الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استخدام الحشيش يؤدي إلى داء الأفكار الاضطهادية الضلالية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد فجزاكم الله خيراً على ما تقدمونه، وجعله في ميزان حسناتكم.

أنا شاب استخدمت الحشيش لفترة من الزمن لمدة أربع سنين ثم تركته، وبعد تركي له بأسبوعين، جاءتني أعراض خوف وقلق ووسواس، وصرت أخاف من كل شيء تقريباً حتى إذا أردت أن أذهب إلى مكان ما فلا أستطيع دخوله من الخوف والقلق.

وزادت الوساوس معي، وذهبت للطبيب بعد شدة الأعراض وقال: الذي فيك أعراض الانسحاب، وهو اكتئاب ذهاني، وصرف لي علاج زيبركسا والحمد لله تحسنت حالتي، وبعد تحسني بسنة رجعت لاستخدام الحشيش وجلست فترة ستة أشهر وتركته، وبعد تركي بأسبوعين جاءتني أعراض خوف وقلق ووساوس وعدم ثقة بالنفس، ولكن بصورة أقل من التي جاءتني قبل، فزرت الطبيب مرة أخرى وقال الذي فيك أعراض انسحابية، عبارة عن قلق ووساوس، وصرف لي علاج فيفارين واستخدمته لمدة ثلاثة أشهر ثم تركته.

وأنا والحمد لله وضعي الآن أفضل، ومتوقف عن الحشيش منذ ستة أشهر ولكني تركته قبل ما يأتيني الاكتئاب الذهاني، صحيح أني مررت بفترة صعبة ولكن تحسنت بسرعة ولكن الأعراض الانسحابية التي أتتني الفترة هذه أخف ولكن أحياناً أحس أنها مستمرة معي إلى الآن.

وهناك شيء آخر -يا دكتور- وهو أني أحس أني خجول أكثر من قبل، وإذا عملت شيئاً أحس بأن الذي بجواري يراقبني، وأكثر الأوقات أكون متضايقاً ومحبطاً، بدون أي سبب، وقبل ما تأتني هذه الأعراض كنت طبيعياً.. أما الآن فلا، أظل أفكر بفلان، وفلان يقول عني كذا وكذا، وأظل أفكر أفكاراً سلبية، يعني أصنع لنفسي الصعوبات لو أفعل كذا يمكن يصير كذا ومن هذا الكلام.

أرجو الإجابة يادكتور محمد بأسرع وقت ممكن للأهمية، الله يجزيك خيراً ويرحم والديك، وآسف على الإطالة.

ملاحظة أنا الآن متوقف عن العلاج، واعلم يا دكتور محمد أن الذي تقوله لي سأطبقه بحذافيره، أرجو أن تتمعن بمشكلتي لو سمحت، وجزاك الله خيراً، والسلام ختام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بندر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه من استشارات.

فأنت تعرف الداء وتعرف الدواء، فكل الذي حدث لك من تغيرات نفسية فظيعة وشديدة هي من تعاطيك لمادة الحشيش، وأنا لا أقول هذا الكلام من أجل ترهيبك ولكني أود أن أملكك حقائق علمية، فالقلق والتوتر والوساوس التي حدثت لك كانت في بدايتها تحمل طابع الآثار الانسحابية، ولكن يعرف تماماً أن بعض انقضاء الآثار الانسحابية هذه الأعراض قد تستمر مع الإنسان، وهذا من أسوأ ما يفعله الحشيش بعقل الإنسان؛ لأنه يؤدي إلى تغيرات شبه دائمة في بعض الموصلات العصبية في دماغ الإنسان، ولكن بالطبع الإنسان الذي يتوقف ويقلع إقلاعاً تاماً -إن شاء الله تعالى- سوف ترجع هذه الموصلات العصبية لوضعها الطبيعي، ولكن هذا قد يستغرق بعض الزمن.

ما ينتابك أيضاً من شكوك وظنون واعتقاد أن الآخرين يشيرون إليك ويراقبونك، فهذا من صميم ما يعرف بـ (الأفكار الاضطهادية الضلالية) التي تعقب استعمال الحشيش.

إذن: صورتك هي صورة مثالية جدّاً من الناحية العلمية، وذلك للأذى الضخم والجسيم الذي أوقعه الحشيش بعقلك ونفسك وجسمك.

لا شك أن باب التوبة مفتوح ورحمة الله واسعة، والإقلاع يجب أن يكون قراراً صارماً وقراراً ثابتاً وقراراً قوياً، فأنت قد ألحقت بنفسك الكثير من الأذى، وهذا يجعلني أقول لك إنك من أكثر الناس حاجة إلى الإقلاع عن هذه المادة الخبيثة، وإن شاء الله حين تصبر على هذا الإقلاع وتستغفر ربك وتراجع نفسك وتحطم وتقطع كل الروابط التي ربطت بها نفسك مع تناول الحشيش من أصدقاء ومن أماكن وغير ذلك؛ لأن قطع الروابط التي كانت تربط الإنسان بهذه المادة الخبيثة يبعدها عما يعرف بثقافة الإدمان؛ لأن للإدمان ثقافة وطقوسا، وقطع الروابط يعتبر ضرورياً جدّاً للمساعدة عن الإقلاع.

وبالطبع عليك أن تستبدل هذه المادة بما هو جميل، فهنالك أشياء جميلة يمكن للإنسان أن يدمنها كالتواصل الاجتماعي والقراءة والاطلاع والحرص على العبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتفوق الوظيفي والانضمام لأعمال الخير والبر - هذه أشياء جميلة يمكن أن يدمنها الإنسان – وأن يحب أسرته وأن يدافع عن عقيدته، أمور كثيرة وجميلة جدّاً في الحياة يمكن أن يدمنها الإنسان.

فأرجو أن تعطي نفسك فرصة وتغير مسلكك، وأنا سعيد جدّاً أن أسمع أنك قد أقلعت عن هذه المادة اللعينة.

عليك أيضاً بممارسة الرياضة، فهي -إن شاء الله- فيها خير كثير لك.. وكن متميزاً في إدارة وقتك، فالواجبات أكثر من الأوقات فعليك أن ترتب خارطة يومية لكيفية قضاء وقتك، وزع وقتك ما بين التواصل وما بين العمل وما بين القراءة والترويح عن النفس والعبادات، أشياء كثيرة جدّاً يمكن للإنسان أن يستثمرها بصورة إيجابية.

يبقى بعد ذلك الدواء والعلاج الدوائي، وحقيقة أنت في حاجة للعلاج الدوائي، وأرى أن (الزبركسا Zyprexa) سيكون علاجاً جيداً بالنسبة لك، ويجب أن تستمر عليه - على الأقل – لمدة ستة أشهر، أو بدل الزبركسا يمكن أن تستعمل العقار الذي يسمى تجارياً باسم (الرزبريدال Risporidal) أو ما يسمى علمياً باسم (رزبريادون Risperidone) بجرعة اثنين مليجرام، ابدأ بواحد مليجرام لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى اثنين مليجرام واستمر عليها أيضاً لمدة ستة شهور، وفي رأيي هذا يكفي تماماً، وإذا لاحظت أن هنالك عسراً حقيقياً في مزاجك أو افتقاداً للطاقات النفسية وكثرت عليك الوساوس فلا مانع من أن تضيف العقار الذي يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac) ويعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) وهو عقار فعال ونقي وسليم ومتميز جدّاً في علاج القلق والتوتر والوساوس والمخاوف والاكتئاب، وأنت تحتاج له حقيقة بجرعة صغيرة وهي كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أيضاً.

جزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه، ونشكرك كثيراً بوعدك أنك سوف تطبق ما ذكرناه لك بحذافيره، ونحن نثق تماماً أنك سوف تفي بوعدك، ونسأل الله تعالى أن يحفظك وأن يشفيك وأن يبعدك عن هذه السموم؛ لأن تعاطيها لا يجدي مطلقاً، فهي تؤدي إلى فقدان الصحة وإلى فقدان العقل وإلى فقدان النفس وإلى إضاعة الدين أيضاً، فعليك أن تصحح من مسارك وأنا متفائل جدّاً أنك إن شاء الله سوف تكون بخير وعلى خير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً