الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إمكانية الشفاء التام من التشنجات وحالات الصرع ذات المنشأ النفسي

السؤال

تحياتي الحارة وشكري الجزيل.

إخوتي الكرام، أنا دكتور مرهف الحس، كثيراً ما أشعر بالهم الزائد وخصوصاً بسبب الأوضاع العامة في بلادنا، وهذا أعياني في الذهاب لكل الأطباء هنا على اختلاف تخصصاتهم، وكانت النتيجة أن ما عانيته كان نفسي المنشأ، وقد مررت قبل عامين بتجربة قاسية، إذ وقعت مغشياً علي متشنجاً وفاقداً للوعي، وبعد كافة الفحوصات والتي أجريتها لأكثر من مرة متباعدة كانت النتائج بفضل الله طبيعية، وبعد حوالي ستة أشهر وفي السابع والعشرين من رمضان وبعد يوم صوم وقيام وقبلها بيومين بدأت أشعر بالتعب والزوغان وقلة التركيز حتى في قراءة الفاتحة التي ردني فيها المصلون، في تلك الليلة حدثت لي نوبة أخرى من فقد الوعي، صحيح أنها أخف، فقد حدثت أتناء النوم، كما أن كل الفحوصات جاءت سليمة حتى الفحص البسيط وهو تخطيط الدماغ لأكثر من عشر مرات كان سليماً، لكن ذلك استوجب أخذ العلاج الذي آذاني نفسياً وجسدياً لكثرة الأعراض الجانبية، وبفضل الله لم تتكرر الحالة عندي، مع أن الطبيب النفسي أكد أن مرد الحالة نفسي ويجب السير في هذا الاتجاه، في حين أن طبيب الأعصاب له نظرة أخرى، ولذا قرر إعطائي الدواء (Oxcarbazepin) لعامين، وبعد شهرين تقريباً تنتهي مدة العامين، وأسأل الله أن تنتهي على خير إذ بدأت أشعر بالقلق والتوتر حيال الأمر، وما الذي سوف يحدث بعد العامين عند التوقف التدريجي للعلاج!

ولي إن أذنتم بعض الأسئلة حول هذه المسألة:

1- ما هي الرسائل المطمئنة من طرفكم ووفق خبرتكم (أمد الله في أعماركم) حول هذه الحالة؟

2- إذا كان العلاج يوصف بناءً على التخطيط الكهربي للدماغ، وقد كان سليماً لدي فلماذا أصر الطبيب على ذلك؟ وكيف للمريض أن يستعيد الثقة بنفسه في ظل فحوصات سليمة؟

3- أستشعر الأعراض الجانبية للدواء من حينٍ لآخر، فهل تستمر الأعراض الجانبية لهذا العقار لهذه الفترة، مع أنها تختفي من حين لآخر وبشكل تام فما الذي يعيد ظهورها؟

4- ما هي نصيحتكم لي فيما يتعلق بهذه الحالة تحديداً وفي الحياة العملية على وجه العموم؟ وهل النظام الغذائي يُفيد في ذلك أو بعض الوصفات العشبية؟

5- متى يمكن القول بأن هناك شفاء تام من هذه الحالة بإذن الله؟
بارك الله فيكم ونفع بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف كنعان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية يا أخي.

أخي، بالنسبة للحالة، حقيقة في كثيرٍ من الحالات يصعب تماماً التفرقة بين مرض الصرع الحقيقي وبين الحالات التشنجية ذات المنشأ النفسي، وفي كثير من الحالات قد يلجأ الأطباء لخيارات دوائية من أجل التجربة وهذا مسموح به، بمعنى أنه إذا كان هنالك شك في أن الإنسان مصاب بصرع عضوي هنا يفضل الأطباء أن يعطى محاولة على الأدوية المضادة للصرع، وبعد ذلك يراقب الطبيب المريض ويتحرى النتائج التي سوف تتأتى من هذه العلاجات .

حقيقةًَ، أنا يصعب علي تماماً مثل بقية الإخوة الأطباء أن أحدد لك بالدقة الشاملة نوعية هذه الحالة، ولكني أقول وأنا على درجة كبيرة جداً من اليقين أن هذه الحالة ما دامت انتابتك في أثناء النوم ربما تكون هنالك بؤرة صرعية صغيرة، ويا أخي تخطيط الدماغ لا يعتبر فحصاً جازماً أو حازماً ولا يعتد به في كثيرٍ من الحالات .

في حالات الصرع المؤكدة يكون التخطيط إيجابي في 60% فقط من الحالات، والتشخيص الأدق لمرض الصرع يتم بالمناظرة، أي العين الفاحصة التي تشهد الحالة هي التي قد تؤكد للطبيب إن كان هذا الإنسان يعاني من صرع أو لا، كما أن الوصف الدقيق الذي يقوم به المريض يجعل الطبيب في وضعٍ أفضل لتحديد إن كان هذا الذي يحدث هو صرع حقيقي أو مجرد تشنجات نفسية، ولابد أن أشير أنه في حوالي 40% من الناس يوجد فيهم مع الصرع الحقيقي العضوي الجانب النفسي، بمعنى أن التشنجات قد تبدأ كتشنجات نفسية، ثم بعد ذلك تتحول إلى تشنجات عضوية، والعكس صحيح، إذن هنالك نوع من التداخل بين الاثنين.

بالنسبة للسؤال الثاني وهو الخاص بتخطيط الدماغ، أتصور أني قد أجبت عليه، فقط أود أن أضيف أن تخطيط الدماغ هو فحص لابد من إجرائه، ولكن دقته ليست أكثر من 60%.

ربما يكون تخطيط الدماغ أدق إذا تم مباشرة بعد النوبة، نقول إذا كان هذا الفحص قد تم مباشرة بعد النوبة هنا قد يكون الفحص أدق، ولكن بالطبع هذا ليس في المتناول؛ لأن هذه النوبات تحدث خارج المستشفيات، وبالطبع حين يحضر الإنسان المستشفى قد لا يتيسر فحص الدماغ مباشرة.

عموماً أخي، أرجو أن تستعيد الثقة بنفسك على هذا الأساس، بمعنى أن فحص الدماغ هو واحد من الآليات التي يجب أن يقوم الطبيب بإجرائها، ولكنه ليس فحصاً قطعياً، وليس فحصاً يقينياً، هذا هو الذي أرجو أن أؤكده.

بالنسبة لاستشعار الأعراض الجانبية، الأعراض الجانبية للأدوية دائماً تكون في الفترات الأولى لبداية العلاج، وحقيقةً أنا أعتقد أن استشعار هذه الأعراض من وقتٍ لآخر ربما يكون ذلك نوع من الارتباط الشرطي، أي لأنك قلق وتتصور هذه الأعراض ربما يكون هذا هو الذي يجعلك تستشعر بها، وربما يكون هنالك جزء بسيط من هذه الأعراض الجانبية لا زال متبقياً، ويحدث له الشدة أو التصاعد في استشعارك به؛ لأنك بالطبع حساس بعض الشيء، كما أنك تتوقع حدوث هذه الأعراض مما جعلك تستشعرها .

عموماً أخي، هذا هو التفسير الذي أراه، وقد شاهدنا هذا كثيراً يحدث مع كثير من الإخوة والأخوات.

أخي، المتفق عليك تماماً أن الإنسان إذا كان يعاني من الصرع (وهنالك عدة أنواع من الصرع بالتأكيد ليس نوعاً واحد) المتفق عليه هو أن يتناول الإنسان الدواء لمدة سنتين إلى ثلاث، ولا شك أن الأوكسكاربزبين (Oxcarbazepin) هو من الأدوية الطيبة جداً، فهو قريب من التجرتول، ولكنه يتميز على التجرتول أنه لا يؤثر على كرويات الدم البيضاء، كما أن مستواه في الدم يظل متماسكاً وثابتاً مما يقوي من فعاليته .

أخي، أعتقد أن الطبيب قد قام بالإجراء السليم والإجراء المطمئن، وهذا يجب أن يكون باعثاً للطمأنينة بالنسبة لك، وأنا أقول لك أن 85% من الذين يتناولون العلاج لمدة سنتين أو ثلاثة ولا تأتيهم أي نوبات في هذه الفترة فيعني ذلك أنه قد تم شفاؤهم بفضل الله تعالى، أسأل الله تعالى أن تكون أنت واحداً منهم، ونسبة 85% نسبة عالية جداً في الطب....هذا هو الذي يجب أن يكون مبعث الطمأنينة بالنسبة لك .

صحيح أن 10-15% من الناس قد تنتابهم النوبات مرةً أخرى، وحتى بالنسبة لهؤلاء هنالك فرص ومجالات للعلاج كثيرة، سيبدأ الطبيب بالطبع الدواء مرة أخرى، وربما يضيف دواء آخر، والحمد لله الآن توجد أعداد طيبة وجيدة جداً من الأدوية المضادة للتشنجات ولعلاج البؤرات الصرعية، فقد حصل سعة وتوسع وانفتاح كبير جداً في علم الأدوية بالنسبة لعلاج التشنجات الصرعية، فعليك يا أخي أن تطمئن، وعليك يا أخي أن تدعو الله كثيراً أن لا تنتابك هذه النوبات مرةً أخرى، فهذا إن شاء الله يظلك بالطمأنينة المطلوبة.

بالنسبة للنظام الغذائي يا أخي، لا أعتقد أن هنالك علاقة بين الغذاء وبين هذه الحالات، ولكن بالطبع الإنسان مطالب دائماً أن يكون غذائه متوازناً، وأن يحافظ على صحته، وأن يتأكد أن المركبات الغذائية المطلوبة من كربوهيدريتات ودهون وبروتينات وأملاح وفيتامينات موجودة في المكون الغذائي، والشيء الآخر أخي هو بالطبع مواصلة الرياضة، فالرياضة ارتبطت الآن بالصحة النفسية والصحة الجسدية بالطبع، فهي تُساعد كثيراً .

لا يوجد وصفة لأي أعشاب معينة في هذا السياق، ولكني أقول لك أن التوازن الغذائي الصحيح هو المطلوب .

بالنسبة للسؤال الأخير: هل يمكن القول بأن هنالك شفاء تام من هذه الحالات؟

بالطبع يا أخي حين تختفي الحالات ولا تُعاود الإنسان مرةً أخرى يُعتبر هذا هو درجة الشفاء العليا، وهنالك درجات أخرى للشفاء من ناحية مفهوم الطب النفسي، فإذا كان الإنسان لا زال يعاني من بعض الأعراض ولكنه أصبح مؤهلاً ومثابراً ومتواصلاً ويستطيع القيام بأداء وظائفه الاجتماعية والأسرية دون أي إعاقات من الأعراض المتبقية فهذا أيضاً يعتبر درجة ثانية من الشفاء .
أسأل الله لك العافية والشفاء ولنا جميعاً .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر مروى محمد

    الله يشفيك ويعافيك اخي العزيز .زوجي حدث له نفس الحالة بالضبط حتى ان النوبة الثانية جاءته أيضا أثناء النوم . وشكرا جزيلا للرد الشافي الوافي على الشكوى جزاكم الله كل خير.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً