الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التخلص من الوحدة والملل وقضاء الوقت في النافع المفيد

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربنا يجعلكم في الفردوس الأعلى كما تساعدونا.

أنا في أول الثلاثينيات من عمري، وقد رزقني الله نعماً كثيرة -ولله الحمد- أنا أبكي كثيراً، وعندما أحاول أن أخرج خارج المنزل كي أغير المكان والشعور بالملل لا أقدر، وأجلس في المنزل، بل ممكن أجلس أكثر من شهر، فقط أذهب إلى المسجد يوماً واحداً في الأسبوع، وممكن لا أذهب باقي الشهر.

أشعر بالوحدة جداً، ولا أقدر أن أشتغل، والآن قليلة الكلام، حتى لا أتكلم مع أبي إلا قليلاً جداً، وأتذكر أمي أيضاً -رحمة الله عليها- كثيراً الآن وأبكي، وأحاول أن أصبر، مع أني عند وفاتها لا أبكي، كنت صابرة، وكنت أتذكر كلام الله، وهذا من فضل الله الرحمن الرحيم.

أرجو أن تساعدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rayhana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك، وأن يذهب عنك الشعور بالوحدة، وأن يؤنس وحشتك، وأن يذهب وحدتك، وأن يرزقك الأُنس به سبحانه وتعالى، وأن يرزقك الأمن والأمان، والقرار والاستقرار، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فإنه كما يبدو أن ظروفك تختلف بعض الشيء عن ظروف غيرك، حيث أنك وصلت إلى الثلاثين من عمرك، وتحمدين الله تبارك وتعالى على النعم العظيمة، وهذه أيضاً عبادة كبرى؛ لأن الشكر من العبادات الكبرى التي وعد الله تبارك وتعالى من سلكها بأن يغير حاله إلى الأحسن، قال تعالى: ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ))[إبراهيم:7].

الخروج من المنزل، والشعور بالملل، هذه أمور حقيقة قد تعيشها الفتاة المسلمة المحافظة؛ حيث أنها إذا خرجت من المنزل وجدت أن البيئة مختلفة، وأن الأحوال حولها مختلفة، وكونك تجلسين في المنزل أكبر فترة ممكنة حتى تصل إلى شهر ولا تذهبين إلا إلى المسجد مرة واحدة في الأسبوع، ففي الواقع حقيقة هذا أمر فيه خير وفيه شر، أما خيره فبعدك عن المعاصي، وبعدك عن الغفلة والاختلاط بضعاف الإيمان، وهذه رحمة والله عظيمة؛ لأن النزول إلى الشوارع الآن أصبح عقوبة ومشقة خاصة مع كثرة الفتن والمعاصي، وعدم التزام الناس بشرع الله تبارك وتعالى.

لذلك فالاعتزال في هذا العصر عبادة عظيمة، ونعمة من الله كبيرة أن يجعل الله تبارك وتعالى العبد بعيداً عن هذه البيئة، خاصة بيئات الغفلة، وبيئات الضياع التي يعيشها السواد الأعظم من المسلمين -مع الأسف الشديد- ولكني أنصح بضرورة الاستمرار في الذهاب إلى المسجد والمحافظة على ذلك، كونك كنت تقولين أنك لا تذهبين إلى المسجد إلا مرة واحدة في الأسبوع، وأحياناً لا تذهبين بقية الشهر فهذا أمر ليس حسنا؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، والإيمان يحتاج إلى تدعيم ويحتاج إلى زيادة، فإن الشيء إذا لم تتم زيادته بصفة مستمرة فسيتعرض قطعاً للنقصان.

أنا أنصحك -بارك الله فيك- بضرورة الالتزام بالمسجد، بل والبحث عن مساجد أخرى مجاورة إذا أمكن الذهاب إليها لتخرجي أكثر من مرة لطلب العلم ومخالطة أخواتك المسلمات الصالحات؛ لأنه جرت العادة -أختي الكريمة- أنه لا يذهب إلى المسجد إلا الأخوات الملتزمات الحريصات على تعلم العلم الشرعي الراغبات الخير، وهي صحبةٌ طيبةٌ إلى حد كبير، فأنصحك بربط نفسك ضرورة بالمسجد، والمحافظة على الذهاب إليه، حتى وإن كان مع شيء من المجاهدة؛ لأن الشيطان قد يجعل الأمر ثقيلاً عليك؛ لأنك إذا كنت وحدك ولا زيادة في الإيمان فقطعاً سيضعف الإيمان وسيستحوذ عليك الشيطان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
فأنصحك بضرورة ربط نفسك بأهل المسجد وجماعة المسجد، حتى وإن كان هذا المسجد فيه أنشطة متعددة للأخوات فأتمنى أن تتواجدي في جميع الأنشطة؛ لأن هذا سيخفف من الشعور بالملل والكآبة والانطوائية، وسيجعلك إنسانة عادية، وفي خروجك -ما دام ليس عندك التزام- لأني كأني فهمت من رسالتك أنك لست متزوجة، ففي هذه الحالة هي فرصة أن تخرجي لتقدمي خدمة لدينك، تتعلَّمين وتُعلِّمين، تقدمين وتأخذين، وبذلك تؤدين دوراً هاماً، ومن يدريك لعل الله تبارك وتعالى أن يكرم أختاً برؤيتك فتعرضك لأخيها أو تعرض بك فيرزقك الله تبارك وتعالى عبداً صالحاً تعيشين معه بقية حياتك؛ لأن الإقامة مع الوالد حتى وإن كان باراً رحيماً إلا أنها أيضاً مؤقتة خاصة بعد وفاة الوالدة -رحمها الله تعالى- ولذلك أرجوك -بارك الله فيك وهذه نصيحتي- أن تجتهدي في ربط نفسك بجماعة المسجد، وأن تجتهدي في شيء من العمل الشرعي والتطوعي مع الأخوات في المسجد، وإن كان هذا المسجد ليس فيه إلا هذا النشاط في الأسبوع فابحثي عن مسجد آخر قريب، واربطي نفسك بالأخوات الصالحات، وقوي علاقتك بأخواتك، حتى لا تشعرين بنوع من الوحدة والوحشة، ولا تتغير نفسيتك إلى وضع أنت الآن لا تدركين أثره في المستقبل.

كما أتمنى أن تضعي لنفسك برنامجاً يومياً لحفظ بضع آيات من القرآن ولو بمقدار آية أو آيتين أو ثلاث آيات يومياً، وأيضاً تضعين لنفسك برنامجاً للقراءة والاطلاع، - والحمد لله - الكتب في مصر كثيرة ومتعددة ومتنوعة، حتى تقضين وقت فراغك في شيء نافع؛ لأنك لو بدأت مشروع القراءة - بإذنِ الله تعالى - أنا واثق بأنك ستشعرين بتحسن كبير، وتغيّر طيب، خاصة إذا كان فيما يتعلق بالمرأة المسلمة وظروفها ودواعيها، وبمقدورك بعد أن تتزودي بهذا العلم الشرعي الطيب أن يكون لك دورٌ في توجيه أخواتك المسلمات، سواء كان ذلك في المسجد أو حتى عن طريق هذا الجهاز -عن طريق الإنترنت- تكون لكنّ مداخلات مع أخواتك بدل من أن يتكلمن مع الرجال، يجدون أختاً صالحة تدلهم على العلم النافع والموعظة الصحيحة المأمونة، وبذلك تكونين من الداعيات إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة، ويصدق فيك قول الله تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33].

أكثري من الاستغفار، وأكثري من الذكر، وأكثري من الدعاء، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ضعي لك برنامجاً والتزمي به ضرورةً، ولا تتخلي عنه، اربطي نفسك بجماعة المسجد، ابحثي عن الأخوات الصالحات، وأنا واثق من أنك ستكونين في أحسن حال، وهذه أمنياتي لك من قلبي سائلاً الله تعالى لك الهداية والرشاد والسداد والتوفيق، وصلِّ اللهم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر منال عبد الرازق

    ادعو الله من كل قلبى ان يفرج همى وهمك ويؤنس وحدتى ووحدتك ويرزقنا الصجبه الصالحه اللهم امين

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً