الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل سأستمر بتناول البروزاك لمعالجة الاكتئاب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عانيت من اكتئاب بسبب الظروف الصعبة التي تعرضت لها، وراسلت موقعكم فوصفتم لي دواء البروزاك، فتناولته وتحسنت كثيراً بفضل الله، وبعدها تعرضت لصدمة عاطفية، ورجعت أسوأ مما كنت عليه، فقمت بأخذ دواء بروزاك مجدداً حتى تحسنت وشعرت أني أفضل بكثير، وقويت علاقتي برب العالمين، وحافظت على قراءة القرآن، وأداء السنن جميعها، والتهجد وقيام الليل، وأحسست بأنني تحسنت نتيجة تقربي أكثر من الله، فأوقفت الدواء، ولكن بعد فترة قصيرة تراجعت عبادتي ولم أعد أستطع الاستيقاظ للتهجد كما كنت من قبل، إضافة إلى نفسيتي التي أصبحت أسوأ من ذي قبل، حيث تعرضت لضغوط كثيرة، فقد خطبت مرتين وتم الانفصال مما سبب لي صدمتين عاطفيتين كبيرتين.

وصديقاتي المقربات تزوجن وأصبحت وحيدة، وصرت أشعر أن كل الناس تحاول استغلالي، حتى الشباب الذين يتقدمون لي أمقتهم بشكل كبير، وأشعر بأنهم يريدوني لوظيفتي ويريدون استغلالي، حتى أهلي أشعر بأنهم يستغلوني.

علماً بأني أعمل وأضع كل مرتبي في البيت، وأتحمل مسئولية كل إخواني، ووالدي على قيد الحياة، لكنه لا يعمل محتجاً بأن صحته لا تساعده، لكنه لو قرر لوجد عملاً يناسب وضعه الصحي، فهو يعاني من وجع في ظهره، وأشعر أن كل هموم الدنيا فوق رأسي، فماذا أفعل؟!

أفيدوني وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شمس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حدوث هذه الانتكاسات بعد التحسن الملحوظ يدل أنك لديك الاستعداد للقلق والتوتر ونوبات الاكتئاب، وهذا ليس ضعفاً في شخصيتك، وليس قلة في إيمانك، إنما هو مجرد استعداد لهذا القلق والاكتئاب، وليس أكثر من ذلك.

وأود أن أطمئنك تماماً أن عقار بروزاك Prozac من الأدوية الجيدة، ومن الأدوية الفعالة، ومن الأدوية السليمة، وهذا الدواء قد دخل الأسواق عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، وأعرف أن هنالك من الناس من يتناوله منذ اكتشافه وحتى الآن دون أي مشكلة أو آثار جانبية، هذا يجعلني أدعوك لأن تبدئي في تناول البروزاك - فلوكستين Fluoxetine - بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وحبذا لو قمت بالاستمرار على هذه الجرعة لمدة أطول، حتى لو استمرت سنتين أو ثلاثة؛ لأن الدواء سليم وغير إدماني وغير تعودي، ولا يؤدي إلى أي خلل هرموني بالنسبة للإناث، كما أنه لا يؤثر مطلقاً على الأعضاء الرئيسية في جسم الإنسان، كالقلب والكبد والكلى، فاستمري على الدواء.

يأتي بعد ذلك المهام الجسام التي ترين أنها السبب في انتكاساتك، وهي تحملك المسئولية في البيت، وأن والدك لا يعمل، بالرغم من أنه يمكن أن يجد عملاً مناسباً، ولكنه دائماً يضع الأعذار بأن صحته لا تسمح بذلك.

حقيقة أنا أؤمن أن بعض الناس يتخيرهم الله تعالى لتحمل المسئولية، وهذا في حد ذاته إكرام للإنسان، الإنسان الفعال أفضل من الإنسان الغير فعال، الإنسان الذي يشعر الآخرون بقيمته ووجوده وحضوره، ويشغل مساحة واضحة في مجتمعه، أو على نطاق أسرته، هذا هو الإنسان الإيجابي، فأريد منك أن تنظري إلى هذه المسئولية التي على عاتقك نظرة إيجابية، فأنت بحمد الله يد عليا، وصاحبة همة عالية، وهذا من فضل الله عليك، لا تسميها هموم الدنيا فوق رأسك، أنت تقومي بواجباتك حيال نفسك وأسرتك ودينك، وهذه هي المسئولية التي إذا استشعرها الإنسان سوف يشعر بالرضا.

ولا أريدك أبداً أن تكوني في هامش الحياة أو على أطرافها، بل كوني في قلب الدنيا وفي قلب الحياة، كوني فعالة، وأنت الآن ولله الحمد تنتهجين هذا المنهج، فلا تحسي أبداً بالأسى أو الحسرة، بل على العكس تماماً، ما تقومي به هو عمل إيجابي وفعّال ومفيد لك إن شاء الله في الدنيا والآخرة.

سلي الله تعالى أن يسهل لوالدك عملاً مناسباً، وتكون له الرغبة في أداء هذا العمل، ولكن إذا لم يتمكن فأرجو أن تعتبري تضحياتك وأداءك وعملك من أجله ومن أجل أسرتك، هو نوع من التضحية الإيجابية، ونوع من البر لوالدك، وأنت إن شاء الله مأجورة على ذلك.

وأما بالنسبة للصدمات العاطفية التي تبعت عدم التوفيق فيما يخص الخطبة والزواج، فهذه لا أستطيع أن أقول فيها إلا: (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:216]. هذه تكفي تماماً، فتأملي فيها، وما حدث لك ليس بكارثة أبداً، إن شاء الله يأتيك من هو أفضل، ويأتيك من يجلب لك الخير بإذن الله، ولا تشعري بأي حسرة، فأنت ما زلت صغيرة في السن، وأنت مؤهلة، وأنت متدينة، وذات خلق، وسوف يأتيك إن شاء الله الرجل الذي يناسبك.

وأرجو أن تجتهدي في عباداتك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأنا سعيد أن ألاحظ أن رسالتك تحوي على الكثير من الإيجابيات، ولديك المقومات الإيجابية السليمة التي تجعلك تعيشي حياةً فعالة وبكفاءة نفسية عالية، بالرغم من استشعارك أنك تحت ضغوط نفسية شديدة، هذه ليست ضغوط شديدة، إنما هي مشعرات ودافعات ودوافع نحو علو الهمة والفعالية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً