الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلب العلم مع قلة ذات اليد والافتقار للصحبة الصالحة

السؤال

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم آمين.

أنا شاب أود أن أكون ممن يحبون الله ورسوله حق الحب ويترجم هذا الحب إلى عمل، فحب بلا عمل لمن تحب هو لا يزيد عن حديث نفس محمود لديك ولدى الناس.

ولكني أريد اتباع شرع الله واتباع هدي رسول الله، بل وأكون ممن يدعون إلى هذا الهدي، ولكن كيف وهناك أشياء توقفني كل مرة!

أولها: نفسي التي تكون بحالات مرة مطمئنة ومرة أمارة ومرة وهو الأكثر لوامة، والحمد لله.

ثانياً: لا يوجد من يعينني، نعم عائلتي إلى حد ما متدينة، ولكن أنا أريد التقدم كثيراً عما أنا عليه، أيضاً صحبتي نعم يصلون ولا يزنون ولا يشربون مسكراً -أي أنهم مسلمون- ولكن إنهم لا يتقدمون وأنا أريد التقدم .

حاولت كثيراً أن أبحث عن صحبة وفعلاً فعلت، ولكن كلما أجد فرقة أجد بهم عيوباً، لا أستطيع التغافل عنها، وبالذات لأنهم من حفظة القرآن كالحقد البسيط أو الهمز واللمز وما زلت أبحث ولن أيئس إن شاء الله.

ثالثاً: مصدر العلم لا أقول كتب العلم لا بل هي متوفرة والحمد لله، بل دراسته على أيدي العلماء الثقات، أنا في مدينة على الحدود، نعم بها من هو على درجة كبيرة من العلم، ولكن هناك بطء شديد في التعليم، وكذلك أنا كنت أذهب بمفردي حتى مللت، فلا هناك صحبة تعينني، ولا هناك إنجاز في الدراسة بالفعل.

حتى في المدينة الأخرى هناك بطء شديد أيضاً فإنهم آخر مرة كنت فيها انتهوا من شرح منار السبيل الفقهي في 5 سنوات.

هذا باب واحد في العلم.

أنا لا أستعجل المعرفة بل أنا أريدها في متوسط السرعة فالوسط خير والبطء الشديد مذموم.

قلت لنفسي: أذهب إلى السعودية للدراسة الصحيحة، ولكن أنا لا زلت متخرجاً من سنتين، ولم أجد عملاً وليس لدي المال.

فقلت: أشتري الكتب وفعلاً فعلت، ولكن قلت: إن كنت أنت شيخ نفسك، كان خطأُك أكثر من صوابك، فاستعنت بالأسطوانات.

ولكني أريد أن أكون مثل الرعيل الأول من حضور دروس العلم الشرعي عند العلماء.

بالله عليكم ساعدوني، العمر يجري والموت يقرب، ونفسي والشيطان وهواي والمجتمع كلهم ضدي، ولا سبيل إلا هدي الله ورسوله.

فساعدوني وأرشدوني وادعوا لي قبل أن أنتكس وأكون مثل الملايين.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسرنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفتح عليك فتوح العارفين بحكمته وأن يجعلك من العلماء العاملين، وأن ييسر لك الأسباب التي تعينك على طلب العلم الشرعي النافع وأن يرزقنا وإياك محبة الله ورسوله ملء قلوبنا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه يبدو من رسالتك أنك رجل منَّ الله تبارك وتعالى عليك بحب الإسلام، وأنك تملك غيرةً على دين الله تعالى وتريد أن تقدم شيئاً لهذا الدين، ولقد وفقك الله تبارك وتعالى إلى أن شرح صدرك إلى أن من أهم أسباب نصرة الدين إنما هو تعلم العلم الشرعي، وهذا حقٌ لا جدال فيه ولا مراء؛ لأن الأمة ما انتكست ولا ضعفت ولا فقدت قيمتها ولا ذهبت هيبتها إلا بسبب جهلها بشرع الله تعالى وبالتالي تعطيلها لمنهج الله في حياتها ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ومن أوائل هذه الأمور التي تصلح حال الأمة إنما هو ضرورة الرجوع إلى العلم الشرعي الأصيل المستفاد والمستنبط من كلام الله تعالى وكلام نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.

وكونك لا تجد العون على ذلك حيث إنك ذكرت – بارك الله فيك – أن نفسك ليست قوية بالدرجة التي تأخذ بيدك إلى الاهتمام والجدية، وكذلك أيضاً الأسرة التي تحيى فيها أسرة متدينة ولكنها لا تهتم كثيراً بالعلم الشرعي، وكذلك أيضاً إخوانك وأصحابك الذين معك، هذا أيضاً إنما هو عامل من عوامل عدم شحذ الهمة وتقوية العزيمة لطلب العلم؛ لأن هؤلاء وبلا شك من أكبر العوامل المعينة.

كذلك البيئة أيضاً أو هؤلاء الإخوة الذين كنت معهم فترة من الزمن وحرصت على صحبتهم ولكن وجدت لديهم بعض السلوكيات التي تتنافى مع ما ينبغي أن يكونوا عليه، وبذلك انصرفت عنهم أيضاً.

محاولاتك أن تعتمد على الله ثم على نفسك بالقراءة وحدها، محاولاتك أيضاً أن تقتني الكتب، ومحاولاتك أيضاً أن تستمع الاسطوانات، هذه كلها تدل على أنك على خير وفضل وأنك - بإذن الله تبارك وتعالى – إلى خير، ولكني أحب أن أقول لك – أخي الحبيب إسلام – ما دام الأمر كذلك فينبغي عليك أن تبدأ بنفسك أنت على أن تبدأ بصغار العلم قبل كباره، ليست كل كتب العلم تحتاج إلى عالم يشرحها، فهناك كتب بسيطة مبسطة تستطيع أن تقرأها بما آتاك الله تبارك وتعالى من علم وإدراك وفهم خاصة وأنك رجل قد انتهيت من مرحلة الجامعة وأصبحت لديك القدرة الآن على التمييز.

الكتب المغلقة أو الشديدة أو التي فيها بعض القواعد أو الأصول أرجو أن تؤخرها، ابدأ بالكتب البسيطة وستجد كثيراً من الكتب ولله الحمد متوفرة، فلا تنتظر أن تأتيك آية من آيات الله تعالى لتحول هذا الواقع الذي ذكرت إلى واقع معين على طاعة الله، وإنما كما نصَّ العلماء أن العبد الرباني هو الذي يبدأ بصغار العلم قبل كباره، وهذا ما أنصحك به، ابدأ بالكتيبات البسيطة، كُتيب في العقيدة ولو كان كتاب (الأصول الثلاثة)، كتاب بسيط يستطيع العامة أن يحفظوه وأنت تعلم أن هنا في جزيرة العرب خاصة في المملكة العربية السعودية العوام يحفظون هذا الكتاب، فإذن تبدأ بكتاب كهذا الكتاب، ثم تبدأ بكتاب آخر بعده من كتب المسائل العقدية البسيطة التي تعرض عقيدة أهل السنة والجماعة ككتاب (عقيدة أهل السنة والجماعة) للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – فهذا أيضاً كتاب مبسط ليست فيه مسائل تحتاج إلى إعمال ذهن وإلى شرح معلم غالباً، وهكذا - إن شاء الله تعالى – سوف تتدرج فيما يتعلق بالعقيدة.

كذلك أيضاً فيما يتعلق بالفقه تبدأ بكتاب بسيط في الفقه وليكن كتاب كـ (فقه السنة) - على سبيل المثال – تتعلم منه العلم الضروري الفرضي العيني، وهو لا يحتاج حقيقة أيضاً إلى شرح كثير لأن المسائل فيه مبسوطة بسهولة ويسر، ثم بعد ذلك - بعد أن تنتهي من هذه المرحلة – لك أن تسأل العلماء والمشايخ.

أيضاً نحب أن نذكرك بأن في مصر الشيخ (مصطفى العدوي) - حفظه الله تعالى – وهو رجل له حلقات تعليم متميزة وله طلبة علم أبرار أخيار من أولياء الله تعالى يشرحون كتباً مطولة، فهؤلاء أيضاً تستطيع أن ترتبط بهم؛ لأني لا أعلم أحداً في القاهرة يشرح كتباً بهذا البسط، وإنما الشيخ مصطفى على الأقل قم بالزيارة له واعرض عليه حالك، واستنصحه ما الذي تبدأ به، أنا بدأت معك بالكتب المبسطة لأنها لا تحتاج حقيقة لا إلى علماء ولا إلى المشايخ بالقدر الذي يحتاجه غيرها من الكتب أيضاً.

كذلك أيضاً استماع الأشرطة للمشايخ، فهذا أمر أيضاً يوفر قدراً من الثقافة الإسلامية العامة وخاصة فيما يتعلق بالإيمانيات والرقائق وغير ذلك. أيضاً كتابٌ ككتاب (البحر الرائق) للشيخ أحمد فريد – وفقه الله تعالى – في الزهد والرقائق، هذا كتاب مبسط أيضاً لا يحتاج إلى أن يشرحه عالِم. كذلك كتابٌ في السيرة كـ (الرحيق المختوم) عندما تبدأ به – إن شاء الله تعالى – فستجد خيراً كثيراً.

إذن أقول لك: ابدأ بالشيء المقدور عليه والشيء المتاح والشيء الميسور، وابدأ بالمسائل المبسطة والكتب السهلة، ولا تتوقف حتى يتيسر لك هذا الجو الذي تريده، قم بزيارة الشيخ مصطفى العدوي - كما أشرت لك – وسوف تجد عنده خيراً كثيراً - بإذن الله عز وجل - ولعلك تجد لديه فرصة أن تتلمذ على يده وأن تقيم عنده حتى تتعلم ما شاء الله تبارك وتعالى أن تتعلم من علوم الشيخ - وفقه الله تعالى -.

أيضاً تابع القنوات الفضائية التي تعرض مشايخ يتحدثون عن منهج السلف كالشيخ (أبو إسحاق الحويني) والشيخ (محمد حسين يعقوب) والشيخ (محمد حسان)، وبعض مشايخ المملكة ودعاتها، أعتقد أنك بذلك – إن شاء الله تعالى – ستوفر لنفسك بيئة طيبة، وأتمنى أيضاً أن تضيف إلى ذلك مشروعاً وهو بداية حفظ كلام الله تبارك وتعالى، لأنك كيف تكون محباً لله وأنت لا تستطيع أن تتكلم مع الله بكلامه سبحانه، المحب لله تبارك وتعالى يبدأ بكلام الله أولاً، فابدأ في وضع برنامج لحفظ القرآن، إذا لم تكن قادراً بنفسك فاستعن ببعض المشايخ أو طلبة العلم المتقنين المجيدين وابدأ بحفظ كلام الله تعالى وكلام رسول الله ولو في كل يوم حديثاً وحداً من كتابٍ كـ (رياض الصالحين) أو كتاب (الزبدة) الذي هو مختصر صحيح البخاري للعلامة الزفيدي، أعتقد أنك بذلك - بإذن الله عز وجل – سوف تصل بعد فترة وقد أصبح لديك الكثير من سور القرآن محفوظاً، كذلك الكثير من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام وتستطيع أيضاً أن تبدأ في حفظ كتاب كـ (عمدة الأحكام) فهو كتاب حديث وكتاب فقه أيضاً في نفس الوقت.

أما الشروح المطولة فأرى أن تؤخرها إلى أن تتيسر لك الظروف وأن تستقيم بك الأحوال، احرص على قيام الليل، احرص على المحافظة على الصلاة في جماعة، احرص على الأذكار خاصة أذكار طرفي النهار، احرص على إحياء سنن النبي عليه الصلاة والسلام وأنا واثق إن شاء الله تعالى بأنك ستحقق غايتك وستوفق إلى تحقيق بغيتك - بإذنِ الله تعالى – وتكون من العلماء العاملين والأولياء الصالحين ومن كبار الدعاة عمَّا قريب.

هذا ما أتمناه لك وأسأل الله أن تُعان على ذلك، وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
والله ولي التوفيق.
------------------------------------
انتهت إجابة المستشار ولمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية والتي تتناول خطوات طلب العلم: (16790 - 260974 - 272866 - 3395)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً