الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هو موقف الابن من مشاكل أبويه؟

السؤال

السلام عليكم..

تعاني أسرتي من مشاكل بين أبي وأمي دائماً، وأنا أضطر لأن أقف إلى جانب أي واحد منهما، ويصعب علي تحديد من هو المخطئ، لذلك أريد الحل منكم.

كيف أعالج هذه المشكلة: أأقف مع أبي أم مع أمي، حيث إن أمي تعاني من مشاكل نفسية من فترة طويلة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك داعية خير، وأن يجعل على يديك الإصلاح ما بين والدك ووالدتك، وأن يُذهب عن أسرتك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجمع بينكم جميعاً على خير، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الفاضل – فإن أسرتك تعاني من مشاكل بين الوالدين دائماً، وهذا قطعاً – كما تعلم - ليس في كل البيوت، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، فأحياناً قد تكون هناك فوارق كبيرة بين الأنفس، ورغم ذلك يتغلب الزوج والزوجة عليها ويتزوجان وتبدأ الحياة، وتنشأ هذه النفرة نتيجة عدم وجود التمازج الروحي اللازم لتوفير السعادة والأمن والأمان والاستقرار، خاصة إذا كان أحد الطرفين يعاني من مشاكل نفسية كما ذكرت عن والدتك شفاها الله تعالى، فالمشاكل النفسية تجعل الإنسان يفقد السيطرة على تصرفاته وعلى عواطفه وعلى مشاعره، ولذلك قد يثار في وقت لا يستدعي ذلك، وقد يقول كلاماً فوق الطاقة وقد يتلفظ بألفاظ لا داعي لها ولا مبرر.

وقد يفعل تصرفات تثير الطرف الآخر؛ لأن المشاكل النفسية خطيرة، وأخطر من المشاكل المرضية والأمراض البدنية، بل إن العلماء يكادون أن يجمعوا على أنه ما من مرض عضوي إلا وله سبب نفسي؛ لأن النفس إذا كانت مستقرة آمنة مطمئنة وتشعر بنوع من الراحة وعدم الإثارة فإن هذا ينعكس قطعاً على الصحة العامة، أما إذا كانت النفس مهمومة ومكلومة ومغمومة وتشعر بنوع من الغبن والظلم فإن ذلك ينعكس على بدن الإنسان، ولذلك فإن والدتك – شفاها الله تبارك وتعالى – نتيجة هذه الضغوط النفسية التي تعاني منها لفترة طويلة فإنها قد تتصرف تصرفات تؤدي إلى حدوث المشاكل وتفاقمها.

وأنت تسألني: مع من تكون؟
أنت تكون قدر الاستطاعة مصلحاً بينهما؛ لأن هذه أمك وهذا أبوك، والشرع يأمرك بالإحسان إليهما معاً، ويلزمك ألا تكون مع طرف ضد الآخر أبداً، وإنما تحرص على أن يكون وجودك مطفئاً لنار الخلاف والفتنة الموجودة، حتى وإن بدا لك أن والدك هو المخطئ أو والدتك هي المخطئة فلا تقل له بأنك مخطئ، وإنما تجتهد - بارك الله فيك – أن تحد من الآثار المترتبة على ذلك؛ لأن موقفك في غاية الحرج، فإنك إذا جئت بجوار أبيك غضبت عليك أمك، وإذا وقفت بجوار أمك غضب عليك أبوك، ولذلك لا تقف إلا مع الحق، وتجتهد ألا توجه الاتهامات إلى أحد؛ لأن توجيه الاتهام يشعر الشخص بالإهانة، خاصة الوالد، يقول: أنت ولدي وكيف تتهمني وتتجرأ عليَّ؟! حتى وإن كان الخطأ واضحاً بيِّناً فلا ينبغي لك أن تقول له: أنت مخطئ مباشرة؛ لأنه أبوك ليس كغيره من البشر، وإنما تقول له: كنت أتمنى ألا تفعل ذلك، فلو أن حضرتك مثلاً انتظرت قليلاً كان من الممكن أن تحل هذه المشكلة، فقد كنت أتمنى أن تعيد النظر في موقفك. وهكذا، بطريقة فيها شيء من التراضي وفيها شيء من الدلال الزائد حتى لا يغضب عليك والدك؛ لأنه كما أن غضب الوالدة شأنه خطير على الأولاد كذلك غضب الوالد أيضاً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخطهما).

فأتمنى أن تكون دائماً واقفاً مع الحق وأن تحرص على الإصلاح قدر الاستطاعة وألا يكون هدفك تحديد المخطئ من المصيب، وإنما هدفك تقليل الآثار المترتبة على المشكلة وإطفاء نار الخلاف قدر استطاعتك.

فإذا حضرت في أي موقف في أي وقت كان فاجتهد - بارك الله فيك – على أن تطفئ نار الخلاف؛ لأن والدتك قد تكون ظروفها ومشاكلها النفسية تدفعها للتصرف غير المنضبط وإطلاق كلمات غير واعية أو -مثلاً- مؤثرة أو فوق الطاقة، أو – كما ذكرت – قد تكون جارحة، ففي هذه الحالة أمك معذورة لأن المريض كالمجنون قد يطلق عبارات ويتلفظ بألفاظ وتصدر عنه تصرفات غير معهودة ولا مقبولة، أما إذا كان والدك -ولله الحمد- لا يعاني من ذلك فينبغي عليك دائماً أن تبين لأبيك أن ظروف أمك النفسية لعلها هي الدافع أو هي السبب وراء هذه المشاكل، وأنه ينبغي له أن يلتمس لها العذر؛ لأنها معذورة عند الله فينبغي أن نعذرها نحن.

كن داعية خير - يا ولدي – وكن واقفاً مع الحق والخير دائماً، واجتهد على الإصلاح قدر استطاعتك، وإياك أن تصدر أحكاماً على أحد أو أن تثير أحداً ضدك أو أن توجه له اتهاماً يؤذي مشاعره، فيضطر بعد ذلك إلى أن يكرهك، وقد يتوجه بالدعاء عليك، وقد يطلب منك ألا تتدخل، ولكن ما دمت في الوسط - بارك الله فيك – فعليك أن تجتهد أن تسكت والدك عندما يتكلم وتقول له: رجاء يا والدي أُقبِّل قدمك وأقبل يدك وأقبل رأسك، هذه أمي وأنت أبي، ونحتاج إلى أن يكون البيت طيباً. وهكذا تفعل مع أمك، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، كما أسأله تبارك وتعالى أن يصرف السوء عنك وعن بيتكم كله وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة.

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً