الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية التعليم النظامي إلى جانب طلب العلم الشرعي لإيجاد الفرص في سوق العمل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أطرح عليكم معاناتي، وأرجو منكم أن تمدوني بالنصح ولكم مني جزيل الشكر.

أنا شاب من سوريا عمري 26 عاماً لم أتزوج بعد، أما عن طفولتي فلا أريد أن أتكلم عنها فإن فيها من المعاناة ما فيها، وبعد مرحلة الطفولة دخلت المدرسة وكنت ـ بحمد الله ـ من المتفوقين فيها حتى الصف السادس ابتدائي، وبعد هذه المرحلة بدأ شيء من المعاناة، تراجع مستوى دراستي؛ لأنه كان هناك شيءٌ من التقصير من قبل أهلي ولا يوجد من يقدم لي النصح، ومن جهة أخرى كان يجب علي أن أساعدهم في أعمال الأرض؛ لأن مجال أسرتي تعمل في الزراعة وحراثة الأرض، واضطررت إلى ترك المدرسة في مرحلة الثالث إعدادي وذلك لأني تراجعت في مستوى دراستي وكان يجب علي أن أساعد أهلي في أعمال الأرض، وأمضيت كل هذه الفترة أعمل في الأرض دون فائدة شخصية، كان كل دخل الأرض يعود إلى الأسرة كي تجد قوت يومها.
وفي هذه الفترة الماضية.

لم يقل لي أحد يجب أن أتعلم صنعة، أو يشرح لي صعوبة الحياة القادمة وكيف يجب علي أن أعتمد على نفسي، علماً بأني أتقن عمل الأرض بخبرة طويلة وقدرة على العمل، وبعدما أنهيت الخدمة الإلزامية وجدت نفسي حائراً فيما يجب علي أن أعمل لأن دخل الأرض لا يكفي، ويجب أن أستقل مالياً كي أستطيع أن أعتمد على نفسي وأتزوج وأبني أسرة، وبعدها عملت في مجال التمديدات الكهربائية وأتقنت صنعة الكهرباء؛ ولكن لم أجد وظيفة في هذا الاختصاص، ومن جهة أخرى أنا أتقن العمل على الكمبيوتر في مجال الصيانة والبرمجة ولكن لا أستطيع الحصول على وظيفة لأني لا أحمل شهادة، وأتقن قيادة السيارة وأحمل أكثر من شهادة سواقة مركبات ثقيلة وشهادة عمومي، وإذا جئت أنظر إلى أصدقائي منهم من أصبح معلماً ومنهم من أصبح مهندساً، فالكثير منهم ناجح في حياته.
وأنا بحمد الله مؤمن بقضاء الله وقدره، ومنذ طفولتي وأنا ملتزم أقرأ القرآن وأصلي، ولا أعرف طيش الشباب ونزواته، وقد أنجزت شيئاً من حفظ القرآن، وقررت أن أبدأ في طلب العلم وأن أتعلم وأكون عنصراً فعالاً في المجتمع، والآن أجد نفسي عند مفترق طرق.

والسؤال الأول: هل تنصحوني في تحصيل العلم عن طريق قراءة كتب الفقه والأصول وحفظ القرآن الكريم؟ علماً أنه لم تكن دراستي في جامعة أو مدرسة ستكون ناقصة وغير معترف بها عند الكثيرين، وفي مجتمعنا مهما كنت تحمل من العلوم دون شهادة دراسة جامعية فلا قيمة لعلمك وقد لا يقبل الكثيرون بما تقول.

والسؤال الثاني: هل تنصحوني في تقديم امتحان الصف التاسع ومن ثم امتحان الثانوية (البكالوريا) ومن ثم الدخول في الجامعة ورغبتي في هذه أكثر، وأعرف من أقاربي من هو أكبر مني سناً وبدأ بهذه الطريقة ونجح، ومنهم من هو الآن طالب في الجامعة.

وأخيراً: لكم مني جزيل الشكر والامتنان وثقتي كبيرة بما تقدمون لي من نصح، وأرجو أن لا تبخلوا علي بما تعرفون من نصح، وجزاكم الله عنا كل خير.

والسلام عليكم ورحمة الله..

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو الحارث حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فأنت أيضاً ناجح في حياتك باكتسابك لعدد من الخبرات والمواهب بعد توفيق الإله الواحد، كما أنه لا يخفى على أمثالك أن الحياة لا تقوم على الأطباء والمهندسين وحدهم، ولكنها تقوم على سائر أصحاب المهن والأموال والوظائف والأعمال وقد أحسن من قال:

الناس للناس من بدو وحاضر ** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

وقد أسعدني التزامك بالإسلام وحرصك على تلاوة وحفظ القرآن، وأبشر بالخير فلن يضيعك مالك الأكوان الذي يعطي الدنيا لحقارتها حتى لأهل العصيان لكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه وتفضل عليه بالإحسان، وقد جاء في القرآن قول ربنا المنان: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى))[طه:131] ثم قال سبحانه: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ورزق ربك من الدين والتقى خير وأبقى.

كما أنه لا يخفى على أمثالك أن في الأطباء والمهندسين فقراء وفي الذين لم يتعلموا أصلاً تجار أغنياء فسبحان من يرزق الطير والعجماء وأحسن من قال:
ولو كانت الأرزاق تأتي على الحجا *** هلكن إذن من جهلهن البهائم

ونحن أيضاً ننصحك بمواصلة التعليم النظامي ولا مانع من تنمية مواهبك الأخرى والاستمرار في طلب العلم الشرعي فإنك تنفع نفسك بذلك أولاً، ولن يندم مسلم على حفظ آية أو حديث أو فهم مسألة في العلم بل إن طلب العلم أفضل من كل نافلة وكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من يحسنه، وأنا أعرف كثيرين من نجحوا في حياتهم وواصلوا طلب العلم النظامي بعد عمر طويل – بل أعرف رجلاً فاضلاً كان يعمل حارساً في الجامعة وتابع تعلميه منذ المرحلة الأولى حتى نال شهادة الدكتوراة واحتفلت به جامعة أم درمان الإسلامية احتفالاً عظيماً، وحضر مناقشة رسالته عدد من المدراء السابقين للجامعة والمهتمين.

وأرجو أن أقول لك أنت ولله الحمد – رجل موهوب وأرجو أن أسمع عنك الخير وعلى الإنسان أن يبذل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، واعلم أن الفقر ليس عيباً، وأن الغنى غنى النفس، وأن أعلى ما في الرجل قدرته على الكسب وتحمله للمسئوليات، ولن تندم على مساعدتك لوالديك وأسرتك، بل إن ذلك سوف يكون خير عون لك على الخير، فاقترب من والديك واحرص على برهم والدعاء لهم وصل رحمك وأحسن إلى الضعفاء ليكون في حاجتك رب الأرض والسماء، وكم نحن سعداء بتواصلك مع الموقع وبكلماتك التي تدل على همة عزيمتك.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً