الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مواجهة الخجل المرضي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت خجولا منذ صغري، وكان يصيبني الحرج من أعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي، وزاد خجلي في الدراسة، وبدأت أعاني من حالة قيء دائم حين يصيبني الحرج، وعندما كنت أذهب إلى الحرم كنت أُحرج من المصلين.

وحاليا عند دراستي الجامعية بدأت أكتشف أني مصاب بداء الخجل، وحين أخجل يتصبب العرق مني، وأسمع دقات قلبي، ولا أستطيع التركيز في شرح الدكتور، ولا أستطيع أن أقوم بعرض وأن أتجرأ وأتكلم أمام الطلاب.

علماً بأني موظف ولكني أصبحت منطويا، ولا أحب أن أذهب مع العيال، وفروضي التي فرضها الله علي لا أصليها في المسجد بسبب خوفي وخجلي، فماذا أفعل؟!

دلوني على علاج سلوكي وطبي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن ما وصفته بأنه خجل في أيام الطفولة تحول بعد ذلك إلى خوف أو ما نسميه بالقلق أو الرهاب الاجتماعي، وهناك تداخل كبير بين الخجل وبين الرهاب الاجتماعي وبين الحياء.

وعموماً فإن الأعراض التي تحدث لك هي نتيجة لهذا القلق الاجتماعي، ولا شك أن تجنبك وابتعادك عن مصادر الخوف والمواجهة يزيد من حالة الانعزال والقوقعة، وهذا ما لا نريده أبداً، والعلاج يتمثل في التعريض مع منع الاستجابة، أي أن يعرض الإنسان نفسه لمصدر خوفه ويظل واقفاً ومتماسكاً في نفس الموقف ولا يهرب أو لا يتجنب؛ لأن الهروب والتجنب هي التفاعلات السلوكية السلبية.

والتعريض مع منع الاستجابة يمكن أن يتم في مرحلتين: المرحلة الأولى هو ما نسميه بالتعريض في الخيال، وهذا نعني به أن تجلس في غرفة هادئة وأن تخصص وقتاً لا يقل عن عشرين دقيقة لهذه الجلسة النفسية السلوكية، وتبدأ في التخيل بأنك في موقف اجتماعي يتطلب المواجهة مثل عمل عرض أمام زملائك أو أمام الأساتذة، يجب أن تعيش هذا الخيال بكل جدية وتركيز وتمعن ومسئولية وصبر، ابدأ من اللحظات الأولى وعش العرض الخيالي كأنه حقيقة، ابدأ بفكرة أنك قد حضرت ما تود أن تعرضه وبعد ذلك حضرت إلى القاعة وكان هناك الحضور من زملائك الطلاب والأساتذة وبدأت العرض وقد أصابك بعض الخوف والتردد، ولكنك باستعادتك لثقتك في نفسك وتذكرك أن الذين أمامك هم بشر مثلك وليس أكثر من ذلك، وأن الكثير من الناس يقف ويخاطب آلاف وملايين البشر دون أي رهبة أو قلق، فلماذا لا تكون أنت منهم؟!

عش هذا الخيال بعمق وبتمعن، ويجب أن تكون لك جلسة نفسية مع نفسك مرتين في اليوم، على أن تغير موضوع الخيال، أي انتقل من موضوع إلى موضوع آخر، وبعد ذلك ابدأ في التطبيق، كل ما تجنبته من مواقف اجتماعية يجب أن تعود إلى مواجهته دون أي مساومة مع النفس.

وأريد أن أوضح لك أن ما يحدث لك من مشاعر سالبة وخوف هي مشاعر مبالغ فيها، بمعنى أنها مجسمة ومضخمة فوق حجمها الحقيقي.

وأمر آخر يجب أن تدركه وهو أن الآخرين لا يقومون بمراقبتك، ولا يقومون برصدك، وأنك لن تفقد السيطرة على الموقف. هذه هي المشاعر التي تعطل الناس تؤدي إلى زيادة الخجل والخوف والرهاب الاجتماعي.

وأما سماعك لدقات قلبك والتعرق فهي تفاعلات فسيولوجية طبيعية، وهي مبالغ في حجمها كما ذكرت لك، وحين تبدأ هذه المواجهات في الخيال ثم تعقبها بالمواجهات في الحقيقة سوف تجد أن القلق والخوف قد قلَّ كثيراً.

وأما بالنسبة لحالة الاستفرغ والقيء فهو ناتج من انقباضات عضلية التي تحدث لعضلات المريء والمعدة والأمعاء؛ لأن التوتر والقلق والداخلي يؤدي إلى تقلص هذه العضلات، فبتجاهل الأمر وبالإصرار على المواجهة سوف تجد أن ذلك أيضاً قد اختفى تماماً، وحتى نساعدك في تطبيق هذه التمارين السلوكية سوف أصف لك علاجاً دوائياً يعرف أنه فعّال جدّاً لعلاج المخاوف والقلق الاجتماعي.

وهناك أدوية كثيرة من أفضلها العقار الذي يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، وأود منك أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة (عشرين مليجراماً)، تناولها ليلاً بعد الأكل، واستمر عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين (أربعين مليجراماً) يومياً.

واستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم ارفع الجرعة إلى ثلاث حبات (ستين مليجراماً) في اليوم، تناول حبة واحدة في الصباح وحبتين ليلاً، واستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك ابدأ في تخفيض العلاج بأن تُنقص نصف حبة من الجرعة اليومية كل شهرين، وذلك حتى تصل إلى نهاية العلاج، وأقصد بالإنقاص نصف حبة كل شهرين أن تخفض جرعة الثلاث حبات إلى حبتين ونصف في اليوم وتستمر على ذلك لمدة شهرين، ثم تخفضها إلى حبتين في اليوم وتستمر على ذلك لمدة شهرين، وهكذا.

والدواء من الأدوية السليمة والفعالة وهو قليل الآثار الجانبية، فقط ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن، وهذه يمكن التغلب عليها بالتحكم في الأكل وممارسة الرياضة، كما أنه قد يؤدي إلى تأخر القذف المنوي قليلاً عند الرجال، ولكنه لا يؤثر على الخصوبة أو الذكورة.

بقي بعد ذلك أن تقوم أيضاً بتمارين سلوكية أخرى مثل ممارسة الرياضة الجماعية وهي ضرورية، وقد كنت تلعب كرة القدم فلا بد لك أن تعيد الذهاب لممارسة الرياضة فهي فعالة، وعليك أيضاً أن تنضم إلى أحد حلقات التلاوة بما يتيسر لك؛ لأن هذه الحلقات هي مكان للطمأنينة ورفع المهارات الاجتماعية، وقد وجد أيضاً أن الانضمام للجمعيات الشبابية والأعمال التطوعية والخيرية يقوي من شعور الإنسان بالرضا عن نفسه ويقلل من القلق الاجتماعي والخجل والخوف، فأرجو أن تكون حريصاً على ذلك.

واذهب إلى المسجد وأد صلواتك الخمس هناك، ولابد أن تكون في الصف الأول، واستشعارك لأهمية الصلاة سوف يكون دافعاً قوياً لك للقيام بذلك، وحين تصلي مع الجماعة حتى وإن أصابك قلق في بداية الأمر إلا أنك بعد ذلك سوف تحس بالارتياح وسوف تحس بالرضا، فأرجو أن لا تتردد مطلقاً في هذا الأمر، ويمكنك الاطلاع على علاج الخجل سلوكياً في الاستشارات التالية: (267019-1193-226256-259955)، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد،

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً