الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلب الطلاق بسبب البعد من الأهل، ما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي قد تكون أسرية واجتماعية ونفسية في الوقت نفسه، أنا متزوجة منذ 6 سنوات، وعندي طفلين، زوجي ليس قريباً لي، تعرفت على زوجي وكان موظفا معي في العمل، علماً بأنه كان شاباً صالحا ومتدينا، وطول فترة عملنا لم أرَ منه إلا كل خير، وكان متحفظا ومن عائلة محافظة.

وكنت أدعو الله في كل صلاة أن يرزقني الزوج الصالح، وبالفعل تزوجنا وحتى يوم العقد كان يصلي صلاة الاستخارة، قال لي: لقد صليت استخارة في موضوع زواجنا عشرات المرات -والحمد لله- تم الزواج، والحقيقة لي معه 6 سنوات ولم أرَ منه إلا كل خير وكل ما يرضي الله، ولكن مشكلتي مع أمه، أمه طيبة جداً ولكي أنصفها والله يشهد علي أنها تعاملنا معاملة طيبة، ولكن عندها شخصية غريبة، دائماً تفضل ابنها عليّ، وعندها ابنها الذي هو زوجي في مقام الملائكة، كل ما يقوله صح، وأي فكرة أعرضها في نظرها قاصرة وخاطئة، تفضل أكل بناتها ولا تأكل من يدي كل شيء، تأكل بعض الأشياء، أحياناً تقول لي البيتزا مثلاً لا آكلها ولكن من بناتها تأكل كل شيء، هل هو وسواس أم شك في نظافتي؟

لا أعلم، وتتعامل مع زوجات أبنائها الآخرين بنفس الطريقة، عندها بناتها أفضل من نساء أولادها، هل كل الأمهات هكذا؟! مع أن أمي تتعامل مع زوجة أخي بكل حنان وعطف، وأحياناً تفضلها علينا، تقول زوجة ابني بنتي وبنتي بنت أهل زوجها.

أما المشكلة الثانية: أنا أسكن في منطقة بعيدة عن أهلي، أي إقامتي مع زوجي، وتبعد مدينتي حوالي 900 كيلو متر، أي 9 ساعات بالسيارة، والزيارات لأهلي قليلة؛ في الصيف شهر وفي عيد الفطر شهر، أي شهرين في السنة، أفكر في الانفصال لهذا السبب! علماً بأن زوجي وأهله أناس طيبين جداً، وزوجي أحبه جداً ولم أرَ منه إلا كل خير، يحاول دائماً أن يسعدني ويعوضني في بعدي عن أهلي خيراً، فهل أم زوجي طبع يغلب التطبع أحتمله وأصبر عليها مع أن تصرفاتها تثير أعصابي؟ علماً بأنها لا تتدخل في حياتي أبداً وتقول لي دائماً: استقلي بشخصيتك أنت لك بيتك وزوجك وأسرتك، هل بعدي عن أهلي وشوقي لهم هو السبب، وهل الانفصال هو الحل؟

أرجو منكم النصيحة، وشكراً لكم، وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أبو بكر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وفي زوجك، وأن يبارك في ولديك وأن يجعل حياتكم حياة سعيدة طيبة مباركة، كما نسأله -تبارك وتعالى- أن يوفقكما دائماً للتفاهم والحوار بين أسرتكم، خاصة أم زوجك -حفظها الله-.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فأنا عجبت جدّاً لسؤالك: هل من الممكن أن تنفصلي بسبب بعدك عن أهلك؟ هذا أمر عجيب حقيقة، فالمرأة في كل الأحوال ليس لها إلا زوجها وأولادها، ولو ذهبت إلى أهلك قطعاً ما تحملوك مطلقاً، لأنهم أرادوا منكِ أن تكوني زوجة ناجحة وأن تكوني أمّاً فاضلة، أما أن تذهبي لتعيشي معهم وتتركي زوجك الذي هو الآن سبب دخولك الجنة، يعني والدك لا يدخلك الجنة كما زوجك يدخلك الجنة، فإن (المرأة إذا أطاعت زوجها، وحصنت فرجها، وصلت فرضها، وصامت شهرها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت).

ولذلك جعل الله -تبارك وتعالى- مقام الزوج في الحياة الزوجية أعلى عند المرأة المسلمة من مقام أبيها وأمها، حتى وإن كانت متعلقة بهم عاطفياً، ولكن طاعته وإسعاده وإرضاءه مقدمة على طاعة أبيها وإسعاده وإرضائه؛ لأن هذه سنة الله -تبارك وتعالى- في خلقه، ولذلك أنا لا أرى أبداً أن هذا البعد سبب مطلق في التفكير في الانفصال أبداً، مهما كان الوضع، خاصة وأنكم تعيشون في دولة واحدة، فتصوري أنت الآن لو أن والدك في السودان وأنت في أمريكا، فلا يجوز لك أبداً أن تفكري في الطلاق، ولو أن والدك في أدغال إفريقيا وأنت في أمريكا أو أوروبا لا يجوز لك ذلك؛ لأن المرأة -أختي الكريمة الفاضلة- ليس لها إلا زوجها وأولادها، وهذا في العالم كله وفي الدنيا كلها.

أم سلمة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- عندما أراد زوجها أبو سلمة أن يهاجر وقفت مع زوجها أبو سلمة ووقفت ضد أهلها، حتى اضطروا أن يخلعوا ذراع ولدها سلمة، وظلت عاماً كاملاً وهي تخرج كل يوم لنفس المكان الذي دارت فيه هذه المعركة والخلاف الأسري؛ لأن أهلها منعوها أن تخرج مع زوجها للهجرة، فظلت عاماً كاملاً حتى تغير لونها، واسودت بشرتها، وضعف جسدها، وأصبحت في حالة من الإعياء الشديد حتى رقّ لها بعض جيرانها، فسألوا أهلها أن يسمحوا لها فخرجت إلى زوجها مهاجرة، ففضلت زوجها، بارك الله فيك.

فتفكيرك ليس موفقاً أن تفكري في الانفصال لأنك بعيدة عن أهلك، فأنت تستطيعين أن تتكلمي معهم عن طريق الإنترنت يومياً لساعات طوال، ثانياً على ذلك حتى ولو لم تتكلمي معهم ولو لم تتصلي بهم مطلقاً فلا حرج عليك إذا كنت لا تستطيعين ذلك، ولكن تفريطك في زوجك الآن وسؤالك الطلاق من زوجك بغير وجه حق هو معصية.

إذن رجاءً ألا تفكري هذا التفكير، واسمحي لي أني بدأت معك هذا الكلام، لأني ما توقعت أن امرأة صالحة في مثلك يكون هذا تفكيرها أبداً، مهما كان، لأنك تعيشين حياتك الآن كما عاشت أمك حياتها، فأمك عاشت مع أبيك وتركت بلادكم الأصلية وذهبت لهذه البلاد لتعيش فيها وتركت أهلها وراءها وهم قطعاً من أحب الناس إليها، والنبي عليه الصلاة والسلام لما هاجر بزوجاته ما قالت واحدة منهنَّ إن أمي أو أبي موجود في مكة ولن أهاجر معك، وإنما تريد أن تذهب إلى حيث ما أراد زوجها، وهكذا أيضاً لما هاجر الصحابة إلى الحبشة رغم أن الحبشة كانت على ملل مختلفة بالنسبة لمكة، ورغم ذلك خرجت الصحابيات مع أزواجهنَّ إلى الحبشة ومنهنَّ من ماتت في الحبشة، في غربة بعيدة، وأين منك ذلك، وأين الحبشة الآن؟

فأنا أقول هذه الفكرة رجاء أن تخرجيها من رأسك مطلقاً، ولا تفكري فيها تحت أي ظرف، واعلمي أنها خطأ مائة بالمائة، وجزاه الله خيراً زوجك فهو لا يقصر معك، يحملك شهرين في العام تذهبين إلى أهلك.

ولذلك فكرة الانفصال ليست صحيحة، وشوقك لأهلك مجرد أمر عاطفي من الممكن أن يملأ بالتواصل بالهاتف والتواصل بالإنترنت، وتستطيعين أن تنظري إلى أمك وأنت في بيتك وهي تنظر إليك وتطمئن عليك، وتذهبين إليها مرتين في العام هذا شيء رائع جدّاً؛ ولذلك ليس لك أبداً من عذر عند الله تعالى في طلب الانفصال.

أما فيما يتعلق بقضية أم زوجك، ففعلاً -كما ذكرتِ- أنت أن هذا طبع يغلب التطبع، فتحملي واصبري عليها، حتى وإن كانت تصرفاتها تثير أعصابك؛ لأننا لا نستطيع أن نقول لزوجك غير أمك، ولا نستطيع أبداً أن نقول لها: (باركَ الله فيك غيّري من سلوكك بعد أن وصلت لهذا العمر)، وإنما شيء من المرونة والتفاهم من ناحيتك تنتهي المسائل.

أنت لا تستطيعين أن تغيري أمك، ولا تستطيعين أن تغيري والدك؛ لأن بعد الستين أو سبعين سنة من حياة نشأت عليها لا تستطيعين أن تغيري منها أو تطلبي منها أن تتغير هكذا، فأنت ما دمت لم تقصري -بفضل الله تعالى- في شيء، وهي لا تتدخل في حياتك الشخصية، وإنما تقول لك: استقلي بشخصيتك، أنت لك بيتك وزوجك وأسرتك، فهذا كلام رائع، هذه امرأة في غاية الوعي والفهم.

كونها تفضل بناتها أو ترى أن زوجك لا يخطئ من باب حرصها وتباهيها لولدها فهذا ممكن، وهذا وارد جدّاً، أن كل أم ترى أن ابنها موفق، وأن ابنها راشد، وأن ابنها دائماً ملهم من الله تعالى، فهذا الكلام لا يضرك في شيء، فأنا أقول: هذه تصرفات بسيطة جدّاً؛ ولذلك أنا أفضل عدم التحسس من هذا الموضوع، وأثني عليك في إنصافك لها وفي عدم ظلمها أيضاً بأنها طيبة جدّاً، ولكن هذه التصرفات بسيطة؛ ولذلك اصبري عليها وتحملي تصرفاتها إكراماً لزوجك وابتغاء مرضاة الله تعالى، ولك على ذلك الأجر الكبير.

فقضية أم زوجك قضية بسيطة -إن شاء الله تعالى- وأنت امرأة مثقفة وواعية، وأعتقد أنك تستطيعين أن تحتويها بسهولة -بإذن الله تعالى- تفكيرك في الانفصال هذا أمر خطأ مائة بالمائة، وزوجك هو أبوك، زوجك هو أمك، زوجك هو إخوانك وأخواتك، زوجك كل شيء، فاحرصي على ذلك واجتهدي في إرضائه وإسعاده، وإحسان التعامل معه بالطيبة التي أنت عليها الآن، وأولادك هم قرة عينك وزهرة شبابك، وحياتك فلا تفرطي فيهم ولا تتخلي عنهم لأي ظرف، حتى لو طلب أهلك منك ذلك شرعاً فلا يجوز لك أن تطيعيهم في هذا الأمر؛ لأن المرأة التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان زوجها مريضاً فجاءها أخوها وكان زوجها قد خرج للجهاد في سبيل الله، فقال: (إن أباك مريض ويطلب منك أن تأتي لزيارته)، فقالت: (إن زوجي لم يأذن لي، أنتظر حتى يعود زوجي أو يأذن رسول الله)، ورغم ذلك ظلت هكذا حتى مات أبوها، فقال لها: (لقد مات أبوك) فقالت: (أستودعه عند الله تعالى) ولم تخرج من بيتها لأن زوجها أمرها ألا تخرج من بيتها، فقدمت طاعة زوجها على أي شيء آخر.

فهذه -بارك الله فيك- الحياة الزوجية في الإسلام، فنحن لسنا كالكفرة الذين لا قيمة للحياة الزوجية لديهم؛ لأنهم ليست لديهم حياة زوجية بالمعنى الذي تعرفينه، أما أنت المرأة المسلمة التي تعظم زوجها؛ لأنها تعلم أن رضا الله من رضا الزوج وأن سخط الله من سخط الزوج.

فاجتهدي -بارك الله فيك- في الحفاظ على أسرتك، واجتهدي في الصبر على أم زوجك، وأبشري بخير كما ذكرت لك الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة فرضها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحصنت فرجها، دخلت من أبواب الجنة شاءت)، كل أبواب الجنة الثمانية مفتوحة أمامك بفضل الله هذا العمل الطيب المبارك.

أما عن أهلك فتستطيعين أن تتواصلي معهم عبر الإنترنت وغيرها، وأعتقد قطعاً أنك ستفعلين ذلك، وهذان الشهران -بفضل الله تعالى- زيادة فوق زيادة، يعني هذا أمر رائع جدّاً أن تظلي عندهم شهرين؛ لأنك أنت مع زوجك ومع أولادك، فأنت مع نفسك أيضاً.

أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لاتخاذ القرار المناسب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً