الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاجتهاد في دعوة الأخ والأم إلى الصلاة

السؤال

السلام عليكم.

أخي الوحيد تارك للصلاة، ويريد أن يتزوج، وننصحه أنا ووالدي كثيراً ولكن يأبى، وعندنا ظهرت أعمال السحر والشعوذة بكثرة، ويريد أن يتزوج ابنة خالتي التي كنا نعتبرها كلنا بمثابة الأخت، وفجأة قال أريدها زوجة لي، وأمها أيضاً لا تصلي، وتتّجه كثيراً إلى أمور الدنيا، وكان يفعل أشياء لا ترضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عندما كان يريدها للخطبة أولاً، وكان يتشاجر كثيراً معنا أنا ووالدي المسن، وأمي امرأة -آسف أن أقول أنها- غير إيجابية، وأنها أيضاً لا تصلي، وأبي رجل ملتزم جداً وملتح، ودائماً كثير العراك مع البيت بسبب عدم الصلاة، فماذا أفعل؟!

وجزاكم االله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك ووالدك على الحق، كما نسأله تبارك وتعالى أن يهدي إخوانك وأخواتك ووالدتك وخالاتك وعماتك وسائر المسلمين إلى طاعته ورضاه، وأن يمنَّ عليهم بالصلاة والاستقامة على شرعه.

وبخصوص ما ورد برسالتك أخي الكريم الفاضل! فإنه كما لا يخفى عليك أن الله تبارك وتعالى قال: (( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ))[الأعراف:178]، وقال جل جلاله: (( وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ))[النمل:81]، وقال تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[القصص:56].

إذن: الهداية ليست بيد أحد من الخلق - أخي الكريم – وإنما هي منحة من الله تبارك وتعالى، وانظر أنت معي الآن إلى أسرتكم، فأنت رجل قد وفقك الله تبارك وتعالى إلى طاعته ورضاه، رغم أن أخاك تاركٌ للصلاة وهو مصرٌ على ألا يصلي، وانظر إلى والدك – حفظه الله – فهو رجل ملتحي وملتزم وحريص على الطاعة، في حين أن والدتك أيضاً هي لا تصلي، إذن في البيت الواحد تجد من شاء الله أن يهديه، وتجد من شاء الله أن يضله؛ ولذلك نحن نقول أخي الكريم: فقط (( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ))[الأعلى:9] ونقول: (( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ))[الشورى:48]، ونقول: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ))[النحل:125].

فالمطلوب منكم - بارك الله فيكم – أن تجتهدوا في دعوة أخيك، إن قبل منك فبها ونعمت، وإن لم يقبل فليس عليك أكثر من ذلك، أن تدعوه وأن تذكروه بالله تعالى، كلما أتيحت الفرصة أن تكلمه لعل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدره، فاحتمال أنك دعوته اليوم فلم يقبل منك، فلو دعوته غداً فقد يستجيب؛ ولذلك الدعوة لا تتوقف - أخي الكريم – لا على مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا عشر، وإنما أنا مطالب بالاستمرار في الدعوة ما دام المدعو الذي أمامي لا يستقيم على منهج الله.

فإذا كان هو مصر على معصيته، فأنا مصرٌ على دعوتي أنا أيضاً، ولكن بالتي هي أحسن، كما قال الله تبارك وتعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))[النحل:125]، وقال تعالى أيضاً: (( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ))[البقرة:83]، حتى وإن كان تاركاً للصلاة فأنا أتلطف معه، وأعرض عليه الصلاة أو الالتزام بطريقة محببة، وبطريقة لطيفة لا تخدش المشاعر ولا تجرح عواطفه، ولا تثير فيه الكبرياء الباطل والعزة بالإثم.

كذلك هذا دور والدك أيضاً، فأنتما مطالبان بالاجتهاد في حدود إمكانياتكما، فاجتهد على أخيك وعلى أمك.

وكون أخيك يريد أن يتزوج ابنة خالتك التي كنتم تعتبرونها بمثابة الأخت، فهذا ليس فيه حرج شرعاً؛ لأن ابنة خالتكم هذه ليس معنى تعتبرونها أختاً بمثابة أنها محرمة شرعاً، وإنما ابنة خالتك يجوز لك أن تتزوجها، وابن خالتك يجوز له أن يتزوج من أختك، فهذا لا حرج فيه، الذي يمنع إذا كانت أختكم من الرضاعة بالمعنى الصحيح، بمعنى: أنها ارتضعت من أمك خمس رضعات متفرقات مشبعات، وأن هناك شهوداً على ذلك يقولون: إنها أختكم من الرضاعة، أما كون أنها تأتي البيت، وأنكم عشتم مع بعض، وبينكم اختلاط، وتعاملها كأختك، فهذا لا يمنع من أن تكون زوجة لأخيك، ولعلها أفضل من غيرها، ولذلك أقول: لا تقفوا في وجهه؛ لأن وقوفكم في وجهه لا معنى له، فإذا كانت هي لا تصلي فهو أيضاً لا يصلي، وإذا كانت أمها لا تصلي فأمك أيضاً لا تصلي، ولذلك أرى أن المسألة متكافئة ومتعادلة، فما عليكم - بارك الله فيك – إلا النصيحة والكلمة الطيبة، وأتمنى أن تقفوا مع أخيكم، وأن تقفوا مع أختكم التي هي ابنة خالتكم حتى يتزوجا في الحلال، بدلاً من الوقوع في المعاصي والفواحش والعياذ بالله، فهو يريد أن يتزوج فأعينوه وساعدوه على ذلك، ولعل الله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك سبباً في هدايته، ثم إذا جاءت هذه الأخت إلى بيتكم، لعلكم تجتهدون عليها أنت مثلاً ووالدك وتذكرونها، فتبدأ في الصلاة ثم تجر زوجها إلى الصلاة.

ولكن أحب أن ألفت انتباهك إلى نقطة هامة جداً، وهي تتعلق بتحول أخيك العاطفي تجاه ابنتة خالتك، فقد كنتم تعتبرونها أختكم كما تذكر، ثم فجأة صمم على الزواج بها! مما يدلل على سلوك غير طبيعي والله أعلم، ولعل هذا قد يكون تحت أحد المؤثرات كالسحر مثلاً، ولنفي هذا الاحتمال عليكم التوجه إلى الرقية الشرعية، والقراءة عليه، ثم بعد ذلك ينظر في عاطفته تجاه ابنة خالته وقراره، فإن كان ما يزال مصرا على الزواج، فالأمر كما قدمنا، وهو خير، وإن تبين غير ذلك فلا خير في زواج يكون وراءه تلك المشاكل التي تعرفون.

وعليكم بالتذكير والنصيحة والدعوة بالتي هي أحسن، والدعاء أيضاً، فأتمنى أن تكثر أنت ووالدك من الدعاء لأمك بالهداية ولأخيك ولكل أقاربك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، ومعنى: (مما نزل)، أي: من البلاء الموجود فالدعاء يدفعه، كما دعا زكريا بالولد فرزقه الله ولداً، ودعا سيدنا أيوب بالشفاء فشفاه الله، فهذا معنى: (مما نزل)، ومعنى: (مما لم ينزل)، أي: إذا كانت هناك مصائب أو ابتلاءات ستأتي في المستقبل، فإن الله تبارك وتعالى يدفعها ببركة الدعاء؛ ولذلك أوصيك بالدعوة والدعاء، واترك الأمر بعد ذلك لله تعالى، وزواج أخيك من ابنة خالتك ما دامت ليست أخته من الرضاعة، فهو جائز شرعاً وليس فيه حرج، بل لعلها تكون أفضل من غيرها.

ونسأل الله لكم التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، وأن يهدي أخيك وأمك وأقاربكم جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً