الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقة الأدوية النفسية بالانتحار

السؤال

السلام عليكم.

لقد طلب مني مرة سابقة توضيحاً على استشارتي لأنه يحدث لي ارتفاع مفاجئ للضغط ونبضات القلب، يصل الضغط بعض المرات 100/170 رغم أنني أتناول Tritace 5 ،وطلب مني الدكتور عندكم أن أتناول Prozac ومرة طلب مني أن أتناول Cipralex ولكن قرأت أخيراً دراسات عديدة لمستشفيات غربية أن هذه الأدوية تشجع المتناول لها على الأفكار الانتحارية، وقد انتحر بعض متناوليها.

لعلك - دكتور - تتكرم وترشدني هل صحيح أن هذه الأدوية وما شابهها تجبر الإنسان على الانتحار؟ وكذلك هذا موجود بورقة تعليمات تناول هذا الدواء، ويقول: إن هذا الدواء يشجع على الانتحار، فما هو تعليقك على هذا؟

ولك جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.

فإن الجزئية الأولى في رسالتك ليست واضحة وسوف أتناول الجزئية الواضحة وهي التي تسأل فيها عن العلاقة بين الميول للانتحار وتناول البروزاك Prozac، فأقول:

إن هذا سؤال جيد وسؤال هام جدّاً؛ لأن الكثير من اللغط قد أثير حول هذا الموضوع، وكانت هنالك حالات للانتحار وسط بعض مرضى الاكتئاب الشديد الذين يتناولون هذه الأدوية، وهذا بالطبع أدى إلى كثير من المخاوف، وبعد دراسات علمية متأنية اتضح أن هذه الظاهرة أكثر وسط اليافعين والشباب والأطفال الذين تم إعطاؤهم هذه الأدوية خاصة عقار بروزاك وعقار زيروكسات Seroxat.

والدراسات تشير أن الأفكار الانتحارية وليس الفعل الانتحاري في حد ذاته أصيب بها أربعة بالمائة من الذين يتناولون هذه الأدوية، في حين الذين أعطوا مواداً تحمل نفس شكل البروزاك أو الزيروكسات ولكنها لا تحمل على المادة الكيميائية الحية، كانت نسبة الأفكار الانتحارية وسط هؤلاء اثنين بالمائة، بمعنى أن الذين تناولوا الدواء الحقيقي كانت النسبة فيهم مرتفعة نسبياً، وكان تشخيص كل هؤلاء أنهم يعانون من اكتئاب نفسي عميق، ولم يقم أحد بالانتحار، إنما كانت أفكاراً وميولاً واندفاعات وليس أكثر من ذلك، وقد تم تفسير هذه الظاهرة على النحو التالي:

أولاً: الاكتئاب النفسي حين يكون مطبقاً وشديداً وتنتاب المريض أفكار اليأس والكدر والسوداوية قد يفتقد مع هذه الأفكار المقدرة على أن يأخذ حياته عنوة -أي ينتحر- هو يريد أن ينتحر ولكن يفقد آليات التنفيذ لأنه فقد الرغبة في كل شيء، وبعد أن يتناول العلاج المضاد للاكتئاب تتحسن طاقاته وانفعالاته ورغبته في أن يقوم بتنفيذ الأشياء بصورة أفضل، ومن هذه الأشياء التي يمكن أن يسعى أو يفكر في تنفيذها هي الانتحار؛ لأنه أصبح الآن لديه الطاقة النفسية والذهنية والجسدية، بعد أن ابتدأ الاكتئاب يزول عنه ولكن ليس الانتهاء الكامل.. هذا تفسير.

ثانياً – التفسير الثاني هو - أن هذه الأدوية تؤدي إلى حركة كيميائية شديدة في داخل الدماغ، وذلك نتيجة لإفراز مادة الـ (سيروتونين Serotonin )، ويعرف أن هنالك علاقة بين مادة السيروتونين والميول نحو الانتحار، فربما يكون هذا أيضاً أحد التفسيرات.

ثالثاً – وهو التفسير الثالث -: هنالك اعتقاد أن الذين وصفت لهم هذه الأدوية لعلاج الاكتئاب كانوا في الأصل لا يعانون من اكتئاب نفسي فقط، إنما يعانون مما يعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، وحين بدءوا في العلاج بدأت تأتيهم الدوافع الهوسية والنشاط الفكري والذهني الزائد وهذا قد يدفعهم نحو التفكير في الانتحار.

هذا هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة التي تم الحديث عنها، ولكنا نؤكد لك وبصفة قاطعة أننا لا نستطيع أن نقول أن هذه الأدوية أدت إلى انتحار شخص ما... هذا لم يحدث، إنما تتولد لديهم أفكار وينتهي الأمر عند هذا الحد، ويجب أن نعرف أن خمسة عشرة بالمائة من مرضى الاكتئاب النفسي يقومون بالانتحار، والحمد لله تعالى الأرقام ونسبة الانتحار في بلادنا ومنطقتنا وديار المسلمين عامة أقل من ذلك كثيراً، ولكن الأرقام في الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا تشير أن خمسة عشرة بالمائة من مرضى الاكتئاب النفسي الشديد يقومون بقتل أنفسهم.

أما ما كتبته الشركة في نشرة الدواء فهو نوع من الالتزام القانوني؛ لأن الشركات مكلفة أن تكتب عن كل الآثار الجانبية أو عن كل ما قد يضر بصحة الإنسان، وهذا فيه تنبيه للإنسان إذا قمت بتناول هذا الدواء وأتتك هذه الأفكار السوداوية أو الأفكار الدافعة نحو الانتحار هنا يجب أن يذهب المريض إلى طبيبه ويبلغه بهذه الأفكار، وهنا سوف يقوم الطبيب باتخاذ الإجراء اللازم من مساندة واستبصار ومراقبة وربما تغيير الدواء.

إذن الشركة مكلفة قانونياً أن تكتب هذا، ويمكنك أن تلاحظ حتى على دواء البنادول، سوف تجد الكثير من الأشياء المكتوبة، حتى أن البنادول قد يؤدي إلى الفشل الكبدي، فهذه التزامات أخلاقية وقانونية لابد أن تقوم بها شركات الأدوية وليس أكثر من ذلك، وكما تعلم أن البروزاك يعطى دون وصفة طبية في كثير من الدول، وهذا شيء قانوني جدّاً، وحتى الدول التي لديها ضوابط جدّاً في صرف الأدوية وتحفظات هذه الدول أيضاً تسمح بأن يوصف البروزاك دون أي وصفة طبية، وهذا قطعاً دليل على سلامة هذا الدواء وفعاليته.

الآن نقول وبصفة عامة أنه لا ينصح بوصف البروزاك أو الزيروكسات لمن هم دون سن الثامنة عشرة، هذا هو المتفق عليه في المحافل العلمية، ونحن نستعمل البدائل الأخرى، أما الأدوية ثلاثية الحلقات أو إذا أردنا أن نستعمل أحد هذه الأدوية، فالعقار المفضل هو تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، وربما أيضاً عقار يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram).

هذا هو تعليقنا ونرجو أن نكون قد أوفينا ما تود الوصول إليه، وبارك الله فيك، ونشكرك على هذه المشاركة الطيبة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً