الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد فسخ الخطوبة ندمت، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لقد تخرجت من الجامعة وأعمل حالياً، وتمَت خطبتي لشاب مواصفاته جيدة بشكل عام، وخلال بضعة أشهر تعرفت على معظم صفاته وكانت مناسبة من حيث الأخلاق والدين والعمل، وكنت دائماً آخذ بعين الاعتبار أن الكمال لله وحده وأغض الطرف عن بعض العيوب التي أجدها فيه، وهو أحبني كثيراً وتعلَق بي، لكن بقيت لدي مشكلة لم أستطع تجاوزها، وهي أنه كان يمزح بطريقة فظة وتسبب الإحراج والإزعاج أحياناً لبعض الناس، وكنت ألاحظ ذلك وأحس بالحرج من خطيبي أحياناً، وهو لا يشعر بأنه يسبب لهم الحرج بل يعتبر ذلك تعليقاً عادياً، وعندما يعلم أنه أحرج شخصاً ما كان يشعر بالحزن، وكان يقول: إنه مستعد لأن يغير في نفسه حتى نكون سعداء, لكن كلنا نعلم أن الطبع يغلب التطبع وأن بعض العادات لا تتغير أبداً.

وكنت خلال فترة الخطوبة أصلي الاستخارة بشكل دائم وأدعو الله أن يختار لي الخير ويهديني إليه، ولقد تعلق قلبي بهذا الشاب، ولكن كنت أرى بعض الصفات التي جعلتني أتردد، وبعد فترة فسخت الخطبة وهو كان حزيناً بقراري لأنه يحبني وطلب مني التريث, لكني قلت في نفسي: إذا انتظرني هذا الشاب حتى العام القادم وتقدم لخطبتي ثانية فهو نصيبي وسوف أقبل به، وأما إذا تزوج فهو ليس من نصيبي، وكنت حزينة جداً بقراري هذا لكني أرغمت نفسي عليه وأنا أقول: إني استخرت الله وما خاب من استخار.

وبعد فترة قصيرة سمعت أنه خطب فتاة أخرى وأن الزفاف قريب، والآن أنا في حيرة من أمري, فقد مضى على فسخ الخطبة عدة أشهر ولم يخرج هذا الشاب من تفكيري لحظة واحدة وأنا متعلقة به كثيراً، وأحس بالاكتئاب الشديد، وقد أثر هذا على حياتي وعملي بشكل كبير، وأحياناً أخشى أن أحس بالندم مع أنني استخرت الله، والآن أريده أن يرجع لخطبتي مرة ثانية أو على الأقل أن يعرف أني أحبه ولكن لا أعرف كيف؛ لأن حيائي وكبريائي يمنعاني من الاتصال به وإخباره بذلك, وبنفس الوقت أفكر: هل إذا علم أنني متمسكة به سيعود إلي أم لا؟ لأنه لم يكن يعرف مشاعري تجاهه فترة الخطوبة, وربما اعتقد أني لا أحبه لذلك تركته.

وأنا أصلي دائماً، وأقرأ القرآن، وأفعل ما بوسعي لأتقرب من الله، وأدعو الله أن يهديني، وربما يعيده إلي، لكن لا أزال تعيسة وأفكر أنه إذا كان كل منا يريد الآخر فهل نفترق فقط لأني كنت خائفة في فترة من الأوقات ولم أخبره بمشاعري، أو لم أعطه فرصة كافية، وربما ظلمته ولم أتخذ القرار الصحيح، لكن الله غفور رحيم.

وأعلم أن كل شيء بيد الله وأنه قادر على كل شيء وأصبر نفسي بأن أقول: إن الله سوف يعيده إلي إذا كان خيراً لي، وإذا لم يكن خيراً فسوف يعوضني بشخص آخر هو الخير لي حتى لو كنت الآن لا أرى ذلك، ثم أقول ثانية: (اعقلها وتوكل)، فأين ينتهي دوري حتى لا أتواكل على الله وأكون قد توكلت بشكل صحيح وأديت ما علي بشكل كامل؟ وهل يجب أن أحاول الاتصال به لأنه يظن أنني لا أريده، أم أكتفي بالدعاء فقط أم ماذا؟

وجزيتم خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يقدر لك الخير حيثما كان وأن يرزقك الرضا به، وأن يعوضك خيراً إما بعودة خطيبك إليك أو بآخر أفضل منه وأصلح.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فالذي أراه أن ما حدث ما هو إلا نتيجة الاستخارة ودراسة الواقع الذي كان عليه هذا الشاب، فتصرفاته كانت مزعجة إلى درجة أنك كنت تشعرين معها بكثير من الحرج مما سبب لك رفضاً داخليّاً له ولتصرفاته ثم اتخذت القرار الذي رأيته صواباً في وقته، وهذه كلها من أقدار الله التي قدرها قبل خلق السماوات والأرض.

ولذلك أحب أن أطمئنك إلى أن تصرفك كان صحيحاً، خاصة أنك أحسنت التوكل على الله وأكثرت من الاستخارة والدعاء وأعطيته فرصاً لإصلاح هذا السلوك، فلا داعي لهذا التراجع الآن؛ لأن وقته قد فات، خاصة أنك سمعت أنه قد خطب أخرى وأصبح من الصعب تركها الآن والعودة إليك، إذ إنه لا ذنب لهذه الفتاة حتى تحرميها من رجل تقدم إليها وهي الآن تعيش -وبلا شك- أحلاماً وردية بالحياة السعيدة.

لذا أرى أن تتوجهي إلى الله بالدعاء أن يرزقك خيراً منه وأن تكفي عن الدعاء بعودته لك؛ لأن في هذا نوعا من الاعتداء في الدعاء والله لا يحب المعتدين، وإنما الذي عليك الآن فقط أن تجتهدي في الدعاء أن يعوضك خيراً، واعلمي أن لو كان فعلاً من نصيبك فما كانت الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه بهذه السرعة، وثقي بأنه لو كان لك فيه نصيب مستقبلاً فثقي وتأكدي من قدرة الله على إعادته لك، ولكن المطلوب منك الآن أن تحاولي التخلص من هذا الماضي، وأن تجتهدي في صرف الأفكار عن نفسك، وأن تكثري من الدعاء بالعوض وألا تحاولي تعذيب نفسك بأنك كنت السبب، وأنك لم تعطيه الفرصة الكافية، فهذه كلها أفكار تؤلم وتسبب الحزن والكآبة والتوتر إلا أنها لا تحل المشكلة أو بعضها، فسلمي أمرك لله واعلمي أن هذا هو قضاء الله وقدره، وارضي بما قدره الله حتى تستريحي، وأكثري من الدعاء بالعوض، وأبشري بفرج من الله قريب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً