الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلق وتوتر ووساوس في الطهارة والصلاة

السؤال

السلام عليكم.
أعاني من ضياع وقتي في التفكير في أشياء، إن عرض علي تنفيذها في الواقع فلن أوافق، كأن أكون محط أنظار كل من حولي، والجميع يتحدثون عني كأني عبقرية، وأفكر في أشياء حدثت قديماً، كمحاولة تحرش، كلما تذكرتها أشعر بخنقة، وأفكر في مواقف تمر بي لم أحسن التصرف فيها، وأظل أقول: كان لابد أن أعمل كذا، أنا تصرفت خطأ، والموقف أعيده في ذهني كأنه فيلم، وكأني تصرفت بالطريقة التي كنت أحبها، وهذا كله يضيع وقتي لا أقدر على التركيز، وأترك المذاكرة لأجل هذه الأفكار، وكأني أدمنتها، وأعاني من قلق فظيع، ولو عندي موعد مع إحدى زميلاتي أخاف أن أتأخر فأنزل مبكراً، ويوم الامتحان أقلق، لكن حتى يوم الامتحان أفكر في أشياء ليس لها علاقة بالامتحان.

وجزاكم الله خيراً أرسلت إليكم منذ قليل إلا أنني نسيت شيئاً مهماً، ألا وهو الوسوسة، ففي غالب صلاتي لا أدري كم مرة سجدت، مرة واحدة أو أكثر فأسجد ثم أسجد للسهو بعد الصلاة، وهذا يحدث كثيراً، وليس دائماً، وأوسوس هل خرج مني شيء يبطل الوضوء، وينتابني شعور أني وحيدة، ولا أحد يسأل عني، على الرغم من أني أفضل الوحدة، وأشعر أني لا فائدة مني؛ إذ لم أستطع إقناع أحد ممن حاولت معهم بالالتزام بشرع الله، فأنا أعتبر في العائلة متشددة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ A.a.r حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:


فأنت تعانين من قلق، ويظهر أن شخصيتك تحمل الكثير من سمات القلق، ثم بعد ذلك حدث لك أنواع مما يعرف بالقلق الظرفي، وهذا القلق الظرفي خالطه قلق الوساوس، وأرجو أن لا تنزعجي لكل هذه المسميات، فهي تدور في إطار واحد، ويمكن - إن شاء الله - علاجها والتغلب عليها.

أولاً: أرجو أن لا تؤمني بسخافة هذه الأفكار، وأن القلق هو الذي يضيع من تفكيرك ويشد انتباهك إلى أشياء أخرى، وهذا الشعور بالتعجل والشعور بتوقع الإخفاق هو أيضاً ناتج من القلق، فأرجو أن تفهمي ذلك؛ لأن فهم الإنسان لحالته النفسية يعتبر ركيزة أساسية من ركائز العلاج الناجع.

وحقيقة بالنسبة للعلاج هنالك العلاج السلوكي وهنالك العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي بدايةً التفهم للحالة يعتبر أمراً ضرورياً جداً، ثم بعد ذلك تحليل هذه الأفكار، ومن خلال تحليل هذه الأفكار يستطيع الإنسان أن يصل إلى قناعات بأن هذه الأفكار أفكار سخيفة، ويجب أن يحقرها، يجب أن لا يتبعها، يجب أن يقلل من شأنها ومن قيمتها، والإنسان إذا تأمل في ذلك بقوة ودقة وقناعة سوف تتبدل هذه الأفكار من أفكار سلبية إلى أفكارٍ أكثر إيجابية وأكثر واقعية.

حقيقة الوساوس القهرية بكل أنواعها متعددة، خاصةً الوساوس ذات الطابع الديني، وأنت جزاك الله خيراً على تمسكك بعقيدتك وغيرتك على دينك، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتك، والحمد لله العلماء الأفاضل قد أفتوا أن هذه الوساوس حقيقة يجب أن لا يتعبها الإنسان و- إن شاء الله - لا حرج على الإنسان مطلقاً فيما يحدث له من تداخلات في الصلاة وما شابه ذلك .

إذن المبدأ الأساسي هو تحقير هذه الأفكار، والتأكد القاطع بأن الصلاة صحيحة، ونصيحتي لك هي أن لا تعيدي الصلاة، وحتى سجود السهو لا أستطيع أن أنهيك عن سجود السهو، بالطبع إذا كنت على قناعة بأنك قد سهوت، ولكن أرجو أن ترجعي ذلك للوساوس، وحين ترجعيه للوساوس سوف تصلين إلى قناعات بأن صلاتك صحيحة .

يمكنك بالطبع أيضاً أن تصلي مع من هم في المنزل حيث أن صلاة الجماعة أيضاً تقلل من هذه الوساوس، ويمكن أيضاً أن تتركي أحداً من أخواتك يجلس بالقرب منك في وقت الصلاة ويراقبك، وسوف تكتشفي، وسوف يؤكد لك هذا الشخص أن صلاتك كانت صحيحة، هذا بالطبع سوف يدعم القناعات واليقين بأن هذه الوساوس لا أساس لها، ومن ثم - إن شاء الله - تختفي وتقل وتنتهي.

بالنسبة للطهارة، أرجو دائماً أن تحددي كميات المياه خاصةً فيما يخص الوضوء، وارجعي إلى المبدأ الشرعي فيما يخص أنه إذا خرج منك شيء أم لا، فما لم يُسمع صوته وما لم يُشم رائحته يعتبر غير موجود، أمسكي في هذا قوياً وتمسكي به، و- إن شاء الله - سوف تجدين أنك وصلت إلى قناعات أنه يجب أن لا تعيدي الوضوء.

بقية الأفكار حقيقة كلها قائمة على القلق والتوتر، وأعتقد أن العلاج الدوائي سوف يساعدك أيضاً كثيراً .

سوف أصف لك أحد الأدوية وهو دواء - إن شاء الله - فعال وممتاز ويعرف باسم بروزاك، والبروزاك جيد لعلاج القلق والتوتر والوساوس من هذا النوع، ابدئي بجرعة 20 مليجراماً في اليوم، أي كبسولة واحدة، ويجب أن تتناوليه بعد الأكل، فهذا أفضل، واستمري على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، أي أربعين مليجراماً، يجب أن تستمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، فهي المدة التي ثبت في الأبحاث أنها مطلوبة لعلاج مثل هذه الحالات، بعد ذلك خففي الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن تناول الدواء .

أختي الكريمة! يجب أن تتأكدي تماماً أن حالتك ليست بالفضاعة أو ليست بالشدة التي تتصورينها، هذه الأفكار التي تحاصرك وتتداخل عليك وتشوش عليك ما هي إلا ناتجة من القلق والتوتر، وأدت بعد ذلك إلى ظهور هذه الوساوس وباتباع الإرشادات السابقة، وتناول الدواء الذي وصفته لك سوف تجدين أن هذه الوساوس قد انتهت تماماً بإذن الله تعالى.

أسأل الله لك التوفيق والشفاء والعافية.
-----------------------------------
انتهت إجابة الدكتور ولمزيد من الفائدة يرجى التكرم بالاطلاع على الاستشارات التالية والتي تتناول علاج القلق بالوسائل الشرعية: ( 262448 - 262925 - 262925 - 261359 - 262267 )، والوساوس: ( 261371 - 263666 - 264992 - 265121 )، وعدم التركيز: ( 264551 ).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً