الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرض البهاق .. أسبابه وطرق علاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكر الله لكم صنيعكم وأجزل لكم المثوبة، وبعد:

فلقد أصبت بالبهاق بسبب ضغط نفسي مررت به، وكان ذلك منذ تسعة أشهر تقريباً ولله الحمد، وبدأت العلاج بعد ظهوره بشهرين، ولأن البقع كانت قليلة وحجمها صغير جداً قال لي الطبيب - عندما سألته عن فترة العلاج - أنها لن تزيد عن ثلاثة أشهر بإذن الله، وما زلت أتعالج فلماذا؟!

وكان تحسني بطيئاً مع العلم أن نفسيتي تحسنت، وأستطيع القول أنني في نفسية جيدة منذ بداية العلاج، وبعدها قال لي الطبيب عن جلسات إبر وأنها تسرع علاج البقع التي لم تتحسن، وبدأت ذلك وعملت حتى الآن تسع جلسات، وكانت كل أسبوعين، وبعد ذلك كل شهر، والآن كل شهرين، لكني بدأت ألاحظ أن مكان البقع ليس بمستوى الجسم وإنما أصبح فيه انخفاض إلى الداخل قليلاً، بالإضافة إلى أن لونها ليس كلون البقع التي تلونت بالعلاج الضوئي وأصبحت لا أعرف مكانها، بل هناك فرق، والآن لدي جلسة أريد أن أعملها لكني أخشى من الضمور أن يزيد، وأخشى أيضاً أن يتوقف تحسني إذا لم أعملها فما رأيكم؟!

مع العلم بأن فرحي بعد سبعة أشهر من الآن وأريد أن أتعافى وأبقى في المنزل فترة حتى يزول الاسمرار الذي سببته الأشعة، والشيء الذي لا أعرفه أني لا أستطيع زيادة مدة تعرضي للأشعة فهي قليلة جداً لا تزيد عن دقيقتين، وربما دقيقة ونصف بسبب التحسس الضيائي، والأغرب من ذلك أنني أتحسس أحياناً، وجرعة الأشعة ثابتة، ومكاني أمام الجهاز ثابت أيضاً لا يتغير فلا أقترب منه أبدا.

وأريد عمل جلسات ليزر لإزالة الشعر في هذه الفترة عند طبيب الجلدية الذي أتعالج عنده من البهاق، والسبب أن إزالة الشعر بالطرق التقليدية لا يناسبني بسبب الحبوب التي تظهر بعد ذلك، فهل هناك ضرر؟ علماً بأن أماكن البقع في أعلى الفخذين وواحدة فقط في الساق، والليزر أريد عمله للوجه واليدين والساقين، فهل يؤثر الليزر على نضارة الجسد أم لا؟!

جزاكم الله خيراً وأفاض عليكم من وافر رحمته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بـوح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن العلاج الضوئي لا يسبب الضمور للبقع المصابة بالبهاق، وإن التحسس الضيائي هو عامل محدد للعلاج بالأشعة للبهاق، وفي حال استمراره تبقى الجرعات خفيفة وقد لا تكون بالقدر الكافي لإعادة اللون، وأحياناً نلجأ إلى المراهم أو الكريمات الكورتيزونية لتخفيف هذا التحسس ولإضافة فائدة إلى العلاج، وأحياناً نضيف التاكروليماس أو البيماكروليماس وهما معدلات مناعة موضعية أو ما يسمى ببدائل الكورتيزونات الموضعية، وهي وإن كانت مفيدة أكثر إلا أن سعرها أكبر، والليزر لإزالة الشعر لا يؤثر على نضارة الجسد ولا ضرر منه على البهاق.

والبهاق من الأمراض السليمة من الناحية الطبية، ولكنها مؤثرة على الحياة بشكل يتفاوت بين الناس حسب النفسية والقناعات والعمر والجنس والحالة العائلية والمهنية وغيرها.

وبما أن البهاق مرض مزمن فالعلاج ينبغي أن يكون مع طبيب متخصص أو حتى مركز طبي متخصص، وليس مع العشابين؛ لأن العلاج يحتاج زمنا أو أحياناً عمرا، وليس مرحلة وتنتهي، فهناك من الحالات التي تحسن فيها المرض إلى درجة الاختفاء ثم يعود بعد عودة العوامل المساعدة على عودته، ومن المهم التذكير بأن الدواء الواحد تختلف قدرته على العلاج من مريض لآخر حسب العوامل المحيطة بالمريض والمؤثرة على المرض، كالناحية المناعية والنفسية والعائلية والهرمونية.

وقد أوردنا في إحدى الاستشارات القصة التالية وهي واقعية: (مريضتان ابنتا خالة أي أمهاتهما أختان، وعمرهما متقارب، وكلتاهما متزوجتان، ويسكنان في بيتين متجاورين، ويأتيان في نفس السيارة، ونفس الوقت إلى نفس الطبيب، ويأخذان نفس الدواء، ولكن إحداهما تحسنت 10% والأخرى تحسنت 90%، على الرغم من أنهما من جنس واحد، وجنسية واحدة، وحالة عائلية متساوية أو متكافئة، وسن متقارب، وظروف عائلية زوجية متشابهة، وعلاجهما واحد زماناً ومكاناً وعقاراً وطبيباً).

ومن باب التشبيه بالأرقام فهناك من تكون مشكلته حجمها (100) وهو لا يشعر بها، وتمر وكأنها عابرة، وهناك من تكون مشكلته (5) فيقول أحمد الله أنني صابر ومحتسب على هذه المحنة الكبيرة البالغة التي لا يقوى عليها إلا أيوب عليه السلام، فعلى الرغم من عظم مصيبتي إلا أنني صابر وراض بهذا البلاء الذي لا تتحمله الجبال، وأترك لكم تحليل قوليهما وأيهما أصبر من الآخر.

وأما من الناحية الأكاديمية الطبية فالبهاق مرضٌ جلدي وراثي مناعي، يتظاهر على الجلد على شكل بقع بيضاء ناصعة، وهو مرض غير معد، أي لا ينتقل بالتلامس.

وأما أسباب البهاق فهي غير معروفة، ولكن هناك نظريات أو فرضيات، فالنظرية العصبية وذلك لوجود البهاق على توزع الأعصاب، والنظرية الوراثية وذلك لوجود 30 % من الحالات بشكل عائلي، ونظرية التخريب الذاتي، أي أن الخلية الملونة للجلد تخرب نفسها بنفسها، ونظرية المناعة الذاتية، وهي أن يهاجم الجسم الخلايا الملونة ويعتبرها غريبة، مثل حالات الرفض المناعي بعد زراعة الأعضاء، وذلك لتصاحب البهاق ببعض الأمراض المناعية، مثل مرض الغدة الدرقية والسكري وغيرها، ونظرية الغذاء؛ وذلك بسبب نقص الفيتامينات مثل ب 12 والفوليك أسيد.

وأما ما قيل في علاج البهاق فهو:

1- الهدف من العلاج هو اجتماعي تجميلي، وليس ضرورة طبية، إلا إذا كان على الأماكن المكشوفة وكان المريض يعمل متعرضاً للشمس لفترات النهار الطويلة.

2- عند أصحاب البشرة شديدة البياض قد لا يظهر المرض، وعندها ننصح المريض بتجنب التعرض للشمس حتى يخف اسمرار الجلد المكتسب، فلا تستطيع العين التمييز بين اللونين، وهذا ما يتبع في البلاد الأوروبية نظراً لقرب لون المرض من لون الجلد الطبيعي.

3- عند وجود بقع صغيرة على المواضع المكشوفة من الجلد يُنصح باستعمال الكريمات الملونة للبشرة، والتي يوجد منها في الأسواق التخصصية ما يُناسب لون البشرات المتفاوت، وهذا يُعطي نتيجة جمالية فورية ولكنه ليس علاجاً، كما أنه يحتاج للتطبيق المتكرر عند اللزوم، مثل الكوفر مارك والدرم بليند، وهذا النوع من العلاج يعتبر مشابها لكريم الأساس الذي يخفي ما تحته حتى ولو كان وحمة أو وشم أو جرح فكيف لو كان بهاقا، وينصح باستعماله على الأماكن الظاهرة فقط لأنه تجميلي وليس علاجي، ومع ذلك فإنه لو طبق بمهارة فإنه يخفي ما تحته وكأن شيئاً لم يكن.

4- بعض الحالات الموضعة تحتاج وتستجيب للمراهم الكورتيزونية الموضعية أو الحقن الموضعي - تحت إشراف طبيب - وقد تستطب الكورتيزونات الفموية، أو عن طريق الحقن في بعض البروتوكولات الخاصة وفق استطبابات خاصة، وحديثاً هناك بدائل الكورتيزونات الموضعية وهي التاكروليماس والبيماكروليماس، وهي غالية إلا أنها مفيدة خاصة للوجه أو المواضع المحدودة.

5- أما العلاج بالمحسسات الضيائية الموضعية أو الجهازية - وهذا يحتاج إلى إشراف طبيب - فهي شديدة الفاعلية، ولكن لها مضاعفات كالحرق إن لم تُستعمل بخبرة كافية من الطبيب المعالج، أو باتباع صحيح للتعليمات من قِبل المريض الذي يتعالج، كما أنه من الضروري لبس النظارة الواقية من الأشعة فوق البنفسجية 100% لكل من الزمرة (أ) و(ب) لمدة 24 ساعة بعد الجلسة؛ وذلك لاحتمال بقاء الدواء في العين لمدة 24 ساعة على شكل مذاب، ولكنه لو تعرض لأشعة الشمس المباشرة أو الأشعة فوق البنفسجية لترسب خلال سنوات، وقد يؤدي على المدى البعيد إلى تشكل السواد أو الكاتاراكت.

ومن العلاجات الضوئية الأخرى العلاج الأحدث وهو الليزو من نوع (إيكسايمر) أو (التيرالايت) إن كانت المناطق المصابة محدودة ومحصورة، وهناك (النارو باند 311) التي هي متوفرة ورخيصة، ولا تحتاج حبوباً قبلها، وهي بالتدريج تأخذ مكان الأشعة التي تحتاج حبوبا.

6- العلاج الجراحي وله أشكال عديدة، كالطعوم الذاتية الصغيرة، وزراعة الخلايا الملونة وحقنها، والطعوم الجلدية على شكل شرائح تؤخذ من المناطق المستورة في نفس المريض إلى الأماكن المكشوفة، وهي ناجحة جداً لو تم إجراؤها بيد خبيرة في مراكز متخصصة، ولكنها مكلفة، أي أنها تحتاج مراكز خاصة وتسهيلات جراحية تجميلية.

7- بعض المرضى قد يستفيد على الفيتامينات إن كان عنده نقص خاصة (ب12)، وحمض الفوليك، وكذلك فيامين (ث).

8- العامل النفسي وتأثيره على المرض يجب ألا يُهمل.

9- علاج بعض الاضطرابات الهرمونية خاصة الدرق.

في حال فشل كل ما سبق، وانتشار المرض إلى درجة أن أغلب الجلد أصبح أبيض، عندها يستعمل التبييض، ولكنها عملية تخرّب الخلايا الملونة للجلد إلى غير رجعة، ولا يُنصح باستعمال هذه الطريقة في المناطق الاستوائية؛ لأن اللون يحمي المريض من الأشعة الشمسية الحارقة لأصحاب البشرة البيضاء، ولا تُستعمل هذه الطريقة إلا تحت إشراف طبي، وعلى مسئولية الطبيب المعالج.

وأخيراً: علينا ألا ننسى الرضا، والدعاء، والصبر، والتوكل على الله، فهو أول وآخر الأدوية، والله هو الشافي (وإذا مرضت فهو يشفين) وعلينا أن نجمل في طلب التحسن، وأن يكون ذهابنا إلى الطبيب هو من باب الأخذ بالأسباب وليس من باب الواجب الأكيد الذي يعاقب تاركه.

وأما للتفصيل في العلاج بالتبييض فنقول: إن طريقة التبييض للجلد السليم ليصبح الجلد كله أبيضاً كانت تستعمل فيه مادة: (مونوبينزايل ايثر أوف هايدروكينون) والمعروفة تجاريا باسم (بينوكوين)، ولكن منع استعمالها مؤخراً لأنه سجلت حالات فشل كلوي من استعمالها، وقد منعت دولة قطر دخول هذه المادة تماشيا مع القرار الدولي بمنعها، ولا أدري أي البلاد اتبعت، وأيها أجلت العمل بالمنع، وقد ناقشنا أسبابا إضافية ضد التبييض في الاستشارة رقم (275704) والتي تناقش موضوع البهاق بشكل عام أيضاً.

ومع ذلك فالكريم المبيض اسمه: (Benoquin cream) يدهن مرتين يومياً لعدة أسابيع أو حتى لعدة أشهر، ويؤدي إلى تخريب دائم للخلايا الملونة، ولا يجب استعماله إلا تحت إشراف طبي أو طبيب متخصص، وإجراء تحليل وظائف الكلية قبل وأثناء العلاج.

والعصبية والتوتر وعدم الرضا قد تكون عوامل مساعدة في زيادة المرض وعدم السيطرة عليه؛ لأن المرض يتأثر بالوراثة وبالمناعة، وبالحالة النفسية، وبالحالة الغدية، كمرض الغدة الدرقية، والسكري.

والمرض لا ينتقل إلى الأولاد عدوى، ولكنه قد ينتقل وراثة، وبنسبة لا تزيد عن 30% ولا يعني ذلك أن كل ثلاثة أبناء يجب أن يكون أحدهم مصابا، بل يعني أن حساب الاحتمالات بين عائلات المرضى أظهر نسبة 30% قصة عائلية إيجابية، ولكن هناك عائلات عندهم من الأبناء عشرة ولا أحد منهم مصاب، وهناك عائلات عندهم من الأبناء اثنين وكلاهما مصاب، فالموضوع هو قدر، ويجب ملاحظة أن المرضى لا يستجيبون لنفس العلاج بنفس النتيجة، بل هناك تفاوت بين الاستجابة بين الناس لاختلاف العوامل المساعدة على المرض أو الاستجابة بين مريض وآخر، كما أوردنا القصة أعلاه.

وننصح بعدم التفكير الزائد بالموضوع، وعدم إهدار المال، وعدم الوقوع فريسة لاستغلال حاجتك للعلاج، وننصح بعدم اللجوء للعلاج بالأعشاب؛ لأنها أيضاً طريقة غير دقيقة، بل الاعتماد على الأدوية المرخصة والدقيقة، كما ننصح بالرضا بالقدر قبل كل شيء، وكذلك أنصح الأمهات والآباء بعدم الضغط على أبنائهم إذا ظهر عندهم المرض، بل التركيز على العمل والإنجاز، والتفوق، والسلوك، بدل التركيز على الشكل.

والخلاصة: إن أردتم العلاج فعليكم بطبيب متخصص أو مركز مشهود له بخبرة العلاج لمرض البهاق، وتجب المتابعة على المدى الطويل، وقد ذكرنا أعلاه أن المرض تختلف طرق علاجه، المرض مزمن وقد يعاود، وعلينا أن نتعايش مع المرض، وأن نركز على الفعل لا على الشكل، فتزول الحواجز بيننا وبين الناس، وأما لو بقينا من بعيد فالناس لا يرون إلا الظاهر، فيكون انطباعهم نظريا وليس عمليا، أي علينا أن نحتك بالناس، وأن يكون احتكاكنا مثبتا أننا الأجود، كما ذكرتم فيما معناه.

أنصح وبإلحاح بالبحث عن المهنة المناسبة والعمل دون تردد في ذلك، وصرف للوقت فيما يفيد، وكسب للمال والثقة والمعرفة بالناس، وتخفيف الفراغ الذي يضخم المشكلة.

كما أن المهنة قد تكون سبباً في إثبات الكفاءة والتفوق والإعجاب؛ مما يؤدي إلى الزواج المعتمد على الفعل والخلق لا على الشكل فقط.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً