الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العقوبة والابتلاء، ما الفرق بينهما؟

السؤال

أريد أن أعرف ما الفرق بيت العقوبة والابتلاء، وكيف يمكن للإنسان التمييز بينهما؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حصول المصائب للمطيع لرب العالمين أكبر دليل على أن ذلك ابتلاء يرتفع به صاحبه عند الله درجات، وينال بصبرة على البلاء منازل ما كان ليصل إليها إلا بالصبر والرضا، ولا يزال البلاء بالعبد المؤمن حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.

أما حصول المصائب للعاصي ففيها ما يدل على أنها عقوبة من الله، وربما يحرم الإنسان الرزق بالذنب يصيبه.

ولا يخفى على أمثالك أن البلاء قد يكون عاماً، وعند ذلك ينقسم الناس إلى طوائف ثلاث: الأولى: كانت على الإيمان والطاعات، فازدادت بصبرها درجات.

الثانية: كانت غافلة فاستيقظت ورجعت، وهذا خير كثير لأنها فهمت مراد الله القائل: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الأنعام:42] وأدركت أنه ما ترك بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

الثالثة: كانت على المعاصي والغفلات ولم تتعظ رغم نزول البلاء؛ لأن القلوب قاسية، والشيطان يزين لهم القبح (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، [الأنعام:43] ليتهم رجعوا وأنابو (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، [الأنعام:43] وهذه أسوأ الطوائف، ونعوذ بالله من الخذلان، ولكني أريد أن أنبّه إلى مسألتين:

1. ما كان عليه السلف من اتهام لأنفسهم، ثم مسارعتهم للاستغفار والتوبة عند حصول البلاء؛ لأنهم يقرؤن قول الله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)، [الشورى:30] وربما كان عند الإنسان خلل لم ينتبه له.

2. أن الله سبحانه قد يعطي الإنسان الخيرات رغم عصيانه؛ وذلك لحقارة الدنيا عند الله؛ ولأن في ذلك استدراجا للغافلين، قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ)، [الأنعام:44] كان القياس أن يقول انتقمنا منهم، ولكنه سبحانه يقول: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، [الأنعام:44] يائسون من كل خير وهذا هو الاستدراج.

وفي الحقيقة أنا سعيد بهذا السؤال، وأوصيك بأن تجعلي سعادتك في مواطن الأقدار وتجعلي نعمة الله شكراً، وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراً شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه ومرحباً بك في موقعك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر، وإذا أذنب استغفر.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات