعة من قدر الله، واعلمي أنك ستلتقين مع ولدك في الآخرة إن شاء الله تعالى، فاحتسبيه ذخراً عند الله تعالى، فهذا خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم حزن على وفاة ابنه وقال: (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ولولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجداً، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون).

اطمئني إلى قضاء الله وقدره، فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء، قال النبي صلى الله عليه سلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) ويقول تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، [الزمر:10]، ولتكن قدوتك الخنساء التي ضحت بأربعة من أبنائها في سبيل الله تعالى، إنه الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر، ورجاء الثواب الجزيل عند الله تعالى، ورغم أنها امرأة كبيرة في السن، إلا أن الصبر والإيمان بالله تعالى هو الذي يفعل فعله في نفوس المؤمنين.

فما عليك -يا أختي- إلا الصبر والاحتساب، وتذكري من هو أكثر منك مصيبة، حتى تهون عليك مصيبتك، واتركي باب الأمل مفتوحا، وهذا يبعد عنك الحزن والضيق والاكتئاب، وتذكري أن مع العسر يسراً وتصوري سرعة زوال هذا الحزن الشديد، فإنها لولا كرب الشدة ما رجيت ساعات الراحة، وإذا كان لديك الرغبة في الإنجاب فتوكلي على الله لعله يرزقك الذرية الطيبة الصالحة ويقر بها عينك ويعوضك ما أخذ منك.

وفقك الله وقوى عزيمتك، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً