الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من مواجهة الناس ومن اختبار قيادة السيارة.

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من الخوف (الخوف من المقابلة في العمل، والخوف من امتحان السواقة، والخوف من مواجهة الناس).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه.

الخوف بصفة عامة هو شعور إنساني متأصل، كل الناس يعانون من الخوف، ولكن بالطبع بدرجات متفاوتة، والخوف في حد ذاته هو طاقة نفسية داخلية تعتمد على تفاعلات عاطفية وظرفية وبيولوجية، وهو مهم جدّاً، مهم لأن من خلال الخوف يحمي الإنسان نفسه من بعض المخاطر التي يواجهها ويجابهها في محيطه، ولكن قطعاً إذا ازداد معدل الخوف وارتفع عن الخوف الصحي أو الطبيعي سوف يؤدي ذلك إلى تفاعلات سلبية.

إذن الذي أود منك أن تتفهميه هو أن الخوف مشاعر إنسانية تتفاوت في شدتها وحدتها بين الناس.

ثانياً: لا شك أنك مطالبة بأن تحقري فكرة الخوف الزائد، فبعد أن تفهمت طبيعة الخوف قولي لنفسك: (لماذا أنا أخاف، فملايين الناس يذهبون من أجل المعاينات والمقابلات من أجل العمل، وملايين الملايين من الناس يقودون السيارات وينجحون في الحصول على رخصة القيادة دون أي مشكلة، كما أن الناس يواجهون بعضهم البعض بصورة منتظمة، فلماذا أخاف أنا!).

لابد أن تتأملي في هذا السؤال تأملاً منطقياً حتى تصلي إلى قناعة أن خوفك هو خوف غير مبرر، والشيء غير مبرر يجب ألا يعطيه الإنسان قيمة.

التمرين الثالث هو أن تكتبي هذه المخاوف في ورقة، ثم بعد ذلك تختاري الأول منها وتتأملي فيه، فعلى سبيل المثال: تأملي أنك ذهبت إلى معاينة ومقابلة من أجل العمل، عيشي هذا الخيال بكل قوة، كانت اللجنة تتكون من ثلاثة أشخاص وبالطبع هم غرباء بالنسبة لك وفي مواقع المسئولية، وبعد أن نودي عليك وقفت أمام اللجنة، وبعد دخولك عليهم ألقيت عليهم السلام والتحية، ثم طلبت الجلوس، ثم بدأ أعضاء اللجنة في سؤالك كما هو معتاد في مثل هذه الحالات.

عيشي هذا الخيال بكل دقة وبكل تفاصيله، وحين يأتيك شعور، أي خوف أثناء هذا التخيل قولي: (أقف أقف أقف) أي كأنك تخاطبين الخوف حتى يقف، هذا التمرين في شكله الظاهر مضحك ولكنه يقوم على أسس علمية، وإذا طبق بالصورة الصحيحة فهو مفيد جدّاً.

التمرين الآخر هو أيضاً بنفس هذا المستوى وعلى نفس النمط: تأملي أنك في امتحان السواقة، تذكري كل الخطوات المطلوبة، عيشي الخيال بقوة، وإذا أتتك فكرة الخوف – ومن المفترض أن تأتيك – إذا عشت الخيال كأنه حقيقة، هنا قولي لنفسك: (أقف أقف أقف) أي كأنك تخاطبين الخوف حتى يقف.

ونفس الشيء بالنسبة لمواجهة الناس، تأملي أنك أمام جمع كبير من الناس، وأنه طُلب منك أن تقدمي حديثاً أو كلمة أو عرضاً في موضوع معين، عيشي كل الخيال بكل تفاصيله، وحين يأتيك الخوف قولي: (قف، قف قف)..

هذه التمارين يجب أن تكرر ثلاث مرات يومياً، والعلماء يشيرون أن من يطبقها تطبيقاً صحيحاً سوف تختفي منه الأعراض بعد أسبوعين.

رابعاً: أرجو أن توسعي من دائرة علاقاتك وتواصلك مع صديقاتك، وأرجو أن تأخذي القدوة الحسنة خاصة الصديقات اللاتي هن من ذوات الشخصية القوية والمقدرة على المواجهة، وحاولي أن تقلدي ما يقمن به أثناء مواجهة أو مخاطبة الآخرين.

إذن الفكرة كلها تقوم على التحليل الداخلي للمخاوف وتحقيرها وتفهمها بصورة صحيحة، ثم مواجهتها في الخيال، ومواجهتها في الواقع، والإصرار على هزيمتها والتخلص منها.

سيكون أيضاً من الجيد بالنسبة لك أن تطوري مهاراتك الاجتماعية بصفة عامة، الانضمام للعمل الخيري الذي تقوم به جمعيات البر والإحسان وجد أنه يقوي من شخصية الإنسان ويرفع مهاراته في المواجهة، والمشاركة في الحلقات النسائية لتعليم القرآن أو التلاوة وجد أيضاً أنها مفيدة جدّاً لتذوب وتزيل هذا الخوف.

يبقى بعد ذلك أن تتعلمي أيضاً ممارسة تمارين الاسترخاء، فالاسترخاء دائماً هو مضاد للقلق، والخوف ما هو إلا نوع من أنواع القلق حسب التعريفات التعليمية.

توجد كتيبات وأشرطة كثيرة في الأسواق توضح كيفية القيام بهذه التمارين، ويمكننا أيضاً أن نشرح لك هذه التمارين بصورة مختصرة، ومن أجل تطبيق هذا التمرين: استلقي في مكان هادئ – في الغرفة – ثم تأملي أنك في وضع استرخائي تام، وحاولي أن تتذكري حدثا سعيداً حدث في حياتك، ثم أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلاً، ثم خذي نفساً عميقاً وبطيئاً عن طريق الأنف وهو الشهيق، اجعلي صدرك يمتلأ بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً، ثم بعد ذلك أمسكي على الهواء لفترة قصيرة في صدرك، ثم يأتي الزفير وهو إخراج الهواء ببطء وبقوة، كرري هذا التمرين خمس إلى ست مرات في كل جلسة بمعدل جلسة في الصباح وجلسة في المساء وسوف تجدين فيه - إن شاء الله تعالى – خيراً كثيراً.

يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي، فهنالك - بفضل الله تعالى - أدوية فعالة وممتازة وتساعد كثيراً في علاج الخوف أيّاً كان نوعه، ولعلاج القلق أيضاً، فأرجو أن تتناولي أحد هذه الأدوية، والدواء الذي سوف أصفه لك يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil) ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine)، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرامات) ليلاً لمدة أسبوعين - يفضل أن تتناولي الدواء بعد تناول الأكل – بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراماً) ليلاً لمدة ثلاثة أشهر – وهذه هي الجرعة العلاجية في حالتك وتعتبر جرعة صغيرة جدّاً؛ لأن هذا الدواء يمكن أن نعطيه حتى أربع حبات في اليوم ولكن أنت محتاجة إلى حبة واحدة في اليوم -.

بعد انقضاء فترة الثلاثة أشهر خفّضي الجرعة إلى نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم إلى نصف حبة كل يومين لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناوله.

الدواء كما ذكرت دواء سليم وفعال وغير إدماني.

أرجو أن تطبّقي الإرشادات النفسية السلوكية السابقة، وأن تتناولي الدواء بالصورة الصحيحة التي وصفتها لك، وأنا على ثقة تامة - بإذن الله تعالى – أن هذه الأعراض سوف تنتهي، فقط عليك الثقة بالله أولاً ثم الثقة بنفسك ومقدراتك، وأنه لا ينقصك أي شيء وأنك لست أقل من الآخرين.

أسأل الله لك الشفاء والعافية، ونشكرك على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: ( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 )، والعلاج السلوكي للمخاوف: ( 262026 - 262698 - 263579 - 265121 ).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً